آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
تمارا برّو
عن الكاتب :
أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني

هل تعيد الصين النظر في علاقاتها مع الدول التي اتّهمتها بعدم الشفافية؟

 

  تمارا برّو

على خطى بريطانيا، وافقت فرنسا على السماح لشبكة هواوي باستغلال شبكة الجيل الخامس مع بعض القيود، فهل ستقدم أيضاً على التراجع عن هذه الخطوة، ما يؤدّي إلى مزيدٍ من توتير العلاقات بين الدولتين؟

تُشنّ في الآونة الأخيرة حملات دولية تطالب الصين بالتعويض عن تفشّي فيروس كوفيد 19، إذ يتّهم العديد من الدول الغربية الصين بإخفاء معلومات عن مصدر الفيروس وانتشاره، وتقديم معلومات مغلوطة في ما يتعلّق بالأعراض وتأثيره في البشر وطرق انتقاله، والتأخّر في التبليغ عن تفشّيه، بما يشكّل انتهاكاً لقواعد منظمة الصحة العالمية، وإخفاء الأرقام الحقيقية للمصابين لديها وعدد الوفيات جرّاء المرض. 
هذه الحملات تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وانضمّت إليها أستراليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الحليفة لأميركا. ومؤخّراً، صدر تقرير عن الاتحاد الأوروبي يتّهم فيه الصين وروسيا بنشر معلومات مغلوطة عن جائحة كورونا.
في المقابل، تصرّ بكين على أنها تعاملت بشفافيةٍ، وشاركت المعلومات بشأن فيروس كوفيد 19 في الوقت المناسب، رافضة الدعوات إلى تحقيقٍ دولي حول مصدره، لأن ذلك، بحسب سفير بكين في بريطانيا، له دوافع سياسية، ومن شأنه أن يعيق جهود الصين في مكافحة الجائحة.
يدرك القاصي والداني أن المطالبات بتحميل الصين المسؤولية الدولية عن جائحة كورونا ما هي إلا تغطية لفشل أنظمة الدول والاتحاد الأوروبي في التعامل مع الجائحة من جهة، وخشية من صعود الصين وتزعّمها العالم من جهةٍ ثانية، الأمر الذي ترفضه بعض الدول الأوروبية، التي حاولت إقناع الرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء زيارته فرنسا العام الفائت، بالعمل معها لإنشاء عالم متعدّد الأقطاب.
تحاول الولايات المتحدة الأميركية تحقيق الاستفادة القصوى من فرصة انتشار جائحة كورونا، لتسديد ضربة قوية للصين التي باتت اليوم عدوّها اللدود، وتعمل على تأليب الدول عليها، وهذا ما نراه من خلال تصريحات الرئيس ترامب ووزير خارجيّته بومبيو، فالأخير استغلّ امتعاض بعض الدول من الطريقة التي تعاملت معها الصين في مكافحة الفيروس، ليشنّ هجوماً على عملاق التكنولوجيا الصينية هواوي، ما دفع بريطانيا إلى إعادة النظر في السماح للشركة بأن يكون لها دور في البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس فيها، بعد أن كانت قد وافقت سابقاً على التعاون مع الشركة. 
وعلى خطى بريطانيا، وافقت فرنسا على السماح لشبكة هواوي باستغلال شبكة الجيل الخامس مع بعض القيود، فهل ستقدم أيضاً على التراجع عن هذه الخطوة، ما يؤدّي إلى مزيدٍ من توتير العلاقات بين الدولتين؟
أما أستراليا فقد ذهبت عكس ما قامت به بريطانيا وفرنسا، واستجابت للإملاءات الأميركية، فرفضت السماح للشركات الصينية بتوريد شبكتها من الجيل الخامس، وهو ما أغضب بكين. وعندما طالبت أستراليا الصين بأن تكون أكثر شفافية حول جائحة كورونا، دعاها المتحدّث باسم الخارجية الصينية إلى "بذل المزيد من الجهد لتحسين العلاقات الثنائية، وخصوصاً التعاون الثنائي في مكافحة الوباء، بدلاً من ترديد تصرّفات دولة معيّنة واتباع خطواتها لإثارة هذه القضية"، وكان يقصد بكلامه طبعاً الولايات المتحدة الأميركية.
كما حذّر سفير الصين لدى أستراليا من أنَّ المطالبة بإجراء تحقيق في تفشّي فيروس كورونا يمكن أن تؤدّي إلى مقاطعة المستهلكين الصينيين للمنتجات الأسترالية أو الزيارات إلى هذا البلد. 
ولا شكّ في أن العلاقات الصينية الأسترالية التي تشهد في الأصل تدهوراً بين الحين والآخر، ستتعقّد، وسيؤثّر ذلك في اقتصاد أستراليا، على اعتبار أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول لها.
 تنظر أستراليا إلى الصين بعين الريبة والحذر، لأن الأخيرة، كما تدّعي أستراليا، تسعى إلى بسط نفوذها في منطقة المحيط الهادئ، وأستراليا ترغب في تعزيز دورها كزعيمٍ سياسي واقتصادي رئيسي في تلك المنطقة، فضلاً عن العلاقات القوية التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية وتؤثّر في علاقتها بالصين.
منذ بداية تفشّي فيروس كوفيد 19 في الصين، لم يتوانَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن شنّ الهجمات عليها، متّهماً إياها بالتقاعس في تقديم البيانات حول الفيروس والتكتّم على خطورته. ووصل الأمر إلى حد تشكيك وزير خارجيّته، مارك بومبيو، في احتمال أن يكون الفيروس قد تسرّب من مختبر في مدينة ووهان الصينية، وطالب بإرسال فريق تحقيق إلى الصين، وهو ما رفضته الأخيرة، ودعت المسؤولين الأميركيين إلى التوقّف عن مهاجمتها والتركيز على جهود التعاون الدولي لمكافحة الفيروس.

إن نظرة فاحصة إلى تصريحات الرئيس دونالد ترامب منذ تفشّي الوباء في الصين، تظهر أنه كان مراراً وتكراراً يشيد بجهود الصين في مكافحة الوباء، ويخصّ بالذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ، ولكن بعدما غرقت الولايات المتحدة الأميركية في جائحة كورونا، وخرج الوباء عن سيطرتها، وأظهر فشل الإدارة الأميركية في احتواء الفيروس، أصبح ترامب في موقفٍ لا يحسد عليه، لما في ذلك من تأثيرٍ في إعادة انتخابه، فصبّ جام غضبه على الصين، وبات لا يوفّر مناسبة أو تصريحاً له إلا ويتّهمها بأنها سبب الجائحة.
الوضع الآن، كما تردّد الصين، يحتاج إلى تعاونٍ دولي لمواجهة فيروس كورونا، بدلاً من رمي الاتهامات شمالاً ويميناً، وصبّ الزيت على النار، وتوتير العلاقات بين الصين ومختلف دول العالم، ولكن ماذا لو تمّ الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة الأميركية على التعاون لحل أزمة جائحة كورونا، وتدارك الأزمة الاقتصادية والمالية الناجمة عنها، فهل ستعيد الصين النظر في علاقاتها مع الدول التي اتّهمتها بعدم الشفافية أم أنّ الاتفاق الصيني الأميركي، إذا ما تمّ التوافق عليه، سيدفعها إلى أن تغضّ البصر عن مراجعة حساباتها تجاه هذه الدول؟

لصالح موقع الميادين نت

 

أضيف بتاريخ :2020/05/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد