آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أيمن عقيل
عن الكاتب :
مدير عام لمؤسسة ماعت للسلام والتطوير وحقوق الإنسان، ومنسق لشبكة المحلية المصرية التابعة لمؤسسة آنا ليند. عمل استشاري تطوير وتدريب وبناء قدرات منذ عام 2005

غورباتشوف السعودي

 

أيمن عقيل ..

لا يرى الكثيرون أن تشخيص حال المملكة الذي اضطلع به العهد الجديد في مطلع العام الماضي كان خاطئاً تماماً لجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط التي وضع لها النفط الصخري سقفاً لا يبتعد كثيراً عن الأسعار الحالية. هذا عن التشخيص، لكن كلاماً آخر يتم التداول فيه بخصوص الوصفة العلاجية. الخطوط العامة لرؤية 2030 هي نتاج خطة شركة «ماكينزي» للاستشارات التي خرجت إلى الضوء منذ حوالي خمسة أشهر. غلب على ردود الفعل الصحافية الغربية طابع المفاجأة، فليس يسيراً استيعاب وعد الأمير الشاب بأن المملكة لن تعتمد على النفط بعد أربعة أعوام، هي التي تعتمد حالياً عليه بما يناهز 90 في المئة إذا ما احتسبنا الصناعات البتروكيميائية. لا شك في أن حداثة عمر الأمير الثلاثيني ومغامرته العبثية في اليمن تشي بأن أرقامه التي وعد بها يخالطها بعض الحماس غير المحسوب.

 

في جردة حساب سياسية للمملكة، من المثير ملاحظة جاهزيتها لمدّ الجسور مع تركيا وقطر وتجاوز عدائها مع «الإخوان المسلمين»، باستثناء مصر لأسباب واضحة، من أجل التصدّي لإيران. هذا ومن المعلوم أن «الإخوان» هم تهديد دائم للعائلة المالكة لسبب بسيط هو منازعتهم لها على شرعية النطق باسم الأمة الإسلامية ـ السنية٬ وهذا ما لا يتوفر في حالة إيران مثلاً. بدا هذا الأمر كتكريس لسياسة «الحقد الاستراتيجي» والشخصنة المبالغ فيها لملفات حارّة٬ جرت العادة أن تستعين الدول بعقل بارد للتصدّي لها. كانت هذه الشخصنة جلية أيضاً في الاجتماع النفطي الأخير في قطر٬ حيث أشارت تقارير كثيرة أن الأمير محمد بن سلمان تدخّل لتخريب اتفاق محتمل لتخفيض الإنتاج٬ متجاهلاً انعكاسات هذا القرار الإيجابية على الأسعار بسبب استفادة إيران من هذا القرار. كل ما سبق يجعل من الصعب على المتابعين أن لا يربطوا بين قلة خبرة الأمير من جهة٬ والافتقار إلى الحكمة والهدوء في التصدي لملفات مصيرية من جهة أخرى.

 

في مصر، ربحت المملكة جزيرتين وخسرت بلداً مترامي الأطراف. تنتمي خطوة الاستحواذ على الجزر إلى زمن تغوّل الجغرافيا والجيوبوليتيك البائد الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة٬ بحيث إن المراقب يحسب أن في الأمر استحضاراً لنظريات بريجنسكي في قلب أوراسيا. لا يجادل أحد في مدى تحسّس المصريين بهويتهم٬ فالدولة في مصر عميقة وعريقة بقدر الأهرام. وفي وضع كهذا، آخر ما يريده المصريون هو أن تقتطع دولة أخرى جزءا يعتقدونه من بلدهم. في هذا المثال عيّنة واضحة عن طرق المملكة الفريدة في حساب الربح والخسارة.

 

من غير المعلوم كيف سيستجيب النموذج الاقتصادي السعودي «المودل» للتغيرات الجذرية المنوي تطبيقها٬ ومن الصعب توقع هذه الاستجابة قياساً على نموذج اقتصادي ـ سياسي آخر. ببساطة، لا يتحقق في دولة أخرى غير السعودية مثلاً التواجد الموازي للمطاوعة والشرطة، ولا يتوفر التجذّر القياسي لثقافة الاقتصاد الريعي. هذا نموذج أقل ما يُقال فيه إنه حرج ويحتاج إلى عناية يومية كي لا يتداعى. يريد الأمير أن يحدث تغيّرات جذرية في هذه التوليفة، لهذا يتوجّس الجميع. قديما قيل إن غورباتشوف لم يفهم خصوصية الاتحاد السوفياتي التي لا تسمح بتوقع تأثيرات «الغلاسنوست» و «البيروسترويكا» على البيت الداخلي. هو وارب الباب قليلاً، فتفجّر كل شيء.

 

صحيفة السفير اللبنانية

أضيف بتاريخ :2016/04/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد