آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حمد الباهلي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

الدولة والمجتمع وحيوية العلاقة

 

 حمد الباهلي ..

في كل مجتمع هناك علاقة مشتركة بين الدولة بكل مؤسساتها والمجتمع بكل مؤسساته . وبغض النظر عن شكل ونوع هذه العلاقة ، لا بد من أن تتسم هذه العلاقة بحيوية دائمة تحول دون خمول المجتمع وتآكل الدولة وما يترتب على ذلك من الجمود الذي قد يدفع العلاقة بين الطرفين إلى الفتور والمشاحنة . ذلك أن فتور المشاعر” كأفكار” مشتركة لا يمكن أن تبقى في منطقة الجمود المطلق أي الثبات لأن سنن التحول في الأفكار مرتبطة بشكل وشائجي بسنن التحول في الواقع على الأرض وهذا الواقع متحرك بطبيعته . من هنا تبرز خطورة وصول العلاقة بين الدولة والمجتمع إلى هذا الوضع لأن الضرر لن يقتصر على طرف بل على الطرفين مجتمعاً ودولة . لقد كشفت أحداث الربيع العربي وتبعاتها عن استهانة مفرطة لبعض الدول ممثلةً بسلطاتها التنفيذية وزعاماتها السياسية في صيانة ، والحفاظ على صحة وعافية العلاقة المشتركة بين الدولة والمجتمع فحدث ما كان لا بد أن يحدث . أما ما كان يجب أن يحدث لتلافي الكارثة فذهب أدراج الرياح . الحمد لله أن بعض الدول سارعت لدرء ما حل بتلك البلدان المنكوبة وشرعت بمشاريع متفاوتة كماً وكيفاً لتصحيح العلاقة وصياغة مخارج آمنه ، إلا أن الأخطار لا تزال حاضرة خاصةً وأن عوامل إقليمية ودولية أصبحت اليوم طرفاً مباشراً فيما يدور من حروب وإرهاب ونوايا توسعية تحت شعارات طائفية معلنة . وإذا كانت الأمور كذلك ، أو فيها الكثير من ذلك ، فإن الضرورة الملموسة والمجربة في الكثير من بلدان العالم المستقرة سياسياً واجتماعياً تقتضي أن تكون بوصلة كل المشاريع التنموية باتجاه صياغة علاقة صحية وصحيحة ومشتركة بين الدولة والمجتمع الذي هو الناس على اختلاف مشاربهم الدينية والفكرية والعرقية . الأزمات والمشاكل موجودة في البلدان الراسخة والقوية وجزء مكون لقوتها . منذ حوالي خمسة أشهر وبسبب قانون واحد هو قانون العمل الجديد وليس بسبب رؤية شاملة ، تعيش فرنسا أزمة حادة على مستوى الحكومة وكل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لدرجة شل حركة وحياة أكثرية الفرنسيين بل واقتصاد فرنسا المقبلة خلال أيام على استضافة بطولة الأمم الأوروبية وكل ذلك والفرنسيون لا يشعرون بالهلع حول المستقبل . الإضرابات مستمرة والحوار بين الدولة ومؤسساتها والمجتمع ومؤسساته والجهات المخولة دستورياً تدير الحوار في حدود مسئولياتها ، وفرنسا ستجد الحل الذي سيتفق عليه وفق التنازلات لمصلحة فرنسا دولة ومجتمع . هذه ليست دعوة للمقارنة والاستنساخ ففي ذلك عجز وخطر . مجتمعنا يمر اليوم بمعالم سياسة مستقبلية على يد جيل جديد لا يمكن إلا أن يكون تفكيره مستقبلياً وحماسه مرتبط عضوياً بالحاضر . عندما طرحت الدولة رؤية السعودية2030 على يد سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس الهيئة الإقتصادية والتنمية استبشر الناس خيراً بالرغم من ضخامة المشروع وغموض حيثياته وأهدافه . تكفي جهة التحرك للأمام والانخراط في الجديد واللغة التي تحدث بها سمو الأمير والزخم الإعلامي الذي رافق طرح الرؤى ، كل هذه الأمور وغيرها أشعلت الأمل في نفوس الأكثرية من الناس . النخب على إختلاف مشاربها شاركت أيضا لكن مشاركاتها بدأت في التنوع مع دخول المتخصصين الإقتصاديين وخبراء البترول والاستثمار – وهذا الأخير يمثل عصب الرؤية . وشيئاً فشيئاً بدأت الآراء تنقسم ووعدت الجهات الراعية للرؤية بنشر الخطط التنفيذية قريباً الشيء الذي أعطى لبعض الأطراف حجة دامغة بوجوب الانتظار . تراجعت النقاشات وطرأ عامل الصمت ثم عم الالتباس . ربما يكون هذا الالتباس مقصوداً لإتاحة الفرصة لمزيد من النقاش ، لكن المثير في هذا الاتجاه أن لا وجود لردود رسمية أو مهنية حول ما وجه للرؤية من ملاحظات وأتمنى أن أكون مخطئاً أو غير مطلع . ما أعرفه في هذه الأيام هو أنه وبالرغم من الحملات الدعائية للرؤية في وسائل الإعلام ، إلا أن النقاش يتراجع وحتى لو حدث تنقصه الحيوية والحماس الذي رافق طرح الرؤية . ويمكن القول بأن أجواء من عدم الجدية في النقاش حول الرؤية بدأ يتسرب من النخب إلى المراقبين العاديين . اليوم يتحدث الناس عن شركة ماكنزي الإستشارية وتاريخها ومنجزاتها وتحديداً إخفاقاتها أكثر مما يجري الحديث عن الرؤية التي لم تعلن خطتها التنفيذية . ثمة خلل في التواصل بين الرؤية والقائمين عليها وبين من بنيت الرؤية لأجلهم . الرؤية في نصوصها تشدد على أن المواطن هو حجر الأساس في تنفيذ الرؤية والاستفادة من مردودها والمنطق يقول بأن هذا المواطن لا بد أن يكون شريكاً مكوناً في وسائل التخطيط والتنفيذ . هل تسير الأمور بهذا الاتجاه ؟ لا .. وأرجو أن أكون مخطئاً في تصوراتي ماعدا في شيء واحد . ثمة خلل ما في توطين الرؤية .

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/06/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد