آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أنيس فوزي قاسم
عن الكاتب :
خبير فلسطيني في القانون الدولي

أزمة الخليج وأثرها على المقاومة الفلسطينية

 

أنيس فوزي قاسم

تزعم هذه المقالة أنها حيادية لا تنحاز لدولة قطر ضد الدول العربية التي أعلنت حصارها لها، ولا تدافع عن مواقف هذه الدول في حصارها لدولة قطر، ذلك أن الأسباب الحقيقية التي فجرت هذه الأزمة فجأة ما زالت غير معروفة ولا يعلم بها إلاّ طبقة الحكم في تلك الأقطار، بالإضافة إلى سادة الأقطاب الدولية.

 

ولكن موقف الحياد بين المعسكرين، لا يخفي مخاوف عميقة من أن هناك صفقات تدور وراء الكواليس سوف تؤثر على نحو خاص في القضية الفلسطينية، لاسيما وأن النخبة الخليجية التي تتصدى لإدارة هذه الأزمة تحمل مواصفات «المحافظين الجدد» من حيث النزعة الاستبدادية المتصلبة في المواقف، واعتبار أنها صاحبة الحق المطلق الذي لا يقبل النقاش ولا يأتيه الشك من أي جهة.

 

وما يزيد من منسوب هذه المخاوف هو التمعّن في «قائمة المتطلبات الجماعية من قطر» وعددها ثلاثة عشر مطلباً، وهي تثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب قبل أن نصل إلى الاستهجان، وهو صلب موضوعنا.

 

وبداية لابدّ من تقرير مبدأ دولي استقرّ عليه المجتمع الدولي في قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 ومناط هذا المبدأ الوارد في البند الأول من ذلك القرار انه «يتعين على الدول أن تكفل امتثال أية تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ولاسيما القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين الدولي والقانون الإنساني الدولي». فإذا كانت دول الحصار تعلن حصارها لدولة قطر بمقولة مكافحة الإرهاب، فإنها ملزمة، وهي تحارب الإرهاب، باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي بكل مكوناته، ذلك أن محاربة الإرهاب ليست رخصة للمساس بحقوق الإنسان أو لانتهاك مبادئ القانون الدولي. وعلى سبيل المثال، ورد في احد المتطلبات انه على دولة قطر إلا تخلّ بالعقوبات «المفروضة دولياً وأمريكيا على إيران». من الظاهر أن هذا التزام فردي على دولة قطر، فإذا أخلّت به، لماذا لا يتصدى المجتمع الدولي، والأمريكي خاصة، لهذا الإخلال؟ هل هناك مسؤولية جماعية على دول المقاطعة بالتصدي لإخلال قطر؟ وما هو السند القانوني لهذه المسؤولية الجماعية بالذات؟ ثم تطالب دول الحصار دولة قطر «بإغلاق قنوات الجزيرة [ الفضائية] والقنوات التابعة لها». فهل تدرك دول المقاطعة أن هذا انتهاك للقوانين الدولية، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على حق الإنسان في التعبير والنشر والرأي؟ وقد علقت مجلة «الايكونومست» البريطانية ( 29/6/2017) على هذا الطلب بقولها انه يشبه حالة أن تطلب الصين من بريطانيا إغلاق محطة «بي بي سي». وأدرجت دول الحصار مؤسسات وكيانات وأفراداً قطريين على قائمة الإرهاب، دون اتخاذ إجراء قضائي أو شبه قضائي، ودون نشر بيانات وأدلّة تسوّغ لها هذا التصرف. وفرضت حصاراً برياً وبحرياً وجوياً وطردت مواطني دولة قطر من أراضيها حتى للعابرين منهم في مطاراتها، دون اعتبار للنواحي الإنسانية والاجتماعية. وهذه مجرد أمثله على تجاوز دول الحصار لالتزاماتها بموجب القوانين الخاصة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي، رغم أنها ترتكب هذه الخروقات وهي تتصدى – حسب ادعائها- لمقاومة الإرهاب وهو بلا شك عمل جليل.

 

ثم نصل إلى موضوعنا الذي أثار قلقاً خاصاً من هذه الأزمة، التي مازالت تتمدد وتفتح أبوابها للتدخلات الخارجية. يشترط المتطلب الرابع من دولة قطر «إيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي فرد أو كيانات أو منظمات إرهابية أو متطرفة، وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع وكذا القوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها». من الواضح أن هذا نص مرن وفضفاض، لاسيما وأنه يتعلق بمسألة أكثر مرونة وهي الإرهاب، إذ لم يعثر القانون الدولي حتى الآن على تعريف جامع مانع لما يسمى بـ»الإرهاب»، ولا أدلّ على ذلك من أن هناك اثنتين وعشرين اتفاقية دوليه تصدت للإرهاب، ولم تتفق هذه المواثيق على تعريف واحد أو محدد. أن هذا يؤكد أن مسألة التصدي للإرهاب مسألة تخضع لمعايير ذاتية وشخصية، ولا تستند إلى أسس موضوعية أو معايير محايدة. فقد وجد الإخوان المسلمون – على سبيل المثال – في المملكة العربية السعودية، الملاذ الآمن حين اختلفوا مع جمال عبد الناصر، والآن أصبحوا حركة إرهابية في المنظور السعودي، علماً بأن سلوكهم ومنهجهم وعلمهم وشعارهم ظل على حاله، ومازالوا، وإن بلهجات مختلفة، يطرحون شعار «الإسلام هو الحل». أما في الأردن فقد كانوا، ومازالوا، من أركان النظام الأساسيين. وقد سبق الإعلام المصري أن قال في حركة حماس، التي هي جزء من حركة الإخوان المسلمين، أكثر مما قاله مالك في الخمر، والآن يقوم وفد من حماس بزيارة القاهرة ويعلن الأخ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة عن تقديره لموقف مصر الأخوي.

 

إن الخطر الذي ينطوي عليه المتطلب الرابع هو انه قد يؤدي إلى، أو يفتح باباً على المقاومة الفلسطينية. وقبيل طرح هذه المتطلبات رسميا، ورد على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قوله إن على قطر أن توقف مساعداتها للمنظمات الإرهابية مثل «حماس». صحيح أن اسم «حماس» لم يرد في قائمة المتطلبات إلاّ أن الخلفية تشير إلى ذلك، كما أن تفسير المتطلب الرابع يؤدي إلى تلك النتيجة. إذ أنه من الثابت أن حركة «حماس» مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، وبالتالي ليس مبالغة في التفسير القول أن المتطلب الرابع سوف يطعن في المقاومة الفلسطينية مهما حاولت دول المقاطعة استخدام التعابير الفضفاضة. والمقاومة الفلسطينية لا تقتصر على المقاومة الإسلامية «حماس» بل تشمل كل عناصر المقاومة، بما في ذلك عناصر المقاومة التي لجأت مؤخراً إلى ما أطلق عليه تجاوزاً «انتفاضة السكاكين» أو اضطرت لاستخدام المركبات الميكانيكية لمهاجمة قوات الاحتلال. وقيام أي عنصر من عناصر المقاومة باستخدام السكاكين أو المركبات الميكانيكية ضد أي جندي/ جندية إسرائيلي هو عمل مشروع في القانون الدولي، باعتبار أنه شكل من إشكال المقاومة لاحتلال أجنبي، رغم أن إسرائيل تطلق عليهم صفة «إرهابيين»، وإذا أخذنا في الاعتبار عمق التأثير الصهيوني على الرأي العام الأمريكي، فان وصف إسرائيل لهؤلاء المقاومين بالإرهابيين سوف ينتقل عاجلاً أم آجلاً إلى صانعي القرار الأمريكيين، أي أن المتطلب الرابع سوف يمتد ليشمل أي عمل مقاوم يقوم به أي فلسطيني أو فلسطينية ضد الاحتلال أو ضد أي عمل إجرامي يقوم به المستوطنون ضد المدنيين الفلسطينيين، لاسيما إذا تم إدراج هذه الفئة من المقاومين في قوائم الإرهاب الأمريكية.

 

ولابدّ من إعادة قراءة المتطلب الرابع لكي ندرك خطورة محتواه على المقاومة الفلسطينية. أنه ينص على وقف كل «إشكال التمويل» ، وهذه الأشكال قد تأخذ شكل التمويل نقداً، أي لا يحق لقطر التبرع بالمال لأي مقاوم، وإذا استشهد هذا المقاوم، فان الدعم النقدي يجب أن لا يقدم لأولاده أو عائلته، كما تطالب الآن الولايات المتحدة ( وقد تعهدت السلطة الفلسطينية بوقف هذا الدعم) ونعلم أن إسرائيل قد استصدرت قانوناً من الكنيست يفوض الحكومة بخصم مبالغ محددة كانت مخصصة لأهالي الأسرى والشهداء. كما يشمل التمويل المعونة العينية، مثل تقديم خيمة أو بيت متنقل للآلاف الذين دمرت مخيماتهم ومنازلهم أو الذين تقوم إسرائيل بنسف بيوتهم. ويمتد الحظر ليشمل ليس الأفراد، بل «الكيانات» و»المنظمات»، سواء كانت هذه المنظمات «إرهابية» أو «متطرفة». وقد سبق وان تطرقنا إلى تعريف الإرهاب، إلاّ انه لا يوجد تعريف كلمة «متطرفة». فهل حركة مثل حركة المقاطعة الفلسطينية (BDS) منظمة متطرفة؟ وهل المنظمات الفلسطينية التي تنظم دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين في مختلف الدول، منظمات «متطرفة»؟ لاسيما وأن إسرائيل تطلق على هذه الأنشطة اسم «الحرب القانونية».

 

إن شرط المنع قد يتمدد ويتسع أو يضيق حسب رغبات دول المقاطعة، دون إيجاد أي معيار أو صفه أو تعريف موضوعي، ما يجعل عملية الطعن في المقاومة الفلسطينية أو التضييق عليها عملاً خاضعاً لاعتبارات سياسية ضيقة، طالما انه يمكن وصف المقاومة بالإرهاب أو التطرف دون تحديد أو وضع معالم واضحة. وفي النهاية، لابدّ من التساؤل: إلاّ يشكل هذا المتطلب منزلقاً خطيراً لدول المقاطعة قد ينتهي بها المآل إلى الوقوع في الفخ الإسرائيلي؟ إذ أنه يمكن القول أنه إذا قامت دول الحصار بمقاطعة قطر لأنها تقدم العون المالي للمقاومة الفلسطينية، ولاسيما تلك المدرجة على القوائم الأمريكية، ستقوم هي بدورها بقطع أية معونة مالية أو عينية عن أهلنا في الأراضي المحتلة. والذي سوف يصبحون فجأة في وضع قاتل يجدون أنفسهم فيه بين سندان الاحتلال ومطرقة الأشقاء في دول الحصار. فهل يصل بنا الحال إلى هذا المأزق ويصل الحال الإسرائيلي إلى هذا الانفراج؟

 

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/07/15