آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسين بافقيه
عن الكاتب :
حسين محمَّد علوي بافقيهrnrn· ولد في مدينة جدَّة بالمملكة، في عام 1384هـ (1964م).rn·حاصل علي بكالوريوس اللُّغة العربيَّة وآدابها في كلِّيَّة الآداب بجامعة الملك عبد العزيز في جدَّة، عام 1409هـ=1989م. وماجستير في النَّقد الأدبيّ الحديث، جامعة الملك سعود بالرِّياض، عام 1424هـ=2004م.rn·عمل في وزارة الثَّقافة والإعلام – الشُّؤون الثَّقافيَّة بمحافظة جدَّة.rnله عدة مؤلفات

الأدب النَّقديّ

 

حسين بافقيه

كان طه حسين يُلِحُّ، كثيرًا، على أنَّ نَقْد الأدب لا ينبغي له أن يَخرُج عنْ أدبيَّته، وأنَّ ناقد الأدب، إنْ أراد تحقيقًا لهذا الاسْم = أديبٌ، وأنَّ ما ينْشِئه أدبٌ، وإنْ بايَنَ وُجُوه الأدب الأخرى، في أنَّ الشِّعْرَ، والقَصَّ، والمسرحيَّةَ، كُلُّ أولئك إنَّما يَصْدُر فيهنَّ الأديب عنْ مَنَازِعَ تختلف عن المَنْزِع الَّذي يَصْدُر عنه ناقد الأدب، والغاية الَّتي يرمي إليها.

نَظَرَ طه حسين إلى الأدب، فألفاه لا يخرج عن اثنين: أدبٍ إنشائيّ، وهو الَّذي نَدْعوه، اليومَ، «إبداعيًّا»، وفيه يُنْشِئ الأديب أَثَرًا خَلَصَ للأدب بتمامه = وأدبٍ نَقْدِيٍّ، وهو الَّذي اصطُلِحَ على تسميته «نَقْدًا أدبيًّا». فناقد الأدب – عند طه حسين وأضرابٍ مِنَ الكُتَّاب – إنَّما يُنْشِئ أدبًا، لأنَّه يُدِير كلماته على أَثَرٍ سابقٍ له، وأنَّه لا يستطيع أن يَصُدَّ نفسه ورُوحه عنْه، سواءٌ اكتفَى بالمتعة، حِينَ قَرَأَه، أوْ زادَ على المتعة فابتغَى الدَّرْسَ والتَّفسيرَ والتَّعليلَ. لكنَّه، في كُلِّ أحواله، واجبٌ أنْ نَدْعُوه «أدبًا نَقْدِيًّا»، متى أردْناه «نَقْدًا أدبيًّا».

وما ذَهَبَ إليه طه حسين، منذ عهدٍ بعيدٍ، هو ما عليه جِلَّةٌ مِنَ النُّقَّاد، ورُبَّما كان غوستاف لانسون أبعدَهم صِيتًا، وأَشَدَّهم تأثيرًا في قَبِيلٍ مِنَ النُّقَّاد العرب، عَرَفْنا مِنْهم طه حسين، وها نحن هؤلاء نُلِمُّ بمحمَّد مندور، ذلك الَّذي أنفق تِسْع سنواتٍ مِنَ البحث والدَّرْس والتَّعَلُّم في باريس، حتَّى إذا عاد إلى مصر، كان أهمّ ما نادَى به: أنَّ نَقْد الأدب، مهما اتَّصل بالعُلوم والفلسفات، واجبٌ عليه أنْ لا يَعْدُوَ «الذَّوْق»، وأنَّه ليس على الأدب أن يتفرَّق دَمُهُ في مناهج العُلوم، تارةً يَحْمِله دارسون على نظريَّات عِلْم النَّفس، وتارةً يريدونه على أن يكون جُزْءًا مِنْ نظريَّة النُّشُوء والارتقاء، وطَوْرًا يَسوقونه إلى فلسفةٍ جديدةٍ في التَّحليل، وطَوْرًا آخَر يَشُدُّونه إلى مَنْزِعٍ طريفٍ في هذا العِلْم أوْ ذاك.

وكان أعلى ما دعا إليه صاحب في الميزان الجديد أنَّ الآثار الأدبيَّة – الَّتي ندْعوها إنشاءً أوْ إبداعًا – ليس حتمًا أنْ نُدَلِّل على ما فيها مِنْ جَمَالٍ، بتلك الدَّعاوَى الَّتي يَسُوقُها نَفَرٌ مِنَ المتحمِّسين للعُلوم الخالصة، وأنشأَ يكتب ويساجل ويخوض غير معركةٍ، ولا هَمَّ له إلَّا أن يُعِيدَ للأدب أدبيَّته، وأن يستخلص نَقْد الأدب مِنْ أيدي المغامرين والمتطفِّلين، فاعتدَّه الدَّارسون داعية اللَّانسونيَّة – نِسْبةً إلى لانسون – لَمَّا أشاع في الجامعة، والصَّحيفة، وفي مجتمع الأدباء والنُّقَّاد = دعوة النَّاقد الفرنسيّ لانسون إلى استنقاذ الأدب ونَقْده مِنْ تلك الدَّعاوَى الَّتي تُساق باسْم العِلْم، ثُمَّ أَتَمَّ مندور دعوته فنقل إلى العربيَّة كِتابَيْن صغيرين، أمَّا الأَوَّل فيُدْعَى منهج البحث في الأدب لصاحبه غوستاف لانسون، وأمَّا الآخَر فهو منهج البحث في اللُّغة لأنطوان ماييه، ولعلَّ مندورًا جَدَّ في تلك الأثناء في طلب منهجٍ للبحث، حتَّى عَثَرَ عليه، وكأنَّما رسالته الَّتي أذاعها في النَّاس باسْم النَّقد المنهجيّ عند العرب إنَّما تُخَبِّئ في أثنائها «منهج البحث» الَّذي جَدَّ في طِلابه، فلَمَّا ظَفِرَ به جَعَلَ ينادي به، ويساجل دُونه.

وعند لانسون، وعند طه حسين، وعند محمَّد مندور = أنَّ نَقْد الأدب – مهما أردْناه عِلْمًا – غير مستطيعٍ أن يَبْرَأَ مِنْ أَثَر الذَّوْق، ولا ينبغي أن يكون له ذلك، فميزان القول، عند صاحب في الميزان الجديد، أنَّ العِلْم بالنَّقْد، ذلك الَّذي رأيْنا صُوَرًا مِنْه عند أرسطو في تراث اليونان، وابن سلَّام في تراث العرب = ليس مقدورًا له أن يَحُولَ بينه وبين «الذَّوْق» المُدَرَّب، الَّذي أَلَمَّ به مندورٌ عند ابن سلَّام، ثُمَّ رأى أنَّ نَقْد الأدب، عند طائفةٍ مِنْ أصحابه، إنَّما يمتاز بهذه الخصيصة، وإنَّنا لَنقرأ في النَّقْد المنهجيّ عند العرب أنَّ السَّنوات التِّسْع الَّتي أمضاها مندورٌ

على ضِفاف السِّين، لمْ تُخْرِجْه عمَّا اشترطه نَفَرٌ مِنْ نَقَدَة الكلام في تراثنا، وإنَّنا لَنَجِدُه حَفِيًّا بذلك النَّقْد الخالص العُرُوبة، مِمَّا له أَثَرٌ واضحٌ في ما أنشأه الآمديّ في المُوَازنة بين أبي تمَّام والبُحْتُرِيّ، والقاضيّ عليّ بن عبد العزيز الجُرْجانيّ في الوساطة بين المتنبِّي وخُصُومه. وسواءٌ مالَ مندور إلى نقْد العرب، أوْ جَنَحَ إلى نقْد الفرنسيِّين، فإنَّه في كِلتا حالتَيْه وَفِيٌّ لمنهجه في الذَّوْق، ذلك المنهج الَّذي يَمِيل إلى براءة الفنّ وطُفوليَّته، ويَجْفُو الرَّطانة واللَّعِب، والَّذي تَخَيَّرَ - مِنْ كُلّ ما فَسَحَتْه له فرنسا - غوستاف لانسون، ونحن نَعْرِف أنَّ هذا النَّاقد الفرنسيّ الَّذي وَضَعَ تاريخًا مُحيطًا في الأدب الفرنسيّ = ذادَ عنْ رُوحٍ صافٍ للفنّ، ثُمَّ رأى أنَّه ليس حَسَنًا أنْ تُكَدِّر ذلك الرُّوحَ دِلاءُ العُلوم والمناهج والفلسفات.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2018/01/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد