آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد سيد أحمد
عن الكاتب :
أستاذ جامعي مصري وكاتب ومفكر سياسي

العدو الأميركي يُشعل نيراناً جديدة بالمنطقة!


د. محمد سيد أحمد

لم يعد خافياً على أحد أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي العدوّ الأول لأمتنا، وهي صاحبة المشروع التقسيمي والتفتيتي الجديد للمنطقة والمعروف إعلامياً بـ «الشرق الأوسط الجديد أو الكبير»، والذي بدأت بذوره الجنينية منذ زمن بعيد بدءاً بعزل مصر عن محيطها العربي وتكبيلها باتفاقية سلام مزعوم مع العدو الصهيوني، ثم كانت الحرب العراقية الإيرانية التي استنزفت القوى الثانية الضاربة في الوطن العربي، وعندما انتهت هذه الحرب كانت ورقة الغزو العراقي للكويت جاهزة لتقويض دعائم العراق بشكل نهائي وإخراجه من معادلة القوة العربية، ثم دخول الأردن وفلسطين في دائرة السلام المزعوم عبر وادي عربة وأوسلو، ثم الغزو الأميركي للعراق واحتلالها كمقدّمة لتقسيمها وتفتيتها.

وبعد الغزو الأميركي للعراق استمرّ المشروع التقسيمي والتفتيتي يعمل على قدم وساق حتى شاهدنا في يوم وليلة يتمّ تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، ثم انطلقت شرارة الربيع العبري الذي بدأ بتونس وسرعان ما انتقلت العدوى إلى مصر وليبيا واليمن وسورية. وبالطبع كانت هذه المرحلة هي الأكثر تطوّراً في مشروع التقسيم والتفتيت، واعتمد العدو الأميركي على مجموعة من الآليات الجديدة في ما عُرف بالجيل الرابع للحروب، فلم يعد التدخل العسكري المباشر كما حدث في العراق هو الآلية المناسبة في هذه المرحلة الجديدة بل لا بدّ أن تكون الحرب بالوكالة.

وكان «الجنرال إعلام» أحد أهمّ آليات الحرب الجديدة، فانطلقت وسائل الإعلام تنشر الشائعات والأكاذيب حول ما يدور داخل مجتمعاتنا العربية لتهيئة الرأي العام العالمي لتقبّل النتائج التي يسعى لتحقيقها العدو الأميركي، ثم كانت الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية آلية جديدة للتقسيم والتفتيت من الداخل، ثم كانت الصفقة الكبرى مع الجماعات التكفيرية الإرهابية آلية أكثر شراسة للتقسيم والتفتيت واستنزافاً لقوة الجيوش الوطنية، ثم جاءت الصفقة الوهمية مع دول البترودولار لتمويل الحروب الداخلية في المجتمعات العربية أملاً في الانفراد بالزعامة داخل المنطقة.

لكن على الرغم من النجاح النسبي للمشروع في بعض المجتمعات، خاصة ليبيا التي تمّ احتلالها بواسطة الجماعات الإرهابية المدعومة أميركياً وصهيونياً وخليجياً، والتي تلوح في الأفق بوادر تقسيمها وتفتيتها، وهو المصير نفسه الذي يهدّد اليمن الذي يتعرّض لحرب إبادة لشعبه دخلت في عامها الثالث، إلا أنّ المشروع قد فشل بشكل نهائي في مصر بفضل صلابة جيشها وكشفه المبكر أبعاد المؤامرة وتمكّنه من إجهاضها والإطاحة بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة وتأمين حدودها بشكل صارم، وكذلك فشل المشروع في سورية التي تمكّنت من مواجهة العدو الأميركي بكلّ آلياته الجديدة في حربه الكونية معها، حيث تصدّى الإعلام السوري الوطني لـ «الجنرال إعلام» الكاذب وقام بفضحه أمام الرأي العام العالمي، وتصدّى للفتنة الطائفية عبر التماسك واللحمة الوطنية للغالبية العظمى من الشعب السوري ثم كانت المواجهة مع الجماعات الإرهابية المتسللة عبر الحدود والتي جاءت من كلّ أصقاع الأرض، حيث نجح الجيش السوري في التعامل معها وتجفيف منابعها مما أصاب العدو الأميركي بالجنون.

وفي ظلّ الهزائم المتتالية التي تلقاها مشروع العدو الأميركي مؤخراً، وفشله في تقسيم مصر وسورية لم تبق أمامه إلا آلية دول البترودولار التي موّلت هذه الجولة الفاشلة ليلعب بها من جديد، حيث أوهمَها هذه المرة أنّ الخطر الشيعي متمثل في إيران ما زال قائماً ولا بدّ من التصدّي له عبر مواجهة جديدة على الأرض اللبنانية بحجة الضربات الصاروخية الباليستية التي انطلقت من اليمن إلى قلب الرياض.

والأمر الذي يثير الدهشة هو أنه إذا كانت الضربة قد جاءت من اليمن، فهناك حرب دائرة هناك منذ ثلاث سنوات وما زالت مستمرة، فلماذا محاولة فتح جبهة جديدة للصراع مع حزب الله على الأرض اللبنانية؟! وإذا كانت المعركة تستهدف إيران، فلماذا لا تذهب المملكة لمواجهة مباشرة لتنهي المسألة من الأصل؟! المسألة إذن ليست معركة بين المملكة وإيران بحجة وقف التمدّد الشيعي بالمنطقة، كما تزعم الآلة الإعلامية الكاذبة فداخل إيران ما يزيد عن عشرين مليون سني لماذا لم تقم إيران بتشييعهم؟!

المسألة إذن، هي محاولة جديدة من العدو الأميركي لإشعال نيران جديدة في المنطقة بعدما فشل مشروعه على الأرض المصرية والسورية، فهو يحاول أن يؤجّج الصراع في مناطق أخرى حتى يظلّ نفوذه موجوداً في المنطقة، وحتى تستمرّ أموال البترودولار تتدفق الى الخزانة الأميركية إما طلباً للحماية أو بيعاً للأسلحة، وبعدها يمكنه أن يطوّر آليات جديدة لمشروع التقسيم والتفتيت الذي لم يتوقف عند هذه الجولة الفاشلة، لذلك لا بدّ أن تعي المجتمعات العربية المتعاونة مع العدو الأميركي أنها الخاسر الأول من وراء هذا التعاون، ولا بدّ من لمّ الشمل العربي من جديد، فهو السبيل الوحيد لمواجهة مشروع العدو الأميركي الساعي للتقسيم والتفتيت، وتقع المسؤولية الأولى للعب هذا الدور على مصر باعتبارها الدولة الأكبر في المنطقة.

اللهم بلّغت اللهم فاشهد.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2017/11/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد