آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زكريا أبو سليسل
عن الكاتب :
صحافي مهتم بالشأن الإيراني

تَغيّبت عن الدوحة: هل تخشى إيران الاتفاقية؟

 

زكريا أبو سليسل

لم تُلبِّ طهران دعوة الدوحة لحضور توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الأفغانية، لكنها في الوقت ذاته لم تعترض عليه، بل أظهرت في موقفها الرسمي اهتماماً بما يواتيها من الاتفاق، وعبّرت بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة عن هواجسها التي لا تتوقف عند السقف الذي من الممكن أن يصله دور «طالبان» في أفغانستان، بل تتعدّاه إلى الخشية من أن يُسجّل حضورها في الدوحة إقراراً بشرعيةٍ للدور الأميركي في صياغة مستقبل الشرق الأوسط.

قليلة هي المحطات التي جمعت إيران والولايات المتحدة تحت سقف واحد للتباحث حول ملفات إقليمية تهمّ الطرفين. من بين هذه المحطات التي جمعتهما فيها مظلّة دولية واحدة: «مؤتمر بون للسلام الأفغاني» بنسخته الأولى عام 2001، ونسخته الثانية عام 2011. كانت إيران في الاجتماع الأول، وفق ما يقول وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الطرف «الذي لولاه لما تشكّلت الحكومة الأفغانية بعد سقوط كابول على أيدي قوات التحالف الدولية». وقد نسب ظريف الفضل في ذلك إلى شخص قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته القوات الأميركية في بغداد مطلع العام الجاري.
قوة حضور إيران في المشهد الأفغاني لم تدفعها نحو تلبية دعوة قطر لحضور مراسم توقيع اتفاق السلام بين واشنطن وحركة «طالبان» الأفغانية، وفق ما أوردت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية. وبُرّر الغياب بطريقة غير مباشرة في بيان وزارة الخارجية، التي علّقت على الاتفاقية بتأكيدها «عدم امتلاك الولايات المتحدة أيّ وجهة قانونية لإبرام اتفاقية سلام أو تحديد مستقبل أفغانستان»، بيد أنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء على اهتمام طهران بالبند المتعلق بـ«انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول 14 شهراً». إذ رأت أن «أيّ عمل يمهّد لانسحاب القوات الأجنبية سيسهم في تحقيق السلام في أفغانستان». ويرفض الأستاذ الجامعي، حسن أحمديان، اعتبار «عدم تلبية طهران دعوة الدوحة اعتراضاً على الاتفاق، وخصوصاً إذا حقّق هذا الاتفاق الأهداف الإيرانية المعلنة هناك، والمتمثلة بالانسحاب الأميركي وإيجاد حلّ أفغاني ــــ أفغاني». أما عدم الحضور الإيراني في الدوحة فيرجعه أحمديان، في حديث إلى «الأخبار»، إلى «موقف إيران المبدئي في رفض التفاوض مع الولايات المتحدة». أما ظريف، فعلّق على الاتفاقية بالقول: «كان على المحتلين الأميركيين ألا يحتلوا أفغانستان، لكنهم فعلوا ذلك وحمّلوا الآخرين مسؤولية فعلتهم». ورأى في الاتفاقية «مقترح استسلام»، قائلاً: «بعد 19 سنة من الذل في أفغانستان قدّمت أميركا مقترحاً لاستسلامها». وأضاف: «سواء في ‎أفغانستان أو ‎سوريا أو ‎العراق أو ‎اليمن، المشكلة هي أميركا التي ستغادر وستترك خلفها دماراً هائلاً».

أصبحت الحركة «أكثر براغماتيّةً وأقلّ أدلجةً في التعاطي مع طهران»

من جانب آخر، تربط بعض الأوساط الإيرانية توقيع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اتفاقاً مع «طالبان» بالانتخابات الرئاسية الأميركية المنتظرة في الخريف المقبل. وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «إيران» الحكومية أن «هذه الاتفاقية ترتبط بمصالح انتخابية أميركية بالدرجة الأولى»، فضلاً عن أنها «لا تطرح آفاقاً واضحة حقاً للسلام في أفغانستان». كما أنها، وفق الصحيفة، تصبّ في مصلحة «أهداف حركة طالبان، لأنها تفتح لها المجال لإيجاد دولة على حساب المكونات الأخرى للشعب الأفغاني». الهاجس الإيراني نفسه ورد التعبير عنه في صحيفة «آرمان ملي» الإصلاحية، التي اعتبرت أن «أميركا أبرمت اتفاقاً مع طالبان التي لم تُخفِ هدفها في إقامة نظام خلافة، متجاهلةً وجود أيّ مكونات سياسية أخرى في البلاد».
مخاوف إيران من أداء «طالبان» دوراً مهيمناً في مستقبل أفغانستان تستند إلى تاريخ طويل من الصراع بين الطرفين، تُوّج عام 1998 بهجوم للحركة على القنصلية الإيرانية في منطقة مزار شريف شمال أفغانستان، أدى في حينه إلى مقتل عشرة دبلوماسيين إيرانيين، الأمر الذي قاد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى إصدار قرار يقضي بإرسال مئة ألف مقاتل إيراني إلى أفغانستان بهدف القضاء على التنظيم. إلا أن المرشد علي خامنئي استخدم آنذاك حقه الدستوري في إيقاف القرار. وعلى رغم هذا العداء، إلا أن تطوّرات المشهد الأفغاني، والتي أدّت بعد ذلك إلى سقوط حكم «طالبان» في كابول على يد قوات «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة عام 2001، قادت الطرفين إلى الجلوس إلى مائدة التفاوض أواخر عام 2018. وهو تفاوضٌ تأمل طهران، بحسب أحمديان، أن «يفتح الباب أمام لقاء بين الفرقاء الأفغان للحدّ من عدم الاستقرار الذي يأتي على إيران بتكلفة أمنية واقتصادية بسبب حدودها مع أفغانستان البالغة ألف كلم، إلى جانب سعي طهران لإخراج القوات الأميركية من أفغانستان، وهو الهدف الذي تتفق فيه مع طالبان».

على هذه الخلفية، يظهر أحمديان أقلّ توجساً تجاه عودة «طالبان» إلى الحكم في أفغانستان، لأن الحركة وفق اعتقاده «أصبحت أكثر براغماتية، وأقلّ أدلجة في التعاطي مع طهران»، كما أن «إيران تُعدّ محل ثقة للفرقاء الأفغان أكثر من أميركا، ما سيزيد من تأثيرها في المستقبل الأفغاني»، فضلاً عن أن لإيران أدواتٍ تستطيع من خلالها ردع سيناريو «طالبان المعادية».

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/03/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد