آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

التطبيع مأزوم لاهتزاز تغطياته فإلى أين المفرّ؟

 

د. وفيق إبراهيم

كان متوقعاً ان يرتفع عديد الدول العربية والإسلامية الذاهبة الى التطبيع الكامل مع الكيان الإسرائيلي ليسجل ارقاماً كبيرة بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية مباشرة.

انتهت هذه الانتخابات الى غير المرتجى منها، لان القائد الأميركي للتطبيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خسرها، محاولاً تفجير الداخل الاجتماعي الأميركي باستثارة العصبيات العرقية والدينية والجهوية والطبقيّة آملاً الدفع نحو فوضى شعبية داخلية، قد تبقيه حسب ما يعتقد رئيساً لمدة اضافية طويلة.

لم يكتف هذا السعار الترامبي بهذا القدر من التوتير، فكلَّف فريقاً من المحامين والقضاة والمتخصصين بدهاليز الانتخابات بتقديم اعتراضات للمحاكم متهماً فيها منافسه الفائز جو بايدن بتزويرها، بمشاركة حزبه الديموقراطية.

إلا أن حظوظ ترامب في هذا المسار باتت في قلب الإفلاس ولن يتأخر طويلاً عن هزيمته لا سيما أن هناك شبه اعتراف سياسي داخلي أميركي بفوز بايدن وإقرار عالمي بذلك.

المسألة إذاً لن تطول أكثر من كانون الثاني المقبل حيث يشهد العالم التسلم والتسليم بين رئيسين أحدهما مهزوم والآخر منتصر، لكنهما لا يختلفان على المشروع المنحصر بتأمين أكبر قدر ممكن من النفوذ الأميركي العالمي، بل يتباينان في الأساليب المعتمدة.

إن تداعيات هذه الأساليب ترمي عادة برذاذها على العالم بأسره، لما للأميركيين من نفوذ عميق، اقتصادي وعسكري وسياسي وثقافي يشمل كافة الدول، لكنه يُمسك بشكل أكثر فاعلية الدول الضعيفة سياسياً والقوية بإمكاناتها الاقتصادية.

واحدة من هذه المناطق هي الدول العربية التي تشكل منذ تأسيسها المصطنع في النصف الاول من القرن العشرين، مجرّد آليات، صنعها الاستعمار البريطاني والفرنسي، لإدارة مناطق تختزن نفطاً وغازاً ومواقع استراتيجية وقدرة على الاستهلاك لأنها لا تصنع شيئاً.

كانت الاستراتيجية الأميركية بالتعامل مع هذه المنطقة تقدم على دعم الأنظمة العربية في وجه شعوبها على اساس الإمساك بالتاريخ ضمن القرون الوسطى، اما على مستوى الخطر الخارجي، فهو غير موجود لأن هذه الأنظمة تشكل حتى اليوم جزءاً من الجيوبولتيك الأميركي الذي لم يتجرأ أحد على مهاجمته في أي من مناطق نفوذه.

باستثناء إيران التي تدافع عن نفسها وتحالفاتها في الإقليم لمنع الأميركيين من إلحاقهم بالقرون الوسطى.

هذا الرئيس المهزوم ترامب ذهب بعيداً في أساليبه في المنطقة العربية، مرغماً الإمارات والبحرين والسودان على التطبيع مع «إسرائيل» في إطار خطبة تدريجيّة كانت تضم السعودية وباكستان والمغرب وجزر القمر وقطر وعمان.

هناك سببان يضعان خطة ترامب في حجر زمنيّ قابل للتدمير، الأول هو باكستان التي فاجأ رئيسها عمران خان الأميركيين والسعوديين معاً برفض أي تطبيع لبلاده مع الكيان الإسرائيلي، مؤكداً أن هذا الأمر لا يتحقق إلا بعد إنشاء دولة فلسطينية، وقبول الفلسطينيين بها.

ألا يشكل هذا الموقف صفعة لترامب شخصياً وسياسته المطبقة في الشرق الأوسط، موجّهاً في الوقت نفسه ركلة لكل عرب التطبيع في الإمارات والبحرين والسودان، ومسدداً في العمق ضرباً مبرحاً لأداة الضغط الأساسية في العالم الإسلامي وهي السعودية، التي توزع الرشى والتحشيد من اجل دفع العرب والدول الإسلامية نحو التطبيع.

عمران خان اذاً بطل في زمن محنة، ولأنه استثنائي فلم يُعِرْه الاعلام الغربي أي أهمية مكتفياً بعرض موقفه بشكل موجز وهذا يشمل أيضاً الاعلام العربي، وإعلام المقاومة!!

لجهة السبب الثاني فهو فشل ترامب في الانتخابات الرئاسية، وهذا يعني ظهور أساليب أميركيّة جديدة خاصة بالرئيس بايدن الفائز وحزبه الديموقراطي.

لماذا هذا التغيير في الأساليب الأميركية في الشرق الأوسط العربي أكثر من ضرورة؟

عندما بدأ ترامب رئاسته في 2016، كانت المنطقة العربية، ملتهبة بمئات آلاف الإرهابيين تضرب الدول في المدن والقرى وتحاصر الانظمة السياسية في عواصمها.

لقد ورث ترامب هذه المميزات عن السياسة الأميركية التي دعمت هذا الإرهاب منذ 1990، ووضعت في ذلك التاريخ مشروع الشرق الأوسط الكبير، لذلك استعمل هذه المميزات في خطة فرض التطبيع العربي مع «إسرائيل». لكن ما يجري اليوم أصبح مختلفاً لأن هذا المشروع الأميركي متراجع بشكل كبير، ويتسلم بايدن الحكم في ظل موازنات جديدة في إطار الصراع على القطبية العالمية. فالصين لا تنفك تصعد فيما تُمسك روسيا بمنزلة أقوى قوة عسكرية تقليدية ونووية، هذا بالاضافة إلى أن الاقتصاد الأميركي لا ينفكّ يسجل الخسائر المتصاعدة، بسبب المنافسات الدولية من جهة والكورونا من جهة ثانية، والتي تسببت بضمور كبير في التفاعلات الاقتصاديّة.

هذا يعني أن بايدن متّجه الى تبني أساليب بعيدة عن نهج ترامب القتالي غير المحترف والغوغائي.

فبايدن بحاجة الى التخفيف من الصراعات العسكرية والسياسية لمصلحة جذب عناصر اقتصادية من الخارج بوسعها ترميم اقتصاده الأميركي المتعثر وكبح الصعود الصيني ـ الروسي. بنظام تحالفات جديد يضيف على ما يسيطر عليه الأميركيون حالياً.

هذا يؤشر الى إمكانية أميركية لتعامل جديد مع ايران التي برهنت أنها قوة أساسية في الشرق الأوسط، وذلك لأنها تمسك بالموقع الاستراتيجي ومعظم موارد الثروة والنفوذ السياسي في الإقليم.

فهل هذا ممكن؟

هذا ممكن، إذا توقف الأميركيون عن مسلسل الضغط من أجل التطبيع مع الانسحاب من العراق وسورية وفك الحصار عن إيران.

انها العناوين المقبلة للحوار المفترض الأميركي ـ الإيراني الذي قد يؤدي الى أساليب أميركية جديدة تعمل ايضاً من اجل المصالح الأميركية، الأحادية انما من خلال اساليب مختلفة جذرياً من أساليب البائد ترامب التزاماً فقط بموازنات القوى الجديدة.

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2020/11/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد