آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. حسناء نصر الحسين
عن الكاتب :
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق

سياسة الضغوط القصوى صفر نتائج على صعيد المواجهة العامة فأي أولويات للإدارة الأمريكية الجديدة في سورية؟

 

د. حسناء نصر الحسين

تواصل الولايات المتحدة الأمريكية سياستها العدائية ضد الدولة السورية بهدف تحقيق مآربها السياسية التي فشلت في فرضها على الدولة السورية لسنوات مضت ، الا ان كل هذه المحاولات لطالما كتب لها الفشل غير ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي اتخذت من الغطرسة  والاستكبار والهيمنة عنوانا لمساراتها الخارجية تجاه دول العالم جعلتها غير قادرة على استقراء الوقائع المتعلقة بالمتغيرات الحاصلة في الميدان السوري وجعلتها بعيدة كل البعد عن فهم حقائق المتغيرات التي افرزتها انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه على الساحة الدولية والاقليمية .
هذا النهج المتغطرس الذي زادت وتيرته في عهد الرئيس الامريكي دونالد ترامب  حيال الحرب الدائرة في سورية حيث اعتمد على الحرب الاقتصادية كأداة حرب اساسية للنيل من سيادة الدولة السورية واخضاعها لتنفيذ الاملاءات الأمريكية التي عرفت الدولة السورية برفضها لهذه الاملاءات على مدى عقود .
لم تكن اداة الارهاب الاقتصادي الذي تمارسه واشنطن على الدولة السورية اداة جديدة فهي نهج امريكي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي الا انه تصاعد ليتحول لاداة اجرامية لقتل الشعب السوري واخضاعه لايصاله الى القبول بتطبيق اهداف واشنطن من هذا العدوان على بلده .
ليأتي القانون الامريكي الظالم والغير شرعي والمسمى قيصر ليكمل دائرة الاستهداف بعد محطات من الفشل الكبير لسياسات امريكية واجندتها المراد تحقيقها من خلف ادارة العدوان منذ عقد من الزمن .
الفشل الامريكي عنونته الدولة السورية المدعومة من الحلفاء عبر محاربة الارهاب الدولي وتحرير التراب السوري دفع الادارة الامريكية الى تبني قانون ابادة جماعية للشعب السوري لتأتي اليوم تصريحات السفارة الامريكية في دمشق عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعلن اجراءات قسرية جديدة من العقوبات على الشعب السوري  .
هذا يؤكد نية الولايات المتحدة الامريكية ورئيسها ترامب الابقاء على اداة الضغوط القصوى على الدولة السورية محاولة ايجاد المزيد من المؤسسات السورية لفرض عقوبات عليها الا ان هذه السياسات لن تحدث اي علامة فارقة تدلل على ان الدولة السورية ستقبل بالتنازل عن مبادئها الوطنية الثابتة في نهجها الوطني والقومي .
مما لاشك فيه ان هذه العقوبات الامريكية الغير شرعية اثرت بشكل كبير على الشعب السوري في العديد من مفاصل حياته اليومية الا ان هذا التأثير لم يحدث خللا في عقلية المواطن السوري ولم تثنيه عن التمسك بأرضه وكرامته ولم تستطع تضليله وحرف البوصلة لديه عن وطنه هذا الوعي بحجم الدور الامريكي بالعدوان على الدولة السورية ساهم بشكل كبير في إبطال فاعلية هذه العقوبات التي عنونت بالعقوبات الاقتصادية لتخفي في حقيقتها اهداف الادارة الامريكية بالتاثير على الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري للدولة السورية .
أمريكا المهزومة في معظم الحروب التي خاضتها عبر تاريخها الاستعماري وجدت في اداة الحرب الاقتصادية البديل عن حروبها العسكرية وتعطي نتائج افضل من الحرب العسكرية لانها تدخل في جميع مفاصل الحياة لأي مجتمع، إلا ان هذه الاداة منيت ايضا بالفشل على صعيد مسارات المواجهة والتصدي للهجمات العدائية وللحرب الكونية والارهابية على سورية بدليل ما يتحقق على صعيد الميدان وايضا على الصعيد السياسي وافشال مساعي توظيف اللجنة الدستورية لتمرير ما فشلت به امريكا وحلفائها في تحقيقه عسكريا .
كما فشلت هذه العقوبات في تحقيق اهم اهداف الادارة الامريكية وهو التأثير على الحليف الروسي واخضاعه للارادة الامريكية عبر استهداف هذا التحالف الاستراتيجي بين الدولة السورية ودولة روسيا الاتحادية، غير ان هذا الهدف الامريكي لم يكتب له الحياة لتأتي زيارات الوفود للدولتين السورية والروسية لتبدد كل احلام واشنطن ويرد على هذه الرغبة الامريكية بالمزيد من تعزيز العلاقات وبناء الشراكات بين الدولتين وما كانت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى موسكو في ١٦ من الشهر الجاري وما تبعها من تصريحات سورية وروسية الا رسالة واضحة لواشنطن بمدى قوة ومتانة هذه العلاقات، وأنها وصلت في متانتها إلى الدرجة التي يصعب إحداث خرق أمريكي في جدار صلابتها .
الا ان الرئيس المهزوم دونالد ترامب يحاول جاهدا الانتقام من الادارة الجديدة ووضع الكثير من العراقيل امام هذه الادارة لثنيها عن تحقيق اهدافها بالتخلص من إرثه السام الذي اثر على سمعة الولايات المتحدة الامريكية سيئة السمعة اصلا  وعلى سياساتها الخارجية، وذلك عبر اصدار قرارات بالمزيد من العقوبات الاقتصادية على سورية ليجعل ادارة بايدن على طريق ملؤه الالغام .
وهنا لابد من الاشارة الى تصريحات المبعوث الامري الخاص الى سورية جيمس جيفري الذي صرح بانه كذب بشأن عدد الجنود الامريكيين المتواجدين كقوات محتلة لاجزاء من الاراضي السورية على رئيسه ترامب واضاف ان مهمته في سورية هدفت لتحويل سورية لمستنقع للروس و منع تقدم الجيش العربي السوري وتحرير باقي التراب السوري من الارهاب ومنعه من احراز انتصارات اخرى في جبهة ادلب والحفاظ على حالة الجمود في الملف السوري .
واوصى الادارة الجديدة برئاسة بايدن بالحفاظ على نهج ادارة ترامب بالمضي قدما بالعقوبات الجائرة على الشعب السوري الى ان تغير دمشق من سياساتها، إلا ان هذه التصريحات التي حاول جيمس جيفري من خلالها ان يقدم نفسه وادارته على انهم وبعد عقد من هذا العدوان على سورية حققوا شيئا من اهداف امريكا من هذا العدوان الا ان الواقع غير ذلك فسورية مستمرة بحربها على الارهاب والدولة السورية صمدت وانتصرت وان المشاريع الامريكية في ادلب التي يقوم النظام التركي بتنفيذها قد  فشلت ايضا فكل العالم رأى انسحاب الارتال العسكرية التركية المحاصرة من قبل الجيش السوري الى مناطق اشتباك جديدة لتنتقل هذه الحرب من الداخل السوري الى مناطق سورية جديدة حدودية بين سورية وتركيا الا ان هذا الانسحاب للمحتل التركي لم ترضى عنه ادارة ترامب لياتي قرار قوات قسد الكردية بتسليم منطقة عين عيسى للجيش السوري والقوات الروسية عقب عدة هجمات للقوات التركية المحتلة على هذه المنطقة التي تشكل مركز المشروع الامريكي الصهيوني بإنشاء كيان كردي مستقل عن الام السورية هذا الاتفاق يشكل انتصارا للدولة السورية ويكون المسمار الاول في نعش هذا المشروع التقسيمي للدولة السورية .
لتكلل مساعي ادارة ترامب بالفشل ايضا في الحفاظ على ما تبقى من اهدافهم وهو تقسيم سورية عبر البوابة الكردية كما وهذا التصعيد الامريكي الاخير لا ينفصل عن مساعي امريكية لايفشال مساعي روسيا مع المحتل التركي في شمال شرق الفرات بما يمهد الطريق لانسحاب قواته المحتلة للاراضي السورية منها .
هذا النصر  السوري  الروسي  في ملف شمال شرق الفرات شكل خطوة بالغة الاهمية يبنى عليها مع الادارة الامريكية الجديدة المثقلة بإرث ترامب على المستوى الداخلي والخارجي والتي امامها الكثير من التحديات في ملفات دولية واقليمية ، ستجد نفسها امام واقع الهزيمة الامريكية في سورية خلال عقد من العدوان وستركز على البحث عن قنوات دبلوماسية لايجاد مخرج من هذه الحرب يحفظ  ماء وجه الولايات المتحدة الامريكية مع الحفاظ على قواتها العسكرية المحتلة لضمان استمرار موطئ قدم في سورية تحاول من خلاله الحصول على بعض المكتسبات السياسية والاقتصادية ، ستجد ادارة بايدن نفسها مضطرة لفتح قنوات دبلوماسية مع الدولة الروسية التي تعتبر من اهم اللاعبين الدوليين في الميدان السوري للوصول الى تسوية نهائية لعدة ملفات اقليمية ودولية عبر البوابة السورية .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/12/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد