آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد السلام بنعيسي
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

لكي تكون للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء قيمة فعلية وجدوى مادية ملموسة

 

عبدالسلام بنعيسي

دعا ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الاتحاد الأوروبي، إلى ما أسماه “الخروج من منطقة الراحة الخاصة به ودعم الدينامية الإيجابية الجارية في الصحراء الغربية”، وكان الوزير المغربي  يستحثُّ، في التصريح الذي أدلى به لوسائل إعلام غربية، دول الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بمغربية الصحراء، على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية حين اعترفت في الأيام الأخيرة لولاية دونالد ترامب بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية المغربية..
دعوة الوزير المغربي هذه الموجهة للدول الأوروبية تفيد بأن فورة الابتهاج التي روَّج لها الخطاب الرسمي في وسائل إعلام الدولة المغربية نتيجة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء قد بدأت تتلاشى، وأن المفعول السحري الذي دغدغت به مشاعر المغاربة لبعض الوقت بات يضمحلُّ، ليحُلَّ بدلا عنهما السؤال الحارق: وماذا بعد؟ ماذا سيفعل الشارع المغربي باعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، إن ظل اعترافا يتيما، ومتوقفا عند الحدود التي يتوقف عندها اليوم؟
لا يتنظر المغاربة من الأمريكيين الاعتراف بمغربية الصحراء من أجل الاعتراف. التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل الاعتراف بالسيادة الأمريكية على مغربية الصحراء، كان يعني بالنسبة للكثيرين من المغاربة،  كما قام بالتسويق لذلك إعلامهم، أن واشنطن ستُحرِّكُ دبلوماسيتها بغزارة، وستُكثِّفها بما يؤدي إلى إيجاد حلٍّ نهائي لهذا النزاع الذي ظل مستعرا منذ ما يقارب الخمسين سنة، بشكلٍ يُؤَمِّنُ مغربية صحرائهم، أو أن أمريكا ستسعى على الأقل، إلى وضعِ قطارِ حلِّ النزاع على السكة، وتشغيل محركاته، لينطلق صوب محطته النهائية..
فلقد استطال النزاع أكثر من اللازم، وأُنفِقت فيه أموال كثيرة، وبدَّد جهودا مضنية، وأنهك المنخرطين فيه، ولقد حدثت، منذ اندلاعه إلى اليوم، تغيُّرات كبيرة في عموم الكرة الأرضية، امبراطوريات انهارت وأخرى نشأت بدلا عنها، وأجيال بشرية تعاقبت، ولا يزال نفس النزاع في مكانه الذي انطلق منه في منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان المتوقع هو أن أمريكا، بعد اعترافها بمغربية الصحراء، ستُدخِلُ المنطقة في ديناميكية جديدة، وستنطلق بها في سرعة قصوى لإيجاد مخرج لهذا المنغلق الدائري الذي تتخبط فيه، لكن، لا شيء من هذا وقع..
عوّدتنا أوروبا، أنها تلهث دائما وراء الولايات المتحدة الأمريكية، وترافقها في جميع القرارات التي تسنُّها في كل بقعة من الكرة الأرضية، فجميع القرارات خصوصا العقابية التي تتخذها الإدارة الأمريكية ضد أي بلد من بلدان العالم الثالث، وجميع الحصارات والاعتداءات التي استهلتها أمريكا وباشرتها ضد كل دولة مغضوب عليها أمريكيا، تبادر معظم الدول الأوروبية إلى اللحاق بها، وأحيانا المزايدة عليها، في ممارسة العدوان والحصار، رأينا ذلك في العراق، وسورية، وليبيا، وإيران، وفنزويلا، وكوبا، وفي لبنان وغزة ضد المقاومة..
فلماذا لم نجد أي دولة من هذه الدول الأوروبية تتبع أمريكا وتعترف مثلها بمغربية الصحراء؟ لماذا أشاحت الدول الأوروبية كلها بوجوهها نحو الجهة الأخرى ولم ترى ما قامت به الإدارة الأمريكية حول هذا الموضوع؟ ولماذا يضطر وزير خارجية المغرب لرفع صوته مطالبا دول الاتحاد الأوروبي بحذو حذو أمريكا في الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية؟ هل هذه الدول لا ترى ولا تسمع ولا تفهم؟ هل هي في حاجة لمن يُنبِّهها للموقف الذي يتعين عليها اتخاذه، أم أنها تمارس اختيارات مقتنعة بها؟
المتوقع مغربيا هو أن الدبلوماسية الأمريكية ستشتغل بهمة ونشاط في العواصم الغربية، وتعمل من أجل إقناع أصحاب القرار في هذه العواصم بضرورة الاعتراف بمغربية الصحراء، وأن تتحرك أمريكا إلى جانب روسيا والصين وتفاتحهما حول هذا الملف وتبدي لهما الرغبة في إيجاد مخرجٍ له بشكل توافقي، مخرجٍ يرضيهما، أي بكين وموسكو، ويرضي الرباط والجزائر، وتقتنع به دول الاتحاد الأوروبي..
 مشكل الصحراء الغربية ليس مشكلا عويصا جدا، ومن النوعية التي يصعب إيجادُ حلٍّ له، بالإمكان العثور لهذا المشكل على الحلِّ الذي يناسبه، وما ينقص هو الرغبة والإرادة في إيجاد الحل، ولعلَّ المشكل الفعلي هو في وجود مُخطَّطٍ مغرضٍ وغير معلنٍ عنه، لكي يظل هذا المشكل قائما يستنزف طاقة المغرب والجزائر وينهكهما ويمنعهما من بناء وحدتهما في إطار مغرب عربي كبير، يجمعهما وباقي الدول المغاربية.
من الصعب على كل مغربي أن يفهم لماذا فرنسا لم تساير الولايات المتحدة الأمريكية وتعترف هي كذلك بمغربية الصحراء، فلفرنسا مصالح ضخمة جدا بالمغرب، فشركاتها ومعها نظيراتها الإسبانية، هي التي تستحوذ تقريبا على أغلبية القطاعات المنتجة والمذرة للعائدات الكبيرة في السوق المغربي، فلماذا لا تقوم باريس وواشنطن بالتنسيق بينهما لإقناع العواصم الأوروبية بتبني موقف مشترك يضغط في تجاه العثور على خاتمة ملائمة لنزاع الصحراء الغربية، النزاع الذي استهلك بلدين تربطهما بباريس علاقات متشابكة في مختلف المجالات؟ هل لا تجيد باريس التنسيق مع واشنطن إلا عندما يريدان فرض قرارات من قبيل القرار 19/59 الداعي إلى تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها ووسمها بالمليشيا؟؟
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء إذا ظل في إطاره الراهن، أي اعتراف وكفى، وإذا لم يرافقه تحولٌ في الممارسة السياسية الأمريكية يُفضي إلى بذل إدارة البيت الأبيض جهدا حقيقيا ومنتجا لإغلاق وطيِّ هذا الملف، بما يكرس مغربية الصحراء ويُنهي النزاع حولها لكي يتفرغ البلد لبناء اقتصاده وتحقيق تنميته، سيكون هذا الاعتراف الأمريكي اعترافا دون قيمةٍ فعليةٍ، وليس له جدوى مادية ملموسة تعود على أبناء المنطقة من مغاربة وجزائريين بالفائدة.
الأدهى والأمرُّ هو أن وسائل إعلام عديدة بدأت تتحدث مؤخرا عن إمكانية أن تراجع الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن اعتراف سابقتها بمغربية الصحراء، وتقوم بسحبه، في حين تستحلب إسرائيل المغرب، وتَجْهَدُ لكي تفرض عليه تطبيعا شاملا، واختراقا صهيونيا لنسيجه الاجتماعي. وإذا تحقق هذا السيناريو المفزع، وهو ما لا نتمناه لبلدنا، فبأي وجه سيقابل ناصر بوريطة المغاربة وماذا سيقول لهم حينها؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2021/02/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد