آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أمين محمد حطيط
عن الكاتب :
عميد ركن مقاعد ومفكر استراتيجي لبناني.. أستاذ في كلية الحقوق اللبنانية

«إسرائيل» هُزمت ـ فلسطين انتصرت فما الحساب والتداعيات؟


العميد د. أمين محمد حطيط

بعد أسبوعين من المواجهات العسكرية الشديدة بين العدو «الإسرائيلي» والمقاومة الفلسطينية بشتى عناوينها بات الميدان يتحضر بين ساعة وأخرى لوقف إطلاق النار من غزة وعليها، من دون أن يشمل ذلك طبعاً حركات الرفض والاحتجاج وممارسات الانتفاضة ضد العدو في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة في العام 1948، فوقف إطلاق النار الذي يجري الحديث عنه ينحصر في وقف أعمال القصف والعدوان التي تنفذها «إسرائيل» ضد قطاع غزة مقابل وقف القصف المنطلق من القطاع بيد المقاومة (والحديث الإعلامي جار عن وقف حماس لإطلاق الصواريخ، وهم يستعملون كلمة حماس ويعنون بها المقاومة الفلسطينية في غزة بكل فصائلها وفي طليعتها حماس والجهاد الإسلامي) ومع وقف النار سيكون العمل الأول لكل الأطراف وللمراقبين أيضاً البحث في حصاد المواجهة بين الطرفين نصراً أو هزيمة؟
من المبادئ العامة لتحديد النصر والهزيمة في الحروب، يكون الانطلاق من الهدف من الحرب وتحققه، وينتصر المهاجم إذا حقق الإنجاز العسكري الذي من أجله شنّ هجومه، وينتصر المدافع اذا منع المهاجم من تحقيق هذا الهدف، وبإسقاط هذا المبدأ على الطرفين المتصارعين في معركة سيف القدس نجد أن «إسرائيل» هي في موقع المهاجم المعتدي، الذي أراد من عدوانه اتخاذ إجراءات تنفيذية في عملية تهويد القدس عبر اقتحام الأقصى من أجل كسر حصرية حق المسلمين به، وعبر اجتياح حي الشيخ جراح في القدس من أجل مصادرة البيوت وطرد سكانها العرب وتهويد الحي، وبعد ذلك عبر شن عدوان عسكري واسع النطاق على قطاع غزة من أجل قتل القادة الرئيسيين في المقاومة وتدمير البنى التحتية العسكرية للمقاومة لمنع الأخيرة من اطلاق الصواريخ على «إسرائيل». بينما نجد المقاومة فتحت النار من أجل منع التهويد المذكور والتصدي لعمليات القتل والتدمير ومن أجل تأكيد الصمود بما يمكن إدامة المواجهة وإيلام العدو.
هذه هي الأهداف التي رمى إليها كلّ من الطرفين المتواجهين وهذه هي المعايير التي تستعمل لتحديد الربح والنصر والخسارة والهزيمة طبعاً هناك اختلاف بين النصر وثمنه وبين الهزيمة ومداها، ونلفت إلى هذا التمييز حتى لا يشوّش ظنّ أحد ويخرج على الإطار المنطقي والمفاهيم المعتمدة في توصيف النتائج والحصيلة.
وبعد هذا التوضيح ننطلق في تحديد ما نحن بصدد البحث فيه وسرعان ما نصل إلى القول بأنّ «إسرائيل» اضطرت/ أو ستضطر إلى وقف إطلاق النار من دون أن تتمكن من وقف إطلاق الصواريخ من غزة. فالمقاومة الفلسطينية استمرت ولا زالت محتفظة بمنظومة قيادة وسيطرة تدير العمليات العسكرية بدقة ووفقاً لبرنامج علمي ميداني موضوع من قبلها يمكنها من استمرار مشاغلة الأهداف المخططة من قبلها على مساحة فلسطين التاريخية، وتقصف الأهداف فيه بنمط تراه مجدياً ومحققاً لأغراض الأعمال القتالية التي تشنها.
لقد بات من المؤكد أنّ وسائل «إسرائيل» لإسكات النار من غزة لن تحقق أهدافها، فسلاح الطيران الذي يزجّ به بكثافة عالية (140 طلعة جوية في الوقت ذاته) عجز وبشكل نهائي عن تنفيذ المهمة فانقلب إلى الأعمال الإجرامّية من قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية المدنية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أما العملية البرية فقد بدا أنه حلم «إسرائيلي» لن يدرك ولن يتحقق بسبب القوة الردعية التي امتلكتها المقاومة وخشية «إسرائيل» من الثمن الباهظ الذي سيدفعه جيشها إن باشرها، والنتيجة من كلّ هذا أنّ هدف إسكات الصواريخ من غزة لن يتحقق. وإذا عطفنا هذا على ما هو مضمر وبضمانات دوليّة أن أعمال التهويد في الأقصى والشيخ جراح ستتوقف وإلا كانت العودة إلى الميدان، فإننا ندرك باليقين القاطع وبالتحليل العسكري العلمي أنّ «إسرائيل» هزمت في المواجهة ولم تحقق شيئاً من أهدافها التي اعتدت من أجلها. وفي المقابل تكون المقاومة الفلسطينية قد انتصرت. وهذا ما يخشاه نتنياهو حيث جاء على لسانه حرفياً عندما قال أمام 70 سفيراً أجنبياً «ستعلن حماس انتصارها وهذا سيشكل هزيمة لـ «إسرائيل» وللغرب». بيد أنّ الهزيمة «الإسرائيلية» لم ولن تمرّ هكذا حيث إنّ هناك مع الهزيمة خسائر شتى نزلت بـ «إسرائيل» على أكثر من صعيد يمكن ذكر بعضها كالتالي:
1 ـ ظهر الجيش «الإسرائيلي» عاجزاً في الميدان عن تحقيق أهدافه، بعد أن خسر القوة الردعيّة وعجز عن إسكات النار وفقد السيطرة وزمام المبادرة في الميدان. وبهذا يتأكد مرة أخرى انتقاله من موقع مالك القوة القادرة إلى صاحب القوة العاجزة وتأكد مرة أخرى بعد الـ 2006 أنّ الطيران «الإسرائيلي» فقد صفة السلاح الحاسم، وأنّ القوى البرية غير جاهزة لمعركة أو حرب من الجيل الرابع في مواجهة مقاومة أعدّت نفسها جيداً لتلك المواجهة. وأنّ هذه النتيجة ستكون محلاً لبناء الكثير عليها في مواجهة المكونات الأخرى لمحور المقاومة.

وهذا ما كان يعنيه وزير الحرب الصهيوني السابق ليبرمان عندما قال: «إذا كان هذا وضعنا مع حماس (يقصد المقاومة في غزة) فكيف سيكون وضعنا مع حزب الله وإيران؟».
2 ـ تأكد وهن الجبهة الداخلية «الإسرائيلية»، وعدم قدرتها على التعايش مع حرب طويلة، وهنا نذكر بأنّ «إسرائيل» وخلال الأعوام الـ 15 الماضية عملت بشتى الطرق لرفع مناعة وجهوزية هذه الجبهة وقدرة تحمّلها لحرب تمتدّ على مدار 10 أسابيع كحدّ أدنى وتصل إلى 15 أسبوعاً كحدّ أقصى ومن أجل ذلك أدخلت في التنظيم الأمني العسكري مفهوم الجبهة الدخيلة وأنشأت القبة الحديدية واعتمدت كل وسائل الدفاع السلبي التي تشعِر المجتمع بالأمان، رغم ذلك ظهر وهن كل التدابير وتأكد أنّ 10 أيام من المواجهة مع مكون واحد من محور المقاومة وهو المكوّن ذو الظروف الأصعب والأقسى، حرمها الشعور بالأمان وقادها إلى الرعب والذعر الجماعي، وأكد مرة أخرى أنّ «إسرائيل» لا يمكنها التخلي عن مبدأ الحرب الخاطفة، لكن هذا المبدأ أصبح غير صالح للتطبيق.
3 ـ تأكد فشل «إسرائيل» في تذويب العرب في مجتمعها الصهيوني، مترادفاً عن غلّ يدها حاضراً عن طردهم من الأراضي التي احتلتها في العام 1948، وانّ نزول الفلسطينيين هؤلاء إلى الشارع في اللد ويافا وأم الفحم والمثلث وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 رفضاً للعدوان على القدس ونصرة للقضية الفلسطينية الأمّ وما استتبع من مواجهات مع اليهود في تلك المناطق… أطلق صفارة إنذار فهمها بعض الأمنيين والعسكريين الصهاينة بأنّ هناك ما أسموه «نذر حرب أهلية» تتشكل في إسرائيل»، وهذا ما لا يمكن السكوت عنه أو إهمال مخاطره.
4 ـ تصدّع الثقة بمستقبل «إسرائيل» وتصدّع الثقة بالمسؤولين فضلاً عن تصدّع العلاقة بين القيادتين السياسية العسكرية والاتجاه إلى تقاذف التهم ومسؤولية التورّط والتقصير، لقد تردّى المستوى المعنوي العام على صعيد المجتمع «الإسرائيلي» الذي استعاد الشعور المتشكل لديه إثر هزيمة 2006 في لبنان وبات السؤال يتعاظم حول قدرة «إسرائيل» على البقاء في ظلّ الوهن الذاتي والعجز العسكري والرفض الإقليمي، وتسري اليوم أحاديث جدية بأنّ الهجرة المعاكسة ستتعاظم وأنّ حجمها قد يصل إلى مليون يهودي خلال السنة المقبلة ما يشكل خطراً وجودياً فعلياً جعل كثيراً من «الإسرائيليين» يؤكدون أن «إسرائيل لن تكون موجودة لتحتفل بالمئوية الأولى لإنشائها».
وفي الخلاصة نقول إنّ «إسرائيل» التي قامت على القوة في مواجهة القانون دخلت الآن في مرحلة تآكل القوة وتراجع قدرتها على فرض ما تريد وهذا لا يبقى في مفاعيله منحصراً في تائج معركة أو نتائج حرب بل سيتمدّد إلى أصل الوجود بذاته، ولهذا كان القادة «الإسرائيليون» يرددون دائماً أنّ «إسرائيل» لا تحتمل هزيمة واحدة لأنّ ذلك يشوّه قوّتها التي هي أصل القدرة على البقاء. واذا كان خروجها من لبنان في العام 2000 بالشكل الذي خرجت به بفعل المقاومة وهزيمتها فيه في العام 2006 قد أسّس لمسار الانحدار «الإسرائيلي» فإنّ غبار معركة «سيف القدس» سينكشف عن حقيقة تؤكد ما سبق وتثبت مقولة الوهن «الإسرائيلي» المنعكس على وجودها ويبقى أن نتابع حتى يكون الحصاد تحريراً، ومن أهمّ ما ظهر من مصطلحات في المواجهة اليوم هو بدء الحديث الجدي والاستعداد الفعلي لحرب التحرير الشامل لفلسطين من البحر إلى النهر والمسألة لم تعُد حلماً مستحيل المنال مع حديث الصهاينة أنفسهم وعلى نطاق واسع وقولهم «لا مستقبل لإسرائيل في هذه المنطقة».

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2021/05/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد