التقارير

تهليل إسرائيلي بدعوة عشقي للتطبيع مع المملكة.. كيف نفسر الصمت السعودي؟

 

 من جديد أنور عشقي إلى الواجهة ومن البوابة الإسرائيلية أيضا، وهذه المرة في سياق الترويج الصريح لفتح سفارة سعودية في إسرائيل على أن يبادر رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو للقبول بما يسمى "المبادرة العربية" التي أطلقها الملك السعودي المتوفي عبد الله بن عبد العزيز في بيروت.

 

فالملك عبد الله سبق أن أطلق في العام 2002 مبادرة مثيرة للجدل، لما يسمى"السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين"، عبر التطبيع الكامل مع كيان العدو والاعتراف بإسرائيل كدولة في المنطقة وإقامة "دولة" فلسطينية معترف بها دوليا على حدود العام 1967، واليوم يدعو عشقي نتانياهو إلى القبول بهذه المبادرة لإقامة علاقة بين المملكة وإسرائيل وفتح سفارة إسرائيلية في الرياض وفتح اخرى للمملكة السعودية في تل أبيب.

 

تصريحات عشقي لاقت ترحيبا كبيرا في الأوساط الإسرائيلية، فقد تناولته وسائل الإعلام في كيان العدو وروجت له باعتباره يطرح مسألة العلاقات بين تل أبيب والرياض مع ما يحمل من معان التطبيل للتطبيع بين المملكة وإسرائيل، وصحيح أن عشقي لم يبادر إلى طرح ما هو جديد لناحية العلاقات الإسرائيلية السعودية وهو لم يتجاوز في لبّ كلامه سقف مبادرة الملك عبد الله في العام 2002، فالمبادرة نفسها دعت إلى ما اسمته "السلام الشامل في المنطقة" مع ما يحمله ذلك من نسف لكل القضية الفلسطينية ولكل ما جرى عبر التاريخ من اضطهاد للشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية منذ العام 1948 وحتى اليوم، فلماذا إذا التطبيل الإسرائيلي لكلام عشقي الأخير ولماذا ينتقد البعض هذا الكلام؟

 

والحقيقة أن علامات الاستفهام الكبرى حول كلام عشقي ترتبط بتوقيته أكثر من أي أمر آخر، فهذه الدعوات للتطبيع مع العدو وإقامة علاقات معه وفتح سفارات جاءت بعد كل ما نسب إلى التزامات سعودية قدمت لإسرائيل عقب نقل السيادة على جزيرتي "تيران وصنافير" من مصر إلى المملكة وما تخلله من كلام عن ضمانات سعودية لكيان العدو ودخول المملكة في معاهدة "كامب ديفيد"، وصولا إلى بعض التسريبات الإعلامية عن لقاءات حصلت في الأردن بين بنيامين نتانياهو واحد كبار المسؤولين في المملكة ممن يفترض أنه سيكون له دور كبير في قيادة السلطة خلال السنوات القادمة. 

 

فهل الترويج الذي يقوم به عشقي له علاقة بكل ما قيل حول علاقات تنسج في الكواليس بين المملكة السعودية وإسرائيل؟ وهل هذا مقدمة لسيناريو الإعلان عن العلاقة السعودية الإسرائيلية وإخراجها إلى العلن في لحظة ما؟ بمعنى آخر هل يتم الإعلان عن هذه العلاقة بصورة تدريجية كي يسهل على الرأي العام في المملكة والعالم العربي والإسلامي تقبل فكرة العلاقات بين الطرفين بعد محاولة كي الوعي العام في المملكة والأمة؟

 

ورغم أن عشقي يحاول دائما الإيحاء أنه يعمل بشكل فردي دون أي تنسيق مع جهات رسمية سعودية ويكرر دائما أنه لا يمثل أحدا وأنه يعمل باستقلالية تامة دون تنفيذ أجندات جهات رسمية، إلا أن تنقله في أكثر من منصب رسمي وقيادي وقربه تاريخيا وحاليا من بعض الجهات الحكومية ومراكز القرار في المملكة، يؤكد وبالتحليل -وليس بالضرورة توفر المعلومة الأكيدة في مثل هذه الحالات- أنه لا يتصرف بمحض إرادته بل هناك مهمات يكلف بها ورسائل عليه إيصالها وأدوار عليه القيام بها، فهو الأجدر للقيام بمثل هذه الأمور باعتبار أنه يعمل بحرية تامة ولا قيود عليه، وما يدلل أكثر على ما نقول هو غياب أي محاسبة أو مساءلة له من قبل السلطات المعنية في المملكة، وهذا ما يفسر أنه موافقة على مواقفه وهذه الموافقة إن لم تكن صريحة فهي بالحد الأدنى موافقة ضمنية، علما أن هناك من يعتقل في المملكة من مفكرين وحتى رجال دين وبعضهم أغتيل لمجرد الإفصاح عن آراء لا تعجب السلطات الحاكمة في المملكة، فلماذا السكوت عن كل تصرفات وكلام أنور عشقي لو لم يكن يعبر عن النوايا والآراء الحقيقة للسلطات في المملكة إن لم نقل أنه ينفذ قراراتها؟

 

ومع الصمت السعودي المطبق حيال كل ما نشر وقيل من تنسيق يجري بين إسرائيل والمملكة السعودية لا سيما دعوة عشقي لفتح سفارة سعودية في تل أبيب، عمل الإعلام الإسرائيلي كعادته على أبراز "الهرولة" السعودية نحو فتح باب العلاقات مع كيان العدو، بينما الرد الرسمي الإسرائيلي جاء في كلام لنتانياهو حول "المبادرة العربية" في العام 2002 حيث قال لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن "المبادرة قد وضعت في وقت مختلف بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط ولم يعد مناسبا"، رابطا الأمر بما يجري في الأقليم ككل وكأنه يقول أن المبادرة ما عادت صالحة للتطبيق اليوم، فهل يريد نتانياهو من يعدل المبادرة ويقدمها للصهاينة بشكل جديد؟ على شاكلة المزيد من التنازلات؟ هل يريد نتانياهو أن يطرح عليه أحدهم -وربما طرح خلال لقائه في الأردن- تخفيض شروط مباردة الملك عبدالله في العام 2002؟

 

ولما لا يكون هذا هو هدف "إسرائيل" فهي قد اعتادت على العرب تقديم التنازلات المتتالية منذ التنازل الأول والكبير للرئيس المصري أنور السادات و"الحبل على الجرار"، وبالطبع أن مبادرة الملك عبد الله كانت إحدى حلقات هذا المسلسل العربي الطويل في التنازل مقابل صفر أرباح، فإسرائيل لا تكلف نفسها عناء تقديم اي شيء طالما تحصل على ما تريد وأكثر من الأنظمة العربية التي تهاجم كل من يعادي قتلة الشعب الفلسطيني وتخلق للأمة أعداء جدد هنا وهناك وتغض أبصارها عن العدو الحقيقي والمشكلة الأساسية في المنطقة، ألا وهي "إسرائيل".

 

فما هي الخطوة التالية اذا في رحلة التقديمات المجانية العربية لاسرائيل؟ وما التالي بعد العروض السعودية على لسان انور عشقي؟ هل هذا جزء من الدور الاستراتيجي الذي ستلعبه المملكة في الامة بحسب "رؤية 2030" التي أعداها "ولي ولي العهد" ووافق عليها مجلس الوزارء السعودي؟ وهل من أدوار ستقدم المملكة على لعبها في مراحل لاحقة ولم يجر حتى الآن الكشف عنها؟ فمن يدري ربما يتم الاعلان مستقبلا عن "مبادرة عربية" جديدة تعبر اكثر عن "الاندفاعة العربية" لاحلال "السلام" الشامل في المنطقة على حساب العرب أنفسهم وبالاخص الشعب الفلسطيني وقضيته وبشروط اكثر فائدة لـ"اسرائيل".

أضيف بتاريخ :2016/04/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد