آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

التداعيات الاستراتيجية للهزيمة الأميركية في أفغانستان

 
محمد صادق الحسيني

على الرغم من كلّ ما يتمّ تداوله حول الهزيمة الأميركية في أفغانستان، وما تبعها من الانسحاب العسكري، الفاضح والغير منظم، من هذا البلد الآسيوي، ذي الأهمية الاستراتيجية القصوى، سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي او العسكري، فإنّ التداعيات الاستراتيجية لهذه الهزيمة، الأميركية الاطلسية المزدوجة، لم تخضع لتحليل موضوعي علمي بعد، الامر الذي يستدعي البحث في الاسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الهزيمة أولاً، كتمهيد للانطلاق الى البحث في التداعيات الاستراتيجية لهذه الهزيمة.

ولا بدّ أولاً من تحديد الاسباب الرئيسية لهذه الاهمية الاستراتيجية لأفغانستان، البلد الفقير الذي يعتبره البعض لا يكتسي هذه الأهمية، ويحصر دوره واهتمام العالم به في ما أطلق عليه الاستعمار الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، اسم «الإرهاب» ومكافحته وحماية الدول الغربية من هجمات محتملة، ضد تلك الدول او مصالحها في العالم، قد تنطلق من هذا البلد.

من هنا فإنّ الاسباب الحقيقيه، لهذه الاهمية الاستراتيجية، التي نتحدث عنها، تعود الى ما يلي:

١) السبب الاقتصادي، الذي يرجع الى الموقع الجغرافي الهام جداً لأفغانستان، التي تتوسط قارة آسيا وتعتبر بذلك المفصل الرئيسي في حركة التجارة الدولية، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ليس فقط داخل القارة الآسيوية وانما باتجاه جنوب شرق آسيا ودول الشرق الاوسط (غرب آسيا)، الى جانب روسيا الاتحادية ودوّل أوروبا الشرقية (عبر شمال غرب روسيا)، وصولاً الى الدول الأوروبية والقارة الأفريقية والقارتين الأميركيتين.

وهو الأمر الذي يجعل الاستقرار في هذا البد مفتاحاً مركزياً، لتوسيع وتسهيل تنفيذ مشروع طريق الحرير الصيني الجديد (الطريق والحزام)، الذي سيؤدي إنجاحه الى خلق نهضة اقتصادية عملاقة، في مختلف أنحاء العالم، تفوق بعشرات المرات تلك النهضة التي أحدثها ما أطلق عليه اسم مشروع مارشال الأميركي، بعد الحرب العالمية الثانية، الذي جلب (المشروع) استثمارات أميركية كبيره للاقتصاديات الأوروبية المدمّرة، وهي الاستثمارات التي فتحت الطريق للمحتل الأميركي لتحويل احتلاله العسكري الى احتلال اقتصادي في دول أوروبا الغربية. وقد وصلت ارقام الحيازة (السيطرة عبر الشراء) الأميركية للشركات الأوروبية، وبالتالي لاقتصاديات هذه الدول الى 42%، الامر الذي يفسر التبعية السياسية الأوروبية الحالية للسيد الأميركي.

ثانياً: السبب السياسي، والمتمثل في الاهمية الجيوسياسية لأفغانستان وأهمية ذلك، في الصراعات السياسية الدولية بين الدول العظمى، التي بلغت ذروتها في تحول الصراع الروسي البريطاني في المنطقة (وسط آسيا) الى حرب بريطانية ضد أفغانستان، حيث شنت سلطات الاحتلال البريطانية في الهند حملة عسكرية ضد أفغانستان، بدأت بتاريخ ١/١٠/١٨٣٨ واستمرت حتى ١/١/١٨٤٢. وما كانت نتيجتها هزيمة بريطانية نكراء اجبرت لندن على سحب قواتها، التي كانت محاصرة بالكامل.

اما الحملة العسكرية البريطانية الثانية، ضد أفغانستان، التي كانت تهدف دائماً للسيطرة على هذا البلد تمهيداً للسيطرة على بقية بلدان آسيا الوسطى، مثل اوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقرقيزستان…، على حساب المصالح الروسية في هذا الجزء من العالم، فقد استمرت من سنة ١٨٧٨ حتى سنة ١٨٨٠ وانتهت بانسحاب القوات البريطانية من أفغانستان ثانيةً سنة ١٨٨١.

وقد تنبّهت ألمانيا القيصرية للاهمية الجيوسياسية القصوى لأفغانستان، خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى، حيث حاولت ألمانيا القيصرية اقامة تحالف سياسي عسكري، مع أمير أفغانستان آنذاك، أمير حبيب الله، فقام القيصر الألماني بإرسال بعثتين عسكريتين الى أفغانستان، الاولى برئاسة: أوسكار فون نيدَرْ مايَر Oskar von Niedermayer  والثانية برئاسة: ڤيرنَر أوتو فون هيرتينغ Werner Otto von Herting  وقد التقت البعثتان في طهران بتاريخ ١٦ /٦/ ١٩١٥ ووصلتا الى كابل يوم ٣٠/٩/١٩١٥، حيث عرضتا على الامير حبيب الله الدخول في حلف سياسي وعسكري، مع ألمانيا القيصرية، لمحاربة بريطانيا في الهند. وتعهدت البعثة الألمانية بتقديم المساعدة اللازمة للحكومة الهندية المؤقتة، المعادية للاحتلال البريطاني، ومقرها في كابول، بقيادة الشخصية الوطنيه الهندية: ماهيندرا بارتاب Mahendra Pratap.

ومن الجدير بالذكر انّ محاولات بريطانيا السيطرة على أفغانستان لم تنته عند انسحاب قواتها من هذا البلد سنة ١٨٨١ وانما عاودت الهجوم على أفغانستان، بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وهزيمة ألمانيا. وقد انتهت هذه الحملة العسكرية البريطانية بتوقيع اتفاق سلام، بين الحكومة البريطانية والامير عبدالله خان، بتاريخ ٨/٨/١٩١٩ في راولبندي، تم على اثره تشكيل حكومة مؤقتة في أفغانستان.

وهذا يعني انّ الصراع الدولي على أفغانستان ليس حديثاً، وان التأثير السياسي وبالتالي الاستقرار السياسي لأفغانستان، على محيطها هام للغاية وذو طبيعة استراتيجية لا يمكن لدول مثل روسيا وإيران الا ان تضعها على رأس سلم اولوياتها، لما لها من تأثير مباشر على مصالح الأمن القومي لهاتين الدولتين بشكل خاص. كما ان باكستان والصين أيضاً معنيتان بشكل اساسي بالاستقرار السياسي في هذا البلد، اضافة الى الهند التي تأثرت عبر التاريخ بما يجري في أفغانستان.

فلا بد لنا ان نتذكر الدور الذي كان يقوم الداعية الاسلامي الشهير جمال الدين الأفغاني (١٨٣٩-١٨٩٧ توفي بسرطان الفم) من جهود لتوحيد الهندوس والمسلمين في مواجهة الاحتلال البريطاني وما قام به من نشاط في العديد من الدول، بما فيها الأوروبية، لتوحيد جهود المسلمين في دولة اسلامية (آنذاك الامبراطورية العثمانية) بعيدة عن التزمت والصراعات المذهبية والعرقية.

ثالثاً: السبب العسكري. وهو سبب ينبع بشكل رئيسي من الموقع الجيوسياسي الهام لأفغانستان. هذا الموقع الذي حاولت دول الاستعمار الغربي السيطرة عليه عسكرياً، بهدف استخدامه كمنصة تنطلق منها الجيوش الاستعمارية لتهديد الدول المجاورة او احتلالها او التأثير على مصالحها القومية في وسط آسيا.

وقد اشرنا اعلاه الى الحروب البريطانية الثلاثة، التي شنتها بريطانيا على أفغانستان، في القرن التاسع عشر وهزمت فيها جميعاً. وهي الحروب التي ارادت بريطانيا من ورائها:

– تعزيز احتلالها للهند ومنع التواصل بين حركات التحرر الهندية مع انصارها في كل من أفغانستان وما يعرف اليوم بدولة باكستان.

– التصدي لما كانت تطلق عليه لندن «التوسع الروسي»، تماماً كما يدعون في عصرنا الحالي ضرورة التصدي «للتوسع الإيراني» في الشرق الاوسط. علماً ان الامبراطورية الروسية مارست، آنذاك، حقها في الدفاع عن النفس وعن أمنها القومي، الذي تعتبر دول آسيا الوسطى جزءاً منه.

وهو نفس الدور الذي تقوم به جمهورية روسيا الاتحادية، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ليس فقط في وسط آسيا وانما في جمهوريات سوڤياتية سابقة، نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

١) محاولة واشنطن وحلف شمال الاطلسي فصل جمهورية الشيشان عن الاتحاد الروسي، سنة ١٩٩٤، ودفع آلاف المسلحين المتطرفين، من أفغانستان الى الشيشان، لمقاتلة الجيش الروسي الذي كان يعمل على افشال مخطط الانفصال.

٢) الازمة التي أشعلتها واشنطن وخلف شمال الاطلسي، بين روسيا وجورجيا، سنة ٢٠٠٨، وأدّت الى حرب بين الدولتين وما تقوم به جورجيا من أعمال تهدّد ليس فقط الأمن القومي الروسي وانما الأمن والسلام في العالم بأسره، وذلك من خلال تشغيل ما يزيد على ٢٤ مختبراً أميركياً سرياً على أراضيها، متخصّصاً في إنتاج الأسلحة البيولوجية. علماً ان القانون الأميركي يمنع تشغيل مثل هذه المختبرات على الاراضي الأميركية بسبب خطورتها على السلامة العامة.

٣) قيام الولايات المتحدة، وبإشراف مباشر من القيادة المركزية الأميركية، بنقل ثلاثين الف مسلم، من فلول داعش في العراق وسورية، وبطائرات عسكرية أميركية وقطرية، عبر الاردن وتركيا وشمال العراق، الى أفغانستان ونشر هذه المجموعات على حدود أفغانستان الشمالية، مع جمهوريات آسيا الوسطى، السوڤياتية سابقاً، وكذلك على جزء من الحدود الشمالية الشرقية لأفغانستان، المحاذية للصين، بطول ٧٥ كم، وذلك استعداداً لاستخدام هؤلاء المسلحين ضد الصين الشعبية ودوّل آسيا الوسطى وروسيا نفسها.

كما يجب التنويه الى انّ قسماً من هذه المجموعات قد تمّ نشره في جبال ولايتي: فرح ونيمروز، اي قبالة منطقة زاهدان / زابل / الإيرانيتين، وذلك تمهيداً للمناورة بهذه العصابات ضدّ المدنيين وقوى الامن في إيران.

وانطلاقاً مما تقدّم، فإننا نجزم ان ما سينجم عن هذه الهزيمة الأميركية، سيكون موازياً لحجمها، من ناحية الأهمية والتأثير، على صورة وقدرات الامبراطورية الأميركية وسرعة أفولها وانتهاء هيمنتها على العالم. حيث انّ بشائر تلك الهزيمة بدأت تظهر للعيان شيئاً فشيئاً، حتى قبل ان تغادر بقايا فلول الجيش الأميركي ومرتزقته أفغانستان، ولعلّ بعض التحركات السياسية، الاقليمية والدولية، خلال شهر آب ٢١، تؤكد رؤيتنا هذه، التي وصلت الى الاستنتاجات التالية:

أولاً: فقدان الولايات المتحدة وأذنابها من دول الاطلسي، وفي المقدمة منها تركيا أردوغان، لزمام المبادرة، على الصعيد الدولي الشامل، وليس في منطقة وسط آسيا فقط، وانتقال المبادرة الى كلّ من الصين وروسيا وإيران.

فها هي روسيا تعلن مواصلة تدريباتها العسكرية المشتركة، مع كلّ من تركمانستان وطاجيكستان واوزبكستان، وعلى الحدود الأفغانية مع هذه الدول، ما يعني في الحقيقة قيام روسيا بتعزيز حضورها العسكري في هذه الدول، منعاً لانتقال اي فوضى محتملة من أفغانستان الى داخل هذه الدول، ومن ثم الى داخل الاراضي الروسية المجاورة. الامر الذي يعني تقدماً استراتيجياً روسياً هائلاً، في منطقة وسط آسيا، وهو التقدم الذي يخدم، موضوعياً، الصين وإيران ايضاً، ويعزز الاستقرار السياسي في هذا الجزء من العالم، ما يفسح المجال لبدء مرحلة تنمية اقتصادية شاملة في تلك الدول، تعود بالفائدة على الجميع.

كما لا بد من الاشارة الى الاتصالات والمشاورات التي تجريها كل من الصين وإيران، مع القوى الحاكمة الجديدة في أفغانستان (طالبان) لضمان امن الحدود الصينية الأفغانية الممتدة على طول ٧٥ كم، وتلك الإيرانية الأفغانية التي يزيد طولها على الف كيلومتر، ولكل منهما اسبابه الخاصة.

اذ ان المنطلق الاساسي لجمهورية الصين الشعبية هو منطلق اقتصادي، يتركز اساسا على خلق استقرار سياسي مستدام في أفغانستان، مما يفتح الطريق امام الاستثمارات الصينية الضخمة في مشروع طريق الحرير الصيني، الذي سيمر غرباً عبر الاراضي الأفغانيه. كما ان امن الحدود الصينية الأفغانية، في ولاية بَدَخشان، يعتبر امراً حيوياً بالنسبة للصين، خاصة في ظل استغلال الغرب الاستعماري لأقلية الايغور المسلمة، التي تسكن في الجانب الصيني من الحدود، لتنفيذ مخططات انفصالية في غرب الصين، اضافة الى نقل عشرات الالآف منهم، مع عائلاتهم، للقتال ضد الدولة السورية على مدى السنوات العشر الماضية.

اما بالنسبة لإيران فبالاضافة الى الاسباب المعروفة للجميع، من جغرافيا وتاريخ وحضارة وثقافة مشتركة، فان التخلص من الاحتلال الاجنبي على حدود إيران الشرقية هو امر استراتيجي، يشكل انتصاراً كبيرا لإيران، ولاستراتيجيتها المطالبة باخراج القوات الأميركية من كل غرب آسيا، والتي تعتبرها الخطوة الاولى على انسحاب أميركي مشابه من كل دول الشرق الاوسط العربية، اضافة الى احتمالات كبيرة جداً الى ان تبدأ الدول الآسيوية المحتلة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بالبدء بالمطالبة برحيل القوات الأميركية.

ثانياً: سقوط مشروع الاحتلال والتقسيم الأميركي، في الوطن العربي من طنجة وحتى عُمان، وكذلك مشاريعها في وسط آسيا، كما ذكرنا اعلاه.

فها هي إيران، وتلبية لنداء الشعب اللبناني، قد اتخذت اجراءً استراتيجياً، غاية في الاهمية، يهدف الى كسر الحصار الاقتصادي، الأميركي الأوروبي، عن ثلاث دول هي: إيران وسورية ولبنان، وذلك عبر قرارها بتوسيع دائرة الامداد بالنفط الإيراني ومشتقاته لتشمل لبنان ايضاً. ولم يكن تصريح الناطق باسم الخارجية الإيرانية، الذي جاء فيه ان تصدير النفط الإيراني هو موضوع سيادي إيراني لا يحق لاحد ان يتدخل فيه او حتى يعلق عليه، نقول ان هذا التصريح لم يكن الا تأكيداً جديداً، على انّ موازين قوى الميدان في المنطقة قد اختلفت تماماً، وانّ حلف المقاومة يمسك بزمام المبادرة، براً (جنوب لبنان وفلسطين المحتلة) وجواً (مدخل الخليج الفارسي وقاعدة العند وغيرها من اهداف العدو التي قصفت)، وبحراً، عبر ناقلات النفط الإيرانية التي تتحرك باتجاه الموانئ السورية واللبنانية، حاملة على متنها ما يحتاجه البلدان من مشتقات نفطية.

وهو ما يعني هزيمة مشروع الحرب الاقتصادية والمالية على سورية ولبنان بعد فشل مشروع الحرب العسكرية، التي شنت على سورية ولبنان، على مدى السنوات العشر الماضية.

٣) كما لا بد لنا ان نضيف مؤتمر «جوار العراق»، الذي انعقد في بغداد قبل ايام، بحضور وزير الخارجية الإيراني، وكذلك مؤتمر حوار ليبيا، المنعقد حالياً في الجزائر، لبحث الاوضاع في ليبيا (وكذلك ما يجري في تونس).

وخلافاً لما تخطط له واشنطن وتل ابيب، فإنّ مؤتمر «جوار العراق» لن يسفر قطعاً عن إقامة حلف عربي اسرائيلي لمحاربة إيران، وانما سيسفر عن تدافع بين «القادة العرب» لزيارة القصر الجمهوري السوري في حي المهاجرين بدمشق، بحثاً عن وسيلة لإنقاذ أنظمتهم من الزوال، بعد كلّ ما حققه محور المقاومة من انتصارات، والذي انعكس على تصرفاتهم في كواليس بغداد.

كما انّ مؤتمر حوار ليبيا، بمبادرة الجزائر، يعني قبراً للقيادة الأميركية في افريقيا AFRICOM، التي خططت لتحويل تونس الى قاعدة امداد لمسلحي الجماعات التكفيرية، التي نقلتهم القيادة المركزية الأميركية من العراق وسورية الى كل من ليبيا وتشاد ومالي وغيرها، وذلك لشن حرب تدميرية ضدّ الجزائر، التي تقف مع القضية الفلسطينية وترفض ايّ شكل من اشكال التطبيع مع العدو.

إذن فإنّ المبادرة الاستراتيجية قد هرجت من يد واشنطن، وعلى طول وعرض المنطقة الممتدة من سواحل المغرب الغربية وحتى وحدود الصين الغربية وما بعد بعد حدود الصين. الى اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا والى القارة الأوروبية ايضا.، كما سنورد ادناه.

ثالثاً: لكن التداعيات الاستراتيجية، لهذه الهزيمة الأميركية الاطلسية المشتركة، لم تقف عند الحدود التي ذكرناها اعلاه، في كل من الشرق الاوسط ودوّل آسيا الوسطى، وانما هي امتدت لتزلزل اركان التحالف الاوروأميركي (الناتو) وتجعل من الولايات المتحدة الأميركية حليفاً غير اهل للثقة، حتى في نظر اذنابها الأوروبيين.

وخير دليل على ذلك هو الكلام الذي قاله، في تصريحات علنية، كاهن السياسه الأوروبيه دون منازع، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بورلي، وهو اشتراكي ديموقراطي اسباني، ينتمي إلى أهمّ المحافل الماسونية الأوروبية، ويتمتع من خلال ذلك بقدرة كبيرة جداً على التأثير في القرارات الأوروبية كتلك القدرة التي كان يتمتع بها الكاهن السياسي البريطاني السيّئ الذكر، انطوني بلير، في السابق.

فقد نشرت محطة دويتشه ڤيليه (الموجة الألمانية) اقوال بوريل، بتاريخ ١٧/٨/٢٠٢١، التي ادلى بها خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، لمناقشة الأوضاع في أفغانستان، بعد يومين من سقوط كابل. حيث قال انّ الاهتمام المتزايد من قبل الدول الأوروبية، ومن اجل مستقبل تلك المنطقة (وسط آسيا)، بالدول المجاورة لأفغانستان كروسيا والصين والهند وباكستان وتركيا (لم يذكر إيران) سيكون من عواقب – تداعيات ما جرى (في أفغانستان). وأضاف قائلاً: سوف نستخدم كلّ طاقاتنا.

فماذا يعني هذا الكلام، عندما يصدر عن كاهن سياسي ماسوني أوروبي، في معرض حديثه عن حدث استراتيجي يكتسي أهمية كبرى، ويتعلق بموازين القوى الدولية؟

انطلاقاً من طبيعة الرجل وحنكته السياسية، فإننا نؤكد انه أراد إيصال رسالة واضحة لواشنطن، مفادها، انّ الاتحاد الأوروبي يرى مصلحته في احتمال الانضمام الى كلّ من روسيا والصين، في المستقبل، حفاظاً على مصالحه في آسيا (والشرق الاوسط)، بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بواشنطن ومشاريعها، في احتلال وتفتيت دول العالم، وتكريس هيمنتها على خيرات ومقدرات شعوبها.

كذلك لا بدّ أن نرى مشاركة سمسار الشركات الصناعية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، في مؤتمر بغداد، قبل أيام، خطوة من خطوات بحث الدول الأوروبية عن سبل لتحقيق مصالحها، بعيداً عن او دون مشاركة الولايات المتحدة في ذلك. علماً انّ ما نقوله لا يتناقض مع مقولة انّ ماكرون كان مكلفاً من قبل الإدارة الأميركية بمحاولة اظهار ان فرنسا والحلف الاطلسي لا زالا يقومان بدور يخدم المصالح الأوروبية الأميركية المشتركة. لكن زيارة ماكرون لمقام الامام الكاظمي في بغداد ولمدينة الموصل، واجتماعه مع عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، لم تؤديا الى تغيير الامر الواقع، الا وهو ان المجتمعيين لم يكونوا سوى مجموعة مهزومين، على رأسهم ماكرون نفسه.

اما المنتصرون، الذين مثلهم وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، فقد عبّروا عن تميّزهم عن بقية الرهط عندما قفز عبد اللهيان الى الصف الأول وطار بعدها الى دمشق لمتابعة تنسيق النشاط الدبلوماسي الإيراني السوري، في إطار الاستعدادات العسكرية الجارية لتنفيذ الفصل الأخير من الهجوم الاستراتيجي لقوات حلف المقاومة، الذي سينتهي قطعاً بإزالة القاعدة العسكرية الصهيونية من على أرض فلسطين وتحرير القدس، تتويجاً للهزيمة الأميركية الاستراتيجية وإنهاء دورها كقوة امبريالية مهيمنة مرة والى الأبد.

ومكر اولئك يبور،

بعدنا طيّبين قولوا الله…

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2021/09/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد