التقارير

تقرير خاص: سجون #المملكة: ’5 نجوم’ انتهاكات وتعذيب.. الصورة مأساوية ما النفع من تلميعها؟

 

كثيرة هي الروايات التي تنقل عن الممارسات التي تقوم بها السلطات المعنية داخل سجون المملكة السعودية وتتنوع أساليب التعذيب والقهر بحق النزلاء لا سيما سجناء الرأي أو المعتقلين السياسيين، فمن الضرب المبرح إلى التعليق بقيود تجعل السجين واقفا لأيام مرورا بإغراق السجين بالماء الحار إلى التسهير بطرق تثير أعصاب الإنسان لدرجة المرض والجنون وغيرها الكثير الكثير من فنون العذاب التي تقشعر لها الأبدان... وصولا إلى الموت بين يدي الجلاد وتحت ضربات السياط الذي لا يعرف الرأفة.

وقانونا السجن هو المكان المغلق المعزول عن المجتمع يتكون من غرف وعنابر متعددة المساحة والأحجام، يقيم فيها الشخص المذنب أو المحكوم عليه تنفيذا لعقوبة قررتها المحكمة لارتكابه أفعالا يجرمها القانون، إلا أن هذا لا يعني أن يُترك السجين في معتقله دون أي ضابط قانوني أو معايير أخلاقية، إنما هناك قوانين محلية واتفاقيات دولية ترعى حقوق السجناء وتنظم أمور السجون بما يكفل للسجين احترام حقوقه ومنع تعرضه للتعذيب وبما يساعد على تحقيق الغاية من سجنه، فالسجن "إصلاح وتأديب" ويجب أن يكون معد بشكل يؤدي لتحقيق هاتين الغايتين، وإتمام التأديب تمهيدا لإصلاح السجين وإخراجه إنسانا جديدا إلى المجتمع، لا أن يصبح الهدف هو قهر السجين وتعذيبه لجعله مجرما محترفا كي ينتقم من نفسه ومن المجتمع على احتجاز حريته بأبشع الطرق.

 

القضاء المستقل.. والرقابة على السجون

وصحيح أن العقاب أحد غايات السجن إلا أنه ليس عقابا متفلتا لا تُحترم فيه النفس البشرية أو كرامة الإنسان، بحيث يتم الاعتداء عليه بأبشع صور التعذيب المادية والجسدية والمعنوية، كتلك التي تنقل من داخل سجون المملكة السعودية، حيث يكون السجن أشبه بـ"الجحيم" الذي لا يحق ولا يجوز لأحد في الكون التحقيق أو محاولة التعرف عن وضع السجناء والتأكد من عدم انتهاك حقوقهم، حيث أن الأصل في السجن يجب أن يكون خاضعا لرقابة قضائية من أهل الاختصاص للتأكد من أن القوانين تطبق فيه بما يضمن احترام حقوق المساجين والنزلاء، وهذا "الكلام النظري" هو أمر محبب وجميل إلا أنه يجب أن يتصل مع منظومة حقوقية وقانونية يعيشها المواطن في الدولة قبل وخلال محاكمته أي قبل إصدار الحكم بحق الشخص المدان من لحظة اعتقاله إلى نزوله السجن لتطبيق العقوبة دون انتهاك حقوقه الإنسانية والقانونية فضلا عن حقوقه الإسلامية.

وكل مرحلة من هذه المراحل بحد ذاتها تثير الكثير من التساؤلات في المنظومة القانونية والقضائية في المملكة السعودية، حيث أن "الاعتقال السياسي" يثير الكثير من الإشكاليات التي تؤكد بطلانه وعدم شرعيته، كما أن المحاكمات التي تقام لهؤلاء المعتقلين تحتوي الكثير من الثغرات القانونية التي تجزم بـ"تعليب" الأحكام وتجهيز التهم رفضا للرأي المعارض ومنعا للصوت الآخر، وبعد كل هذه السلسلة غير القانونية والتي تنتهك حقوق الإنسان، كيف ستكون عليه أحوال السجون في المملكة؟ وأي حقوق إنسان ستحترم في غياهب هذه المعتقلات؟ وهل يمكن التعويل على سلطة قضائية مستقلة ونزيهة لمراقبة عمل السلطات المشرفة على هذه السجون؟

 

طرق التعذيب المتعددة.. وداعا لحقوق الإنسان!!

والمعلومات المتداولة تؤكد أن الانتهاكات في السجون السعودية أكثر من أن تعد أو تحصى، وهي تبدأ من لحظة اعتقال السجين بصورة تعسفية وتستمر دون أي مستند قانوني وبدون وجود احترام لحقوق السجناء عبر منعهم من الاتصال بعائلاتهم لفترات طويلة أو التواصل مع محاميهم ووصولا إلى إتباع الطرق غير القانونية في التحقيق معهم بما يتضمنه من طرق تعذيب مختلفة.

لكن المدهش والمستفز في آن، أن تقوم بعض الجهات السياسية والإعلامية بتزوير الحقائق بتصوير الواقع على غير حقيقته حيث تروج أن السجون في المملكة هي واحة للإنسانية، فقد أعلنت السلطات السعودية بأنها دشنت أول "بيت عائلي" داخل سجن "بريمان" في جدة بإشراف نسائي ومواصفات فندقية لترتيب لقاءات بين السجناء وعائلاتهم.

وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "عكاظ" السعودية في 14 نيسان/أبريل الماضي أن "عسكريات وعاملات سعوديات تشرفن على إدارة البيوت العائلية في سجون المملكة ليتمكن السجناء من لقاء زوجاتهم وأطفالهم بعيدا عن أي حرج ينجم عن وجود الرجال"، وأضافت أن "الوحدات العائلية تتضمن صالات ترفيه للأطفال وتحمل طرازا فندقيا مستوحى من تراث جدة التاريخية وهي مؤثثة بالكامل ومزودة بشاشات وثلاجات ومطبخ مصغر بالإضافة إلى جميع الخدمات الأخرى من نظافة ووجبات غذائية تشرف عليها إدارة السجون"، وتابعت أن "تدشين البيت العائلي داخل السجن العام في جدة يأتي استكمالا لمشروعات البيت العائلي والتي انطلقت في كل من سجون المدينة المنورة وحائل وجدة وخميس مشيط وأبها والرياض، والتي تشمل 88 وحدة سكنية بمواصفات فندقية عالية".

 

سجون المملكة فنادق "5 نجوم"؟

فمن يقرأ هذه الأنباء عن وجود سجون برتبة "خمس نجوم" في المملكة لا يظن أنه في نفس الكيان حيث يُمنع السجين من الحصول على الورقة والقلم لتدوين أفكاره، كما حصل مع الشهيد الشيخ نمر باقر النمر الذي لاقى صعوبات كثيرة قبل أن يتمكن من القلم وبضعة أوراق لتدوين "مرافعة كرامة" التي عرّى فيها السلطات السعودية وكل محاولات تلميع صورة النظام والإجراءات والقوانين ومنظومة السجون في المملكة، حيث يفترض أن تطبق فيها الشريعة الإسلامية السمحاء لا أن تطبق فيها أفظع أساليب التعذيب التي لا يقبل بها منطق أو عقل أو دين.

والسجون في الدول التي تحترم حقوق الإنسان، تحتوي على مرافق حيوية وترفيهية للنزلاء بالإضافة إلى مساحات معينة تكفل حرية التحرك وتهوئة تساعد على الحفاظ على الوضع الصحي للسجين، بالإضافة إلى كافة المستلزمات الصحية والتربوية والتعليمية والرياضية للمساجين، وهي تختلف بحسب آلية العمل في السجن وعدد النزلاء، فهل كل ذلك متوافر فعلا وفي كل السجون على امتداد أراضي المملكة؟ أم أن السلطات تجهز بعض الغرف في بعض السجون وتستدعي كاميرات التصوير لالتقاط بعض المشاهد بغاية نشرها للترويج للسلطات السعودية بأنها تحترم حقوق الإنسان وتؤمن للسجين حقوقه كافة، ولكن ماذا يجري في حقيقة الأمر على أرض الواقع وخلف كاميرات التصوير؟ والحقيقة أنه لسوء الوضع الإنساني يكفي في السجون السعودية فقط وقف الانتهاكات القانونية التي تجري والتوقف عن هدر الكرامة الإنسانية وتحقيق الحقوق الأساسية للسجين، من دون السعي لإيجاد الكماليات والأمور الترفيهية التي في كثير من الأحيان يحتاج إليها الإنسان العادي خارج السجن وينتظر تحقيقها.

وحول ذلك تقول "منظمة هيومن رايتس ووتش" في تقريرها في مطلع العام 2016 "استمرت السلطات السعودية في الاعتقالات التعسفية والمحاكمات والإدانات للمعارضين السلميين واستمر قضاء عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لفترات طويلة في السجن جراء انتقاد السلطات والمطالبة بإصلاحات سياسية وحقوقية...".

 

بدورها، اعتبرت "منظمة العفو الدولية" أن "الحقوقيين والناشطين يتعرضون لمحاولات لا ترحم لقمع الانتقادات لسجل حقوق الإنسان المروعة في السعودية"، وأضافت أن "السعودية أثبتت مرة أخرى عزمها على إخفاء حقيقة سجلها المزري في مجال حقوق الإنسان".

فالسلطات السعودية باتت توزع ممارساتها غير القانونية منذ لحظة اعتقال المواطن وصولا إلى كل فترة الاعتقال في محاولة لإسكات كل من ينتقد سياساتها، علما أن هذه السياسات القمعية لا تساعد في بناء الثقة بين المواطن والسلطة ولا تفيد في إيهام الرأي العام بأن صورة المملكة وردية ومثالية في مجال الحريات وحقوق الإنسان لأن كل الكون يعرف ويدرك مدى القسوة التي يعامل بها الإنسان السعودي لا سيما حين يفكر في إبداء رأي مناهض لرأي الحاكم.. والمطلوب هو التغيير الحقيقي والإصلاح على الأرض وداخل زنزات المعتقلات التي تعج بالمساجين المهدورة حقوقهم في ظلمتها.

أضيف بتاريخ :2016/06/06