تقرير خاص - الشهيد علي الربح: رأس الورد المذبوح
كان يمنحنا القوة، "كان يصبّرنا، يقول لن يصيبنا ٳلا ما كتب الله لنا.. كان مقتنعاً بأن كل ما يُمارس هو مجرد حرب نفسية. سألته وٳن لم يكن كذلك؟ أجاب مبتسماً فلتكن الشهادة". ابتسمت له وقلت: "الله يعطيك على قد صبرك و نيتك غناتي"، بحسرة الفاقد وبفخر تستدعيه الشهادة تتحدث والدة الشهيد علي الريح عن ابنها.
صباح الثاني من يناير الجاري، حمل إلى عائلة الشهيد علي آل ربح خبر الجريمة. الابن الذي فارقهم بسن الثمانية عشر، قُتل بحد سيف قطع كل أمل جميل راود الأهل.
تستذكر السيدة "زهراء حسن"، والدة الشهيد علي، في مقابلة مع "صحيفة خبير" شهيدها، "علي" ابن الأعوام الثمانية عشر يوم اعتقاله (مواليد عام ١٤١٤ هـ)، "كان حنوناً طيب القلب، تغلب عليه ابتسامة المتفائل بالحياة الكريمة، لا يحمل في قلبه إلا الحب ويبادله الآخرون ذلك، يحب خدمة مجتمعه ولاسيما بالمناسبات الدينية حيث كان من كوادر مسجد العباس ومآتم الزهراء ببلدته العوامية".
"في 29 فبراير 2012م، جرى اعتقاله… تم اقتياده من على مقعده الدراسي بشكل مشين أمام زملائه ومدرسيه". كان يومها يتابع آخر سنة دراسية له، بالصف الثالث ثانوي علمي. وكان يطمح لأن يُتابع دراسته الجامعية في الخارج .. لكن الظلم لم يمهله لتحقيق ذلك".
لم يرتكب جرماً يستحق الإعدام!
"الجُرم" الوحيد الذي ارتكبه علي الربح هو المشاركة في تظاهرات خرجت في القطيف للمطالبة بإصلاحات. إلا أن التهمة التي وُجهت له من قبل الإدعاء كانت "حمل السلاح".
لم يُمكّن الشهيد من الدفاع عن نفسه أو توكيل محامٍ عنه. اختارت المحكمة المحامي محمد الشخص ليتولى مهمتة، رغم أنّه لم يُمكّن من حضور أغلب جلسات المحاكمة، وفق رواية عائلة الشهيد الربح.
"صحيفة خبير" تواصلت مع المحامي الشخص الذي أوضح أن المحكمة اتهمت "الربح" بحمل السلاح، مضيفاً: "نحن أثبتنا بطلان التهمة، وطالبنا الادعاء بتقديم أدلة إثبات. لم يتم تقديم أي إثبات عملي، ومع ذلك جرى إعدامه".
يقر المحامي، الذي عيّنته المحكمة، أنه كما الشهيد "الربح" لم يتوقعا حكم الإعدام، كانا يتوقعان أن يحكم بالبراءة أو بأحكام مخففة. لكننا "صدمنا بالإعدام" وهو لم يرتكب ما يستحق ذلك، يقول الشخص.
ويضيف: "الربح كان شاباً شديد التهذيب، أفصح أنه لم يستعمل السلاح بحياته، لكنه خرج مشاركاً بالتظاهرات. هو شاب عفوي، قال إنه لم يحمل سلاحاً في حياته ولكنه أقر بمشاركته في التظاهرات، واقتنعتُ بكلامه 100٪".
لم يتمكن الإدعاء من تقديم أي إثبات على حمل "الربح" للسلاح. ووفق المحامي فإن الفتى وقع على إقرارات تحت التعذيب.
لم يُعطَ الشهيد علي الربح فرصة للدفاع عن نفسه أو لتفنيد الأكاذيب، صرح للقاضي عما لحق به من تعذيب إلا أن كلامه لم يلق اهتماماً… تقر والدته أن التهم كانت "حبراً على ورق".
"في أول زيارة إليه... لم نتعرف على ملامحه كان هزيل الجسم، خسر ما يقارب نصف وزنه ما قبل الاعتقال. جسده كان يرتعش بقوة، وآثار التعذيب الحروق واضحة على كل أجزاء جسده. على أنفه كانت تظهر علامات لكسر لم يُعالج إلى يوم قتله. لم يكن يريد الكلام معنا مما كان يعانيه من رعب وخوف شديد. كانت يختصر الإجابات بشكل سريع، ولاحقاً أخبرنا أنه يمر بحالة فزع أثناء النوم"، تقول والدته.
أمنيته الحصول على "قرآن"!
آخر زيارة جمعت عائلة الشهيد علي الربح بنجلها كانت بتاريخ "٢٧ محرم ١٤٣٧"، تحديداً بعد شهر ونصف من نقله لسجن الحاير بالرياض. تحدث الشهيد لأهله عن معاناته بالانفرادي. تنقل والدته: "كانوا ٦ من أبنائنا في عنبر واحد بزنازين انفرادية هم الشهداء الثلاثة: علي الربح، محمد الشيوخ، محمد الصويمل، بالإضافة إلى المعتقلين المظلومين المسلط عليهم حكم الإعدام الجائر: علي النمر، عبدالله الزاهر، داوود المرهون".
"أخبرنا يومها بأنه يتمنى الحصول على القرآن الكريم... حتى القرآن حرم منه ابني! حسبي الله ونعم الوكيل على من ظلمه".
خلال سنوات اعتقاله، أمل الشهيد في أن يتم دراسته الثانوية من داخل المعتقل. صارحت الأهل سلطات السجن بأمل "علي"، فطلبت منهم نسخة عن شهادته الدراسية. تقول الوالدة: "أحضرنا لهم 5 نسخ، وفي كل مرة كنا نزودهم بنسخة، كانوا يعتذرون بأنهم فقدوها!"
حدث علي أهله عن المعاملة السيئة وسوء التغذية، وقال إنه لا يملك سوى ثوباً واحداً يغسله ويلبسه. طلب الأهل من القيّمين على السجن مراراً ملابس لابنهم المعتقل، لاحقاً استجاب القيميون لـ "حسن سيرة الشهيد علي". في زيارة لاحقة سأله والده: هل أحضروا لك ملابس؟ أجاب الشهيد: "نعم أخذت واحدة وأعطيت اثنين معي، مثلي مساكين ماعندهم".
فاجعة الإعدام
صُعقت العائلة من الحكم الصادر بحق ابنها، حتى الشهيد "لم يصدق، كان دائماً كان متفائلا بالفرج"، تواصل والدة حديثها وتردد "الله ينتقم منهم".
"إلى اليوم، مر أسبوعان على فاجعة إعدام الشهيد علي الربح، إلا أن قلوبنا تأبى التصديق وعلى أمل بأن نسمع صوته يوماً وأن نراه مجدداً.. حسبنا الله في من ظلمه و ظلمنا بظلمه .. الله ينتقم منهم"، هكذا تتمتم والدة الشهيد علي الربح، التي يزيد من معاناتها أنها لا تعلم قبره، ولم تودع جثمانه.
لم يتمكن علي الربح من متابعة دراسته، حال بينه وبين طموحه الظلم. إلا أن شهادة أسمى كان يستحقها وكانت تنتظره، تواسي هذه الكلمات قلب الأم المفجوعة بقتل ابنها، الفخورة بما نال من كرامة ومرتبة استحقها بشهادته، تخاطبه وتقول: "السلام على رأس الورد المذبوح، السلام على الدم المُراق على العروق الذابلة، السلام عليك يا عليّا قد علا… السلام عليك يا مهجة الروح".
أضيف بتاريخ :2016/01/18