آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح الديواني
عن الكاتب :
كاتب سعودي مهتم بالشأن الفكري

عيدنا وشهداء روضة النبي ومأساة جيراني


صالح الديواني ..

ظننت دائماً أن منهج "جهيمان" أقبح من منهج الدواعش والصحويين، أما وقد حدث ما لم نكن نتخيله من قتل للأمهات والآباء، وتفجير قرب حجرة النبي، فقد تساوت الكفتان وتطابقتا في الضلال

حاولت أن أجد تفسيرا مقنعا يبرر ما قام به الإرهابيون في أواخر شهر رمضان المبارك في جدة والقطيف والمدينة المنورة، حاولت كثيرا البحث عن زاوية ممكنة تشرح لي طبيعة ما قاموا به من إجرام، ولكنني فشلت فشلا ذريعا، لأنني بحثت في كل الجوانب الإنسانية والأخلاقية، والعلاقات البشرية السوية، وكل نواميس الأمم، ولم أجد سوى تفسير واحد يقطر بالجهل المطبق على عقول هؤلاء المنفذين الانتحاريين، إذ يتساوى الثلاثة في الجرم والجريمة وبعدها الأخلاقي والإنساني، ولا يختلفون في بعدها الديني، والمفاهيم الخاطئة التفسير التي تم أدلجتهم بها.

ولو ذهبت إلى تصنيف الحوادث الإرهابية الأخيرة في المملكة، لوجدت تصاعداً مخيفاً بدأ بالظهور إلى سطحها، يهدد بانتقام بغيض من المجتمع بأسره دون استثناء، إذ إن عدم التفريق بين النوعيات المستهدفة، ينبئ عن كارثة فكرية يحملها هؤلاء المغيبون عن العالم الإنساني البشري، تمكن زارعوها من غرسها في العقول الصغيرة، وتركوا لها حرية النمو العشوائي إلى ما لا نهاية، وها نحن نجني ثمار ذلك الإنبات وسوءاته واحتضانه، ونواجه كارثة قتل الأمهات والآباء والإخوان والأقارب بوحشية وبدم بارد.

لم أكن أتخيل للحظة أن يصل الحال المزرية بهؤلاء القتلة إلى تلويث مدينة النبي عليه الصلاة والسلام، وهز روضته الشريفة بالتفجيرات، ناهيكم عن ترويع الآمنين، طيبة الطيبة، التي علقت في وجداننا بكل ما هو طيب وروحاني، طيبة التي ما ذكر اسمها إلا وتبادر إلا أذهاننا "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع".

لقد ظننت دائماً أن منهج "جهيمان" أقبح من منهج الدواعش والصحويين، أما وقد حدث ما لم نكن نتخيله من قتل للأمهات والآباء، وتفجير قرب حجرة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقد تساوت الكفتان وتطابقتا في الضلال، إن لم تكن قد رجحت كفة هؤلاء المرضى الموهومين بالأفضلية والهداية وأحقية قيادة العالم.

لم تحرك في الدواعشي المنحرف، مشاعر معرفته أنه على بعد خطوات من حجرة رسول الأمة، -ولا أستطيع تخيل جرأة ما حدث-، وأن تكون بجوار رسول الأمة ولا تفكر في أمنه وأمانه وفرحه وغضبه، وسروره وبهجته وألمه!! ألا تتحرك في وجدانك مشاعر الإنسان العظيم، فأنت إذن وحش على هيئة بشرية لا أكثر، فعذرا يا رسول الله ما هؤلاء منا.

قبل ثلاثة أيام من نهاية شهر رمضان المبارك، توفي من جيراني سبعة أفراد في حادث سير مروري مؤلم، إثر عودتهم من زيارة المسجد النبوي، ليلحقوا بليلة ختام القرآن في المسجد الحرام، كان حادثاً مؤلماً لن يذهب من ذاكرة قريتنا أحد المسارحة لزمن طويل جداً. ذهبوا لزيارة بيت الله تقربا وتعبداً، وعادوا إلينا في مغلفات بلاستيكية. أتت الحادثة لتعيد إلينا ذاكرة حادثة مشابهة تماما حدثت لوالد تلك العائلة وأقاربهم (عوامي، مزوّل، وجبري)، قبل أكثر من 30 عاماً، وهي التي لم تغب عن حديث أهل القرية حتى اليوم. رحمهم الله رحمة واسعة.

على الرغم من كل ما حدث ويحدث من منغصات ومآس، ها قد جاء العيد ببهجته وإن كانت مجروحة متعبة ومنهكة، لكنها جاءت على أية حال، وها نحن نعايد ونواسي بعضنا البعض، لنثبت لأولئك المجرمين الذين يقتلون عباد الله بحجة التقرب إليه، أننا أكثر اتصالا ببعضنا، وأكثر إنسانية من فكرهم الإجرامي الإقصائي المقيت، ولنثبت لنوائب الحياة أننا أقويا بما يكفي لنتجاوز الألم، جاء العيد لنحيا كبشر يستطيعون التغلب على أحزانهم وجراحهم، ليكونوا مجتمعات أكثر محبة من مجتمعات الظلام الفكرية التي يعيشها القتلة، وطيور الظلام. فكل عام وأوطاننا بخير، وكل عام وأمتنا بخير.


صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/07/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد