آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
واسيني الأعرج
عن الكاتب :
كاتب و روائي جزائري. يشغل منصب في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس. يعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي.

العدمية الإرهابية في مواجهة الحياة


واسيني الأعرج ..

حرب الإرهاب الأعمى خاسرة لأنها ببساطة مبنية على غير حق، وتجد في لحم البسطاء امتحاناً استعراضياً لأحقادها، ولتجاربها الشيطانية والجهنمية. في أيام قلائل وصل العنف الإرهابي إلى أقاصيه، فقد حصدت آلة التقتيل الإرهابي أكثر من ٣٠٠ ضحية في أرض الإسلام، من مطار إسطنبول إلى العراق، إلى السعودية، بعدمية خطيرة وبرودة دم مطلقة، يعترف القاتل بجريمته المضادة للإنسانية التي لا شيء يبررها إلا عقلية انتقامية مريضة. في وقت مهم دينياً واجتماعياً، فترة الصيام وعيد الفطر. يرتفع تأجج المأساة نحو المزيد من التدمير للبنى التحتية والعلاقات التي تحكم العربي المسلم مع الآخر، أكثر من أي زمن مضى. لا شيء يرتسم في الأفق إلا المزيد من الظلام والعدمية. من أين جاء هذا التدمير الذاتي الخطير الذي يعيد العرب في كل زمن إلى تقهقر أكثر. إن التطرف تبنى منذ نشأته سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقي ولا تذر حتى تحولت هذه الممارسات إلى ثقافة. فما معنى ثقافة العنف؟ هي بكل بساطة عدم تقبُّل الآخر، وهي أيضا إرادتنا في أن يكون الآخر شبيهاً لنا في كل شيء. وهو ما يوقظ الخلافات والأحقاد. أن يكون الآخر نحن في كل مواصفاته التي نريدها له، في أفكاره ولغته وإثنيته ودينه، بمقاييسنا الثقافية واعتباراتنا الدينية والتاريخية، هذا يعني ببساطة إعدامه وإخراجه من دائرة الحياة والتمايز. نفترض أنفسنا أننا الحق المطلق، النموذج الذي يجب إتباعه وكل من خرج عن المسطرة التي وضعناها وافترضناها ذهنيا، هو على خطأ ويجب أن يمحى من الحياة. غير قادرين على إعادة النظر في مقاييسنا ذاتها التي بنينا عليها أحكامنا ومساطرنا أبداً، مع أنها ليست بالضرورة مقاييس صحيحة وهو ما يسمى في العرف العام بالنقد الذاتي. إذ بدون المرور عبر هذه القنوات التي سيبدو كل ما يختلف عن أطروحاتها، إذا كانت هناك أطروحات، ملتبساً وخاطئاً وينقصه الأساس. وتزداد الأحقاد والكراهية ما بين الناس. بين المالك للقوة والعنف، وبين الضعيف والمُصر على حقه في الحياة. للأسف يبدو كأننا أمة لا علاقة لها بالتاريخ على الصعيدين الفردي والجمعي، لا نستفيد مما حدث ويحدث أمام أعيننا. وأن عنف اليوم الخطير جدا سيولد عنفاً أقسى وأشرس وأكثر تدميراً لاحقاً. المتطرفون دينياً الذين يتخفون وراء النموذج الديني المطلق لم يكونوا في أي يوم كمل خير سوى العدمية. لم يكونوا تاريخيا ملائكة. وراءهم سند ديني كما أوَّلوه، مفصول عن أي سياق، ومارسوا العنف في أقاصيه أي القتل والاغتيال والتفجيرات التي ذهب ضحيتها المسالمون في العادة، بدون أي فعل اجتهادي حقيقي في المسألة الدينية في مجتمع عالمي يتحرك بسرعة، ويحتاج إلى حلول أرضية سريعة. يتم ذلك كله في ظل أمية مستشرية وغياب فعلي للقراءة المتبصرة للتاريخ، فأصبحت المزالق والاختلالات هي الحلول. لان الاستماع للآخر وتفادي العنف والسقوط في الحلول السهلة، يعني بالضرورة تنازلاً ما في لحظة من اللحظات عن الإطلاقية واليقين، والاستماع، للحفاظ على التسيير الطبيعي للمجتمعات، ولكن هل يستمعون؟ التفاتة صغيرة لكل ما يحيط بنا تظهر طبقات العنف المبطنة النائمة في عمق المجتمعات العربية المختلفة والمتنوعة التي لم تحل أبداً في غياب الجهود الاجتهادية الحقيقية لفهم الظاهرة. ومعروف أن هذه الألغام عندما تنفجر ستأكل الأخضر واليابس. الخوف مشروع في هذا السياق من أن ما يحدث اليوم هو مجرد بداية لمسار خطير ومدمر لكل الوحدات والكيانات التي تأسست في المائة سنة الأخيرة، وربما أقدم من هذا التاريخ. قد يحمِّل المؤرخ العربي الغرب، في ما يحدث اليوم للعرب، من إخفاقات وتمزقات، لأنه كان دائما وراء تفكيك الأنظمة القديمة بدون أن يمنح المجتمعات العربية فرصة الدخول إلى الحداثة كنظام حياتي وليس كأشكال ومظاهر خارجية. ما معنى التقتيل والمحو على أساس طائفي، عرقي، وديني، وحتى لغوي، في السنوات الأخيرة في مصر و لبنان وسوريا والعراق والجزائر واليمن وغيرها؟ ألا يدفع ذلك الى التفكير لما يرتسم في الأفق؟ العنف ليس حالة طارئة ولكنه عبارة عن طبقات، وربما كانت الطبقة البدائية المختفية فيه، في أعمق الأعماق هي ما يستيقظ في نهاية المطاف اليوم، وهذا ليس خاصية عربية أو إسلامية، بقدر ما هي بشرية، لكنها تتعقد في العالم العربي بشكل أشرس لأنها تداخلت عبر التاريخ وتشابكت دون أن تلقى أي تأمل وأية حلول مقنعة. تحتاج المجتمعات العربية اليوم إلى أجيال متعاقبة تنشأ في ظروف أخرى، أكثر إنسانية، وأكثر اعترافاً بحقوقها، لتقتنع بسلطان الحوار لتخطي المصاعب. من غير ذلك، سيكون الأمر مجرد فعل ورد فعل والمزيد من الخراب.
 
صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2016/07/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد