آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أمين طلال
عن الكاتب :
كاتب سعودي .. مهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي.

داعش والغباء المنطقي

 

أمين طلال ..

طالما الفساد مستمر فلن تنفع حلقة تحفيظ ولا دار سينما، لا صحوة ولا غفوة. الفساد قادر على ملء عقول الشباب بالعلل النفسية المتفاوتة، وحينها فقط نكون قد قدمنا للتطرف فرائس سهلة

 

هنالك غباء بلا معنى، مجرد هذيان وتصرفات حمقاء، وهنالك غباء منطقي، حيث يلمح المرء من الوهلة الأولى أنه أمام مقولات حكيمة وعبارات واعية تصف الداء وتصرف العلاج، لكن ما إن يعيد المرء التفكير بتمعن فيما ظن أنه الحكمة المنشودة، حتى يكتشف أنه أمام غباء منمق مزخرف، وصاحب هذا النوع من الغباء يرى نفسه الحصيف الداهية، كونه يتحدث بأحاديث لها وجاهتها فعلا، ولها منصتون وجمهور، ولكن مع الوقت يبدأ التهافت في التسلل إلى عباراته وتحليلاته، ويبدأ الجمهور بالتثاؤب.

 

الوقت وحده كفيل بإزاحة كل زخرفة عما آمنا به، لهذا سأعترف بأنني في الأمس كنت أؤمن بأن أسباب التطرف مردها تراثنا وأقوال بعض السلف، آمنت أن هذا هو الداء، أما العلاج فأن يتم تغيير المناهج من جذورها، وأن يتم السماح بدور سينما ومسارح وحفلات غنائية، وأن يتعلم أبناؤنا الموسيقى، وأن يسمح بالاختلاط، وغيرها من المفاهيم التي ظننت أنها منطقية، وهي فعلا منطقية لكن وكما يقال: ليس كل ما هو منطقي صحيح بالضرورة.

 

إن الغباء ليس في طبيعة هذه المطالب، إنما الغباء في ربطها بالتطرف، في الاعتقاد بأنها لو تحققت فسينتهي التطرف للأبد. نعم، من الواجب علينا أن نراجع التراث باستمرار، لكن من الغباء الظن أن الاكتفاء بمراجعته ستقضي على التطرف، ومن حق كل فرد أن يطالب بمسارح وسينما، وأن يدلي برأيه في الاختلاط، لكن من الغباء الظن أن هذه الأمور لو تحققت فيسغدو مجتمعنا مثاليا. إن المنتسبين إلى "داعش" أحداث بعيدون عن تأثير "الصحوة"، درسوا المناهج الجديدة وعاشوا زمن الانفتاح، حيث حلقات التحفيظ والمراكز الصيفية، لم يعد لها ذلك التأثير، لقد تغير الكثير في المجتمع، بل وتغير كما أردنا له، مع هذا بقي التطرف! فأين الخلل؟.

 

إننا حين غيرنا المناهج لم نغيرها لتصحيح مفاهيم كالجهاد والولاء والبراء، إنما لحجب هذه المفاهيم عن الطالب، حين بدأنا بمراجعة التراث لم نراجعه للترغيب فيه إنما للتنفير منه، ظننا الخلل ها هنا، فوضعنا أيادينا على أعيننا كي لا نرى!، ثم رأينا العلاج في الانفتاح، ففتحنا له الباب قبل أن ننمي وعي الشاب، وقبل أن نحثه على المعرفة.

 

في المحصلة، يمكن القول إننا أخذنا نبحث عن مسكنات موضعية لا عن علاج، أخذنا نضع أغلب اللوم على المناهج وحلقات التحفيظ، متجاهلين حالة التيه التي تداهم من كل اتجاه، لقد انصب تركيزنا على الانفتاح لحاجة في أنفسنا لا للقضاء على التطرف.

 

إن الخلل من وجهة نظري، أن كثيرا من الشباب يشعر أنه بلا هوية، وليس الحديث هنا عن هوية الجنسية أو الدين والمذهب، إنما عن غياب الهدف والغاية والقيمة من حياة الشاب، إن الذين يبايعون "البغدادي" لا يبايعونه حبا فيه، ولكن لاكتساب هوية لهم، وحال هؤلاء الدواعش لا يختلف كثيرا عن حال من يلحد أو عن حال هذا الشباب المايع الذي يتبنى ثقافة الغرب على علاتها، إن الدافع الرئيسي هنا هو الرغبة في اكتساب هوية، أي هوية والسلام.

 

إن الهوية ليست "علاقة مفاتيح" حتى تضيع في غفلة، إنها مفهوم يجعل الإنسان يستشعر أن له معنى، والإنسان لا يفقد معناه إلا إذا شعر أنه بلا قيمة، وقيمة الإنسان تتحدد بفاعليته في المجتمع، والفاعلية أن يكون له دور في البناء، والإسهام في البناء يجبر الإنسان أن يرسم لنفسه أهدافا وغايات تستحق أن يعيش لأجلها، والبناء مفهوم أكبر من مجرد توظيف، إنها مشاركة في صنع القرار والتأثير في الثقافة والاقتصاد ورسم الخطط المستقبلية... إلخ، دون هذا التأثير فلا فرق بين العاطل والموظف. بلا دور في البناء ستضيع الهوية، بل إن من لا ينشغل بالبناء سيشغل المجتمع بالهدم.

 

إن معظم المنتمين لـ"داعش" شباب أحداث، يملأهم الإحساس باليأس والإحباط والغضب، وشعور بالشتات، إضافة إلى الرغبة الصادقة في تحقيق هدف ما، وهذه صفات لا تجتمع إلا فيمن يعاني فقدا للهوية، وجريرة فقد الهوية لا يتحملها الفاقد إنما من أفقده، وهذه جريرتنا نحن، إذ كان المفترض بنا لنعيد له ما فقد أن نجعله يطمئن، ألا ينشغل بحمل هَمّ الوظيفة بينما هو في مقاعد الدراسة لعلمه أنها مسألة تحتاج للواسطة والمحسوبية أكثر من النتيجة، ألا يحمل هَمّ تملك السكن والأرض لعلمه حتى قبل أن يتوظف أن هذه الحاجات الضرورية ليست في متناول اليد، أن يطمئن تعني أن يعلم بأن له رأيا سيسمع وجهدا سيقدر وأفكارا قادرة على إحداث التغيير، أن يطمئن تعني ألا يخاف على مستقبله أو حقوقه أو أحلامه أن تدروها الرياح.

 

باختصار، إن الخلل في الفساد، الفساد يُحطِم أحلام الشباب، يُفقدهم هويتهم، وطالما الفساد مستمر فلن تنفع حلقة تحفيظ ولا دار سينما، لا صحوة ولا غفوة. الفساد قادر على ملء عقول الشباب بالعلل النفسية المتفاوتة، وحينها فقط نكون قد قدمنا للتطرف فرائس سهلة، لكن يبدو لصعوبة غربلة كل شيء أخذنا نتقاتل حول حلقات التحفيظ والمناهج ودور السينما والمسارح، إن عملية تراشق الأطراف هنا ليست بحثا عن علاج، إنها تصفية حسابات، وما أسعد كل طرف بالتطرف طالما سيحقق له نصرا بلا مكتسبات.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/07/08