آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

تقرير «شيلكوت» لن يعيد الضحايا للحياة


قاسم حسين ..

لم يأتِ تقرير «شيلكوت» الخاص بالتدخل العسكري البريطاني في العراق، بجديدٍ لا يعرفه الرأي العام البريطاني أو العربي، فوقائع الغزو الأميركي ومبرراته الواهية مازالت حاضرة في أذهاننا.

التقرير الذي نشرت نتائجه الأربعاء الماضي، اعترف بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير «بالغ في الحجج التي ساقها للتّحرّك العسكري»؛ وأن بريطانيا «لم تستنفد كافّة الحلول السلمية قبل الانخراط في غزو العراق». وكشف شيلكوت أنّ «بلير كتب إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واعداً إيّاه بالوقوف معه مهما حصل»، وحتى في هذه لم يأتِ شيلكوت بجديد، فقد كان ذلك موقف بلير المعروف جيداً، لمن كان يتابع الأخبار.

كان غزو العراق جزءاً من مشروع امبراطوري كبير، كان يحلم به «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة، ليكون القرن الحادي والعشرون قرناً أميركياً بامتياز. وكان خلاصة دراساتٍ وأبحاثٍ لسنوات طويلة، شارك فيها كبار المفكرين الأميركيين. وكانت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول حافزاً لانطلاق المشروع، الذي لم يكن يبحث عن حججٍ ومبرراتٍ، ولذلك حين واجه الأميركيون معارضةً من قبل أقرب حلفائهم، ألمانيا وفرنسا، وتعذّر عليهم استصدار قرار من مجلس الأمن بسبب معارضة روسيا والصين، اتخذ بوش قراره منفرداً، ولم يقف معه إلا صديقه المخلص بلير، ورئيس الوزراء الإسباني اليميني خوسيه أثنار.

لم نكن بحاجةٍ إلى مرور 13 عاماً، لتأتي لجنةٌ بريطانيةٌ، لتعكف على دراسة الوقائع، ولتخرج لنا بهذه الاستنتاجات الخجولة، والمعروفة سلفاً لدى المتابعين. فالوقائع مازالت واضحةً في الذاكرة، ففي الشهر الأول من صدور «الوسط»، (العدد 20)، كتبت أول مقالٍ سياسي لي في هذه الصفحة، تناول هذه العلاقة المشبوهة بين الرجلين، بوش وبلير، بعنوان «دون كيشوت وصل إلى البيت الأبيض»، في إشارة إلى الرواية الشهيرة للإسباني سيرفانتس، والتي تبدأ بخروج «دون كيشوت» في رحلة مغامراته بصحبة خادمه وحامل سلاحه «سانشا بانشا». وأنقل الفقرة الثانية من المقال، لأنها تعكس أجواء تلك الفترة وقناعاتنا بدقة: «هذه الصورة الساخرة التي تنضح بها الرواية الخالدة كثيراً ما ترد على خيال المرء الذي يراقب ويتأمل ما يجري في عالم اليوم، من اندفاعة السياسة الأميركية الهوجاء التي تريد اكتساح ما يعترض طريقها، حسب منطق يفتقر إلى العقلانية والرشد: (إما معي وإما ضدي). وكثيراً ما تذكّرني صور الرئيس الأميركي على شاشة التلفاز بدون كيشوت، ويذكّرني طوني بلير بتابعه سانشا».

إذاً، كانت الصورة واضحةً لدينا في هذه البقعة من العالم، فالأميركيون والبريطانيون لم يأتوا بمشروعٍ لتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، والمحافظون الجدد كانوا يتكلّمون بوضوح عن السيطرة على العراق لوضع أيديهم على نفطه، وإقامة خمسين قاعدة عسكرية على أراضيه، ليبقى مكبلاً لمدة نصف قرن على الأقل. كان طريقهم واضحاً، ولم يستشيروا أحداً أو يأخذوا إذناً من أحد، لا من حلفائهم ولا من الدول العربية ولا من المعارضة العراقية... فكل هؤلاء كانوا في موقع من «أَخَذَ علماً» فقط.

هذا المشروع الكارثي، بدأ بغزو أفغانستان ولكن كانت عيونهم على العراق، واستمر يتفاعل ويرمي بشرره على دول الجوار، فشهدنا حرب تموز في لبنان 2006، وحروب غزة الثلاث، وما تلاها من تدخلاتٍ واستغلالٍ لثورات الربيع العربي، لتدمير دول معروفة للجميع.

اليوم، يتفضل شيلكوت بتقديم هذه المعلومات الزائدة عن الحاجة، التي لن تعيد شخصاً واحداً من ملايين الضحايا الذين تساقطوا في هذه الحروب القذرة. والمفارقة أن بلير يصر بصلافةٍ على التمسك بموقفه في شنّ الحرب، ولو وُجد نظام عدالة عالمي، لقُدّم مثل هذا الشخص وسيّده بوش إلى المحاكمة كمجرم حرب.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد