آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ياسر الغسلان
عن الكاتب :
اعلامي، كاتب سعودي بجريدة الوطن

ضميرك أيها النرجسي


ياسر الغسلان ..

ما هو السبب الذي يجعل العالم اليوم يعيش حالة من عدم الاستقرار والتصارع المنفلت؟ وهل حقا هو صراع الحضارات والمبادئ والمصالح، أم هو الإنسان ونفسه الأمارة بالسيطرة والجاه والقوة؟ أم أن السبب يعود لعوامل أبعد من خلافات فكرية ومصالح مادية ورغبات نفسية؟

في الأربعينات الميلادية وأثناء صياغة مسودة ما يعرف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان دار حوار مطول حول تعريف "الضمير"، والكيفية التي يمكن أن تصاغ بشكل أممي لا يميل نحو تفسير مبني على الدين والثقافة الإقليمية، وقد تمكن الدبلوماسي الصيني (دي بي سي تشانج) من إقناع اللجنة المخصصة لوضع المسودة بتبني الفكرة الكونفوشيوسية حول الضمير والتي اصطدمت بعد ذلك مع المعاني الناتجة عن ترجمة 375 لغة و"التي تتفرع فيها تفسيرات محلية وتقليدية مختلفة للالتزامات الأخلاقية في طرق ثقافية مختلفة عن النموذج الأوروبي"، وفق ما ذكره (بول ستورم) في كتابه "الضمير.. مقدمة قصيرة جدا".

والحديث عن الضمير هنا ناتج عن كون جميع الأديان والمذاهب والرؤى الفكرية التي تتعامل مع الشأن السياسي أو الثقافي تنطلق من مرجعية الصواب والخطأ، أو بمعنى آخر أي من تلك المفاهيم والأفكار صائبة لكي تكون مرجعية للإنسان وكيف يمكن أن تغلب في قراراتها تأنيب الضمير بتجنب الخطأ.

يعيش العالم اليوم مشكلة أخلاقية في النظر لمكونات ذاته، فمثلا الجرائم التي يرتكبها "داعش" تستند وفق تفسير الداعشي للدين عن تبريرات قادرة على إقناع البعض، رغم أنها قد تتناقض مع من يؤمن بذات المرجعية، كما تتناقض مع ضمير الإنسان المتجرد عن تفسيرات الإنسان المحايد لمعنى النص، فهل يمكن أن نقول إن الضمير بإمكانه أن يكون منقادا ومنسلخا عن فطرته الإنسانية؟!

كما أن النازيين استطاعوا أن يطوعوا الضمير بحيث لم يكن ما قاموا به من فضائع مرفوضا من قبل العامة، وجرائم أبوغريب كانت مثالا لكيف يمكن الاحتفال بالجرم دون أن يكون الضمير رادعا ومؤنبا، واليوم ونحن نشهد الانتهاكات على شاشات الإعلام بشكل مستمر لا بد أن نسأل أنفسنا كيف يتجاوب ضميرنا مع تلك المشاهد، وأخص هؤلاء الذين يروجون لكل قبح إنساني عبر وسائل التواصل؟ هل أنت تقنع نفسك بأنك تكشف الجرائم أم أن ضميرك يجد شيئا من المتعة في الترويج للقبح؟
ليست عالمية الضمير ما سيجد حلا لمعضلات الإنسان، بل إنعاش الضمير الفردي من سبات نرجسيته.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/08/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد