التقارير

تقرير خاص: #الرياض _واشنطن: العلاقة المترنحة.. من الابتزاز إلى المقاضاة!!

 

فعلها مجلس النواب الأمريكي وصادق على مشروع قانون "العدالة بحق رعاة الإرهاب" الذي يسمح لذوي ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة حكومات البلدان التي قدمت دعما لها، ما يفتح الباب أمام إمكانية مقاضاة الحكومة السعودية عن دعم "مفترض" قُدم للإرهابيين الذين نفذوا هذه الاعتداءات في العام 2001.

 

ونظرا لأن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر هذا القانون في مايو/أيار الماضي، فإن إقرار مجلس النواب اليوم للقانون قد يثير مواجهة محتملة مع البيت الأبيض الذي هدد باستخدام النقض الرئاسي (الفيتو) ضد القانون إذا مرّ في المجلسين، فالإدارة الأمريكية لا تريد تكريس مقاضاة الحكومات أمام المحاكم الوطنية لعدة أسباب منها: الحفاظ على حد أدنى من العلاقات مع بعض الدول وعدم جعل الباب مشرعا لمقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية كما هو الحال مع المملكة السعودية، بالإضافة إلى أن تكريس إمكانية محاكمة الحكومات أمام القضاء المحلي سيفتح المجال أمام مقاضاة الإدارات الأمريكية المتعاقبة أمام المحاكم في الكثير من الدول ما يعني إمكانية ملاحقة عدد كبير من المسؤولين الامريكيين.

 

"11 سبتمبر".. يلاحق المملكة!!

وفيما تنفي الرياض المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وتعترض بشدة على القانون الأمريكي فإن غالبية منفذي الاعتداءات هم من السعوديين، وحول ذلك نشرت الإدارة الأمريكية في شهر يوليو/تموز الماضي تقريرا حول أحداث "11 سبتمبر" كشف أن "عددا من المسؤولين السعوديين السابقين تورطوا في التخطيط للهجمات وتمويلها وقدموا الدعم للقيام بهذه الاعتداءات"، ولفت التقرير الأمريكي إلى أن "بعض المختطفين المشاركين في هجمات 11 سبتمبر كانوا خلال تواجدهم في الولايات المتحدة على صلة بأشخاص ربما مرتبطين بالحكومة السعودية وحصلوا على دعمهم أو مساعدتهم"، كل ذلك يفتح الابواب للاجتهاد بإمكانية اتهام جهات سعودية رسمية أو غير رسمية.

 

وفي هذا السياق، أكد رئيس السلطة القضائية بمجلس النواب الأمريكي بوب كودلات أنه "لا يمكن لنا أن نسمح لمن قتل وجرح المواطنين الأمريكيين بالاختباء وراء ثغرات قانونية وبالتالي عدم تحقيق العدالة لضحايا الإرهاب"، وذلك في إشارة إلى أن القانون الدولي لا يجيز ملاحقة الدول أمام محاكم دولة أجنبية.

 

بدوره، أشار النائب سين شوك شولر إلى أنه "دائما ما تأتي اعتبارات ديبلوماسية في طريق العدالة"، وشدد على أنه "إذا ما أكدت محكمة ما أن السعوديين كانوا وراء أحداث 11 سبتمبر فينبغي محاسبتهم على ذلك وإذا لم يقوموا بذلك، فلا شيء يستدعي القلق".

 

القانون الأمريكي.. والتبعات السياسية

هذا الكلام يفتح الباب أمام التداعيات السياسية للقانون ويترك المجال مباحا أمام الابتزاز الأمريكي للمملكة السعودية، فورقة التهديد موجودة ويبقى الأمر منوطا  بمدى الحاجة لاستخدامها لتكون سيفا مسلطا بشكل أو بآخر على المملكة والمسؤولين فيها، لذلك فالمملكة هددت بسحب احتياطات مالية واستثمارات في الولايات المتحدة في حال تمَّ إقرار هذا القانون، بحيث يبدو أن المملكة استبقت منذ فترة هذا الأمر لعلمها ربما بالأساليب الأمريكية في "المتاجرة" بكل شيء لتحقيق مصالحها، فهل ستقدم اليوم المملكة على تنفيذ تهديداتها أم أنها ستتريث لمعرفة طريقة تصرف البيت الأبيض؟

 

والقانون الأمريكي يسمح للناجين من اعتداءات "11 سبتمبر" وأقارب الضحايا بالمطالبة بتعويضات من دول أخرى، في مقدمتها المملكة السعودية التي ستخضع: إما للضغط المالي عبر إلزامها بدفع تعويضات خيالية، وإما للضغط بمحاكمة مسؤولين عن تصرفات يتحملون تبعاتها، فالسير بالقانون سيتيح المضي قدما في دعاوى سبق أن أقيمت بمحكمة اتحادية في ولاية نيويورك، حيث يسعى محامون لإثبات أن "السعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في واشنطن حيث شارك في هجمات 11 سبتمبر 19 شخصا من بينهم 15 مواطنا سعوديا".

 

وإقرار القانون الأمريكي يطرح العلاقة الإمريكية السعودية من جديد على بساط البحث، ففي حين اعتبر البعض أن العلاقة عصية على الاهتزازات وأن التهديد الأمريكي بمسألة أحداث "11 سبتمبر" هي مجرد قضية سياسة لإعادة تطويع المملكة وعدم تركها "تجتهد" في كثير من قضايا المنطقة والعالم، إلا أن صدور القانون طرح مسألة التداعيات الجدية على مستقبل العلاقة بين البلدين، فهل ستقبل القيادة السعودية باحتمال محاكمة مسؤولين حاليين أو سابقين أمام محاكم دولة أخرى وبالأخص أمام محاكم دولة اعتبرت تاريخيا حليف استراتيجي أقله من المنظور السعودي؟ خاصة أن المملكة قدمت الكثير للإدارات الأمريكية فهل ستكون نهاية كل هذه التقديمات هي عقوبات تفرض على الدولة أو المسؤولين في المملكة؟

 

الخدمات السعودية.. ورد "الجميل" أمريكيا

وفي هذا الإطار، لا بدَّ من التذكير بكلام سابق نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية لرئيس "الاستخبارات السعودية" الأسبق تركي الفيصل الذي اعترف أن المملكة قدمت "خدمات كبرى" للإدارة الأمريكية على مدى 80 عاما، وأسف بحسرة لنسيان واشنطن كل تلك الخدمات.

 

وأكد الفيصل أن "العائلة الحاكمة في المملكة سخّرت ثرواتها الطائلة في دعم الميزانية الأمريكية"، وأضاف "نحن من يشتري السندات الحكومية الأمريكية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك ونبعث آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك بتكلفة عالية ونستضيف 30 ألف أمريكي بأجور مرتفعة عن ذويهم من الجنسيات الأخرى".

 

ورغم كل ذلك، فقد نشرت وكالة "رويترز" تقريرا أمريكيا أكّد أن الإدارة الأمريكية عرضت على المملكة السعودية أسلحة وغيرها من العتاد العسكري والتدريب بقيمة تزيد عن 115 مليار دولار، في أكبر عرض تقدمه أي إدارة أمريكية على مدى 71 عاما من العلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن، ما يفتح الباب على طريقة التعاطي الأمريكية الغريبة مع المملكة، فمن جهة تضغط علينا واشنطن من باب أحداث "11 سبتمبر" وتهددنا بالمقاضاة والمحاكمة، ومن جهة ثانية تعمل على بيعنا السلاح والاستفادة من المال السعودي، فماذا يعني كل هذا؟ ولماذا تقبل وتسمح المملكة بهذا التعاطي الأمريكي معها؟

أضيف بتاريخ :2016/09/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد