آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

لماذا لم يكتب الشيعة ملحمةً كالشرقاوي؟


قاسم حسين ..

في مقدمته لملحمته الشعرية «الحسين ثائراً.. الحسين شهيداً»، يقدّم الشاعر المصري الكبير عبدالرحمن الشرقاوي (رحمه الله)، الإهداء... «إلى ذكرى أمي، التي علّمتني منذ طفولتي، أن أحبّ الحسين ذلك الحب الحزين، الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

ويضيف «لقد حاولت من خلالها أن أقدّم لقارئ عصرنا ولمُشاهِدِ المسرح فيه أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله، من دون أن أتورط في تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله، التي لا أملك أن أقطع فيها بيقين».

تقرأ هذه المسرحية الشعرية أكثر من مرةٍ فتلهمك، حيث يتخيّر في الجزء الأول مشاهد موزّعة على 13 فصلاً، تبدأ بطريق في المدينة، تلتقي عنده عدة طرق، وتشرف عليه الدُّور، من بعيد يبدو الحرم النبوي، والليل يفيض بالسكينة، وفجأةً ترتفع النداءات بوفاة حاكم ومجيء آخر... «إنها بيعة إكراه وخوف وطمع».

وهكذا تتوالى المشاهد، من قصر الوليد بن عتبة وشارع ضيق مظلم يخرج فيه الحسين يحمل جوالات يضعها على أبواب الأيتام والأرامل، ويجلس ليستريح؛ ثم وقوفه أمام قبر جده (ص) يخاطبه بعد صلاة الفجر: «يا رسول الله قد جئت إليك... فأعنه يا رسول الله فالحمل ثقيل». ثم ينتقل إلى مسلم بن عقيل في ساحة بيت المختار الثقفي بالكوفة، حيث يدور حوار عن عليٍّ الذي خذلوه: قد عرفنا بعده نار الندم. وبلونا بعده ذل الخضوع».

 ثم يعود إلى بيت الحسين بمكة، حيث نسمع حواراً عن المستقبل: «ليست العبرة في قتل الحسين. إنما العبرة في من قتلوه. ولماذا قتلوه». وبعدها إفلات بن مرجانة من القتل في دار هانئ بن عروة، وبداية وصول الحسين وفتيانه إلى مشارف العراق، وحدوث الانقلاب في الكوفة، ومحاصرتهم لمسلم: «إنه جندل منَّا نحو خمسين، فخفنا وانكشفنا»، فيرد القائد: وهو فرد واحد يحدث فيكم مقتلة؟ كيف بالله إذا جاء الحسين بن علي برجاله»؟ وفي الفصل الأخير، تتكلم زينب: فسد الزمان ولم يعد إلا الرجال الخائرون. أين الرجال الصامدون؟ ذهبوا وقد فسد الزمان ولم يعد في الأرض إلا بعض أشباه الرجال. سلطان دولتهم يزيد. سيروا على اسم الله لا تهنوا فنحن بنو أبيها. سيروا بنا نستخلص الإنسان من عار العذاب».

هذه شذراتٌ من الملحمة، وهي من أجمل وأندر ما كُتب شعراً عن كربلاء، بعمق وروح إنسانية شفيفة. والسؤال: لماذا لم يكتب «الشيعة» الذين يحيون قصة الحسين كل عام، ملحمةً شعريةً حديثة في مثل هذه الأبَّهة والجمال؟ ولماذا توقف إنتاجهم في الخليج مثلاً، عند ملحمة الشيخ الدمستاني قبل 3 قرون، وظلّوا يكرّرونها في مآتمهم ومواكب عزائهم دون أن يأتي دمستانيٌّ آخر بملحمة تحمل نفحات عصر جديد؟

لماذا أجمل إنتاج شعري ونثري عن علي والحسين (ع) يكتبه غير الشيعة، سواءً كانوا من إخوتهم المسلمين السنّة أو من المسيحيين؟ لماذا ظلّ «نهج البلاغة» كنزاً دفيناً مهملاً في حوزاتهم ليأتي نوابغ لبنان، مثل جورج جرداق وبولس سلامة، ليستخرجا لآلئَه، فيكتبان «صوت العدالة الإنسانية» و»ملحمة الغدير»؟ وحين تنظم مسابقة أدبية في عاصمتهم المقدّسة (كربلاء)، عن سيرة الإمام الحسين، يفوز بها الكاتب المسيحي سليمان كتاني صاحب «في حلة البرفير». وحين كتب «الإمام علي نبراس ومتراس»، قال رئيس جماعة العلماء في النجف الأشرف الشيخ مرتضى آل ياسين: «لعل الكتاب بأسلوبه البلاغي أول كتاب في موضوعه جاء منسجماً مع شخصية لها مثل نهج البلاغة».

هؤلاء يأتون إلى الكنز فيرونه على حقيقته، فيخطف بنوره الأبصار، لا تحجب عنهم رؤيتَه التقاليدُ ولا العاداتُ المحليةُ ولا الخيالاتُ ولا التصوّراتُ المشوهةُ التي أنتجها الشعر العامي الهزيل. هؤلاء يرون عليّاً والحسين على حقيقتهما، فرساناً نبلاء، وأبطالاً خارقين، وشهداء لم يلد الدهر أمثالهم. بينما نحن دفناهم تحت طبقاتٍ عميقةٍ من التهويلات والتأويلات والروايات المشوهات، وقزّمناهم حتى جعلناهم في خيالاتنا، نماذج مصغّرة من شخصياتنا ونفوسنا وثقافتنا، فأصبح أغلب شعرنا يصوّرهم بكائين خاضعين، يلطمون الصدور ويدعون بالويل والثبور، بينما كانوا جبالاً في المواقف التي تتزلزل فيها أبطالُ الرجال.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/10/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد