آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي جواد الأمين
عن الكاتب :
صحفي لبناني

«الخمس».. وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء في السعودية

 

الكاتب: علي جواد الأمين

"الأرض لا تأكل ولا تشرب ومع ذلك تكبر وتمنو أسعارها". وفق هذه القاعدة، يعمد ملاك الأراضي البيضاء في المملكة السعودية على احتكارها. المشكلة التي تشغل_منذ سنوات_ المواطن السعودي قبل القطاع العقاري بشقيه الحكومي والخاص، لا تزال رهن الحسابات والمحسبويات، في ظل اكتظاظ خانق تعيشه المدن الرئيسية بالسكان والتي تحيطها ما بين 40 و50 في المائة من نسبة الأراضي البيضاء في المملكة، يسيطر على هذه الأراضي أمراء وأصحاب رؤوس أموال وشركات مستفيدين في كل يوم يمر من  تباطؤ الجهات الحكومية في التحرك ضد احتكارها في المناطق الكثيفة بالسكان.

 

نسبة الأراضي البيضاء كبيرة جداً في مملكة آل سعود. أراضي تكفي السوق وأكثر، ولولا احتكارها من قبل "حيتان الأرض"، لكانت الأسعار منخفضة لأكثر من النصف حسبما يقول محللون وأكادميون اقتصاديون سعوديون، ولعاد العقار إلى حجمه الطبيعي، لكن الواقع، أن أغلب تلك الاراضي المحتكره هي ملك لشركات سعودية واجنبية تحت بند اسثمارات اخرى في ميزانياتها. السعودية هي الدولة الوحيدة التي تستثمر فيها شركات صناعية بعيدة كل البعد عن مجال العقار في احتكار الاراضي، كونها عملية مربحة من خلال الاحتكار واكتناز الأرض بحبسها عن العرض في السوق بغرض رفع أسعار الأرض القليلة المعروضة للبيع أضعاف أضعاف أسعارها في السوق الحر.

 

بعد سنوات من هذه المشكلة_ قرر مجلس الوزراء السعودي_ بتوصية من مجلس الشؤون الاقتصادية_ فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، على أن تكون عملية فرض الرسوم_ وفقاً للقرار_ مرتبطة بمساحات الأراضي والنطاقات، وقد تصل الرسوم على المساحات من 1000 إلى 2000 متر، إلى نحو 10 ريالات، فيما ترتفع إلى 90 ريالاً في المساحات التي تصل إلى 4000 متر.

 

قانون الرسوم هذا وفقاً لمراقبين، لن يقلل من ارتفاع أسعار الأراضي إلاّ بنسبة محدودة، لأن معظم الأراضي المتوفرة داخل النطاق العمراني في الأماكن المرغوبة مساحاتها المتوسطة 600 متر، ويبلغ سعر المتر في هذه المواقع بين الألف ريال ويصل إلى 6 الاف ريال. وبالطبع عشرة ريال على المتر البالغ سعرة 6000 ريال يعد مبلغ زهيد حسبما يقول أحد المعلقين على قانون الرسوم الجديد. أمام ذلك، طالب مغردون سعوديون على "تويتر" تحت وسم " #رسوم_الأراضي_البيضاء" برفع هذه الرسوم أضعافاً لأن محتكري الأراضي معظمهم من التجار و"ما تفرق معهم عشرة ريال" أو أن يتم مضاعفة المبلغ كل سنة.

 

مجلس الوزراء السعودي قرر إحالة مشروع الترتيبات التنظيمية لفرض الرسوم على هذه الأراضي إلى مجلس الشورى لدراسته، على أن ينتهي من ذلك خلال 30 يوما، أي بعد حوالي أسبوع من اليوم. وزير الإسكان السعودي ماجد الحقيل أكد قبل أيام أن أزمة الإسكان ليست بسبب الموارد أو الأراضي بل هي مشكلة فكر، ويبدو أنّ الوزير أشار إلى "بيت القصيد" رغم آلاف التغريدات التي انهالت في "تويتر" هجوماً عليه. اعترف الرجل أنّ الحل ليس كما يعتقد المواطنون ببيت أو مسكن أو أرض فقط.

 

نعم هي مشكلة فكر إقتصادي مبني على "شريعة" لا تخدم غير الأمراء والشركات وملّاك الأراضي الكبار، وهي شريعةٌ تتناقض تماماً_في هذا الصدد_ مع  النظام الإقتصادي وفق شريعة الإسلام التي تدّعي السعودية تطبيقها. وهنا لا بد لنا أنّ نشير إلى أن شريعة الإسلام فرضت الزكاة، وهو ثالث أركان الإسلام الخمسة باجماع مذاهب المسلمين الذين يتفقون على مشروعيتها، إلاّ أنهم يختلفون في كيفيتة أحكامها التفصيلية، أمام ذلك، رُفعت توصية إلى الملك الراحل عبدالله في العام 2012، ضمن إطار نظام "تطوير الزكاة" الجديد، تدعو إلى فرض ضريبة بنسبة تحصيل تقدر بـ 15% إلى 20% على الأراضي البيضاء غير المطور، وأشار حينها عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور مجدي حريري إلى أنه في حال إقرار التوصية سيكون المالك بين خيارين، إما أن يؤدي الضريبة التي ستذهب في شكل زكاة إلى المحتاجين، وإما أن يطور الأرض وينميها.

 

يتشابه هذا التطوير لـ"الزكاة"، مع مبدأ الخمس الذي يشكل أحد الأحكام المهمة التي يختلف عليها المذاهب الإسلامية، وله أحكام تفصيلية، لكن مبدئه يقوم على دفع خُمس المال (20%) الذي يمر على إمتلاكه سنة، دون استخدامه أو الإستفادة منه، مهما كان مورده_وفق شروط معينة_ لسنا بصددها. إلّا أنه يفرض على الغنائم والاموال التي تزيد عن مؤنة الشخص وعائلته، والمعدن والركاز (أي المال المدفون تحت الارض)، وما يخرج من البحر بالغوص (مثل اللؤلؤ والمرجان وغيره)، والمال الحرام، وشراء "الذمي" للأرض، والذمي: هو الغير مسلم، والذي بينه وبين المسلمين ذمة، أي: عهد على أن يقيم في بلاد المسلمين معصوماً مع بذل "الجزية"، وقد تخضع الشركات الأجنبية لهذا الأخير، ويتفق الفقهاء على أنّ يُصرف على مصالح المسلمين بشكل عام.

 

المذهب الجعفري (الشيعة) انفردوا عن باقي المذاهب الإسلامية، بالقول بوجوب أخذ الخمس من مورد الأموال التي تزيد عن مؤنة الشخص وعائلته مهما كان مبلغها، وذهب بعض علماء الشيعة_في هذا الإطار_ إلى وجوب الخمس على الأرض، كان أشهرهم زعيم الحوزة العلمية النجفية، المرجع الراحل السيد أبي القاسم الخوئي (رحمه الله)، الذي اشترط الخمس في الأرض، في حال اشتريت بأموال مخمّسة أو غير مخمّسة، وفي كلا الحالتين، وجب على الإنسان تخميس الأرض التي يملكها، وفقا للسيد الخوئي، اذا مضى عام على تركها دون استخدام، حتّى لو اشتريت بأموال مخمسة، حيث يجب تخميسها فقط في حال ازدادت قيمتها، وذلك يكون بالنسبة_ وفقاً للقيمة الفائضة_ وفي ذلك تفصيل كثير، لسنا في وارد طرحه أيضاً.

 

رفع الرسوم على المحتكرين، كما يطالب النشطاء في المملكة، سيؤدي في حال فُرض، إلى خفض سعر المتر لامحال، كما أنّ  إضافة الرسوم سنويا الى أسعارها سيقضي على البقية الباقية من الطلب، فتبور الأرض التي معظمها لا تدر دخلاً (لأنها بيضاء). وحينها سيضطر مالكها، اذا خضع لهذا القانون الإسلامي، الى أن يدفع الرسوم العالية من مصادر دخله الأخرى سنة بعد سنة، ما يحوّلها من "مخزن للثروة" الى "تآكل الثروة". وبذلك يصبح، الطريق الوحيد للتخلص من عبء الرسوم هو التخلص من الأرض بعرضها للبيع قبل ان يحول عليها الحول.

 

الحكومة السعودية ذهبت إلى فرض الرسوم وإعفاها بناءً على "مساحة الأرض"، حيث وضعت وزارة الإسكان ثلاثة شروط لإعفاء المواطنين الذين يملكون أراضي تزيد مساحتها على عشرة آلاف متر من فرض الرسوم عليها، وهي ألا يملك المواطن مسكنا، وألا تزيد ملكيته على أرض واحدة. إلا أنّ ذلك لم يكن صائباً في حدّ الإحتكار حيث قام أصحاب العقارات المختلفة بـ"إجراءات استباقية" للتحايل على نظام فرض الضرائب على الأراضي البيضاء. وتوافد العقاريين على المحاكم بهدف تجزئة الأراضي التي يملكونها واستخراج صكوك لها بأسماء مختلفة من نفس العائلة، بهدف الهروب من دفع الرسوم والتحايل على النظام قبل إقراره. لكن ذلك في حال تطبيق الخمس وفقاً السيد الخوئي لا يمكن أن يحصل، نظراً للإختلاف في مبدء  فرض الخمس ومبدء فرض الرسوم، فالخمس واجب على الجميع ولا يتعلق بمساحة الأرض، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، ويُبطل ذلك أي "إجراءات استباقية" للتحايل على الخمس، ويبقى فرضاً على كل من لديه دخل ومورد اقتصادي ينتج عنده فائض عن مؤنة عام.

 

نظراً للإخفاقات التي لازمت قانون فرض الرسوم الذي طرحته الحكومة السعودية، اقترحت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض قبل أيام، نظاماً، تدعو إلى تطبيقه بديلا لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، على اعتبار أن مصطلح رسوم غير مناسب على الإطلاق في الوضع القائم للقطاع العقاري، وأنه من الافضل تطبيق "نظام مكافحة الاحتفاظ بالأراضي البيضاء"، بدلا من فرض رسوم. الدراسة قارنت بين مفهومي الزكاة والرسوم، إذ إن مصطلح رسوم معناه أن يكون هناك خدمة مقدمة يأتي في مقابلها دفع الرسوم، في حين ليس هناك أي خدمات تقدم على الأراضي البيضاء، بل هنالك مخالفة ما، تم ارتكابها باحتكار الأراضي البيضاء دون الاستفادة منها أو عرضها للبيع، واقترحت غرفة الرياض أن تستخدم في هذا المقام كلمة "غرامة" أو "جزاء"، لافتة إلى مشروعية فرضها من المسؤول أو من ينيب في مقامه؛ مستدركة بالقول: لكن هذا الأمر من حيث الطبيعة والشرع والنظام يقتضي وجود نظام مسبق يحكم مخالفة الاحتفاظ بالأراضي. لكن ما هو هذا الإجراء غير "الخمس"؟

 

قد يظن البعض أنّ تطبيق نظام فرض الخمس على الأراضي قد يدفع المستثمرون العقاريون إلى الاستثمار في الفلل والعمارات الجاهزة ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه الوحدات وإيجاراتها، وبذلك تزيد معدلات التضخم، لكن ذلك ليس وارداً بالواقع، لأنّ الخمس يُفرض أيضاً على العقار سواء كان بناءً أم أرض لا يستفيد منه مالكها. في المقابل، فإن فرض الرسوم سيعمل على انخفاض الاستثمارات العقارية وذلك لانخفاض هامش الربحية وضعف القوة الشرائية عند ارتفاع الأسعار نتيجة لتحميل الرسوم على المواطن، كما أنه سيؤدي إلى خلق بيئة طاردة للاستثمار في القطاع العقاري وذلك لأسباب عدة تتمثل في انخفاض هامش الربحية، ارتفاع أسعار الأراضي وأثره على المواطن، وارتفاع أسعار الأراضي وانعكاسه على الإيجارات.

 

إنتقادات كثيرة طالت قانون فرض الرسوم قبل إقراره وبعده، ناصر الطولة الذي يمتلك شركة متخصصة في العقار في حديث لصحيفة الشرق الأوسط السعودية في تموز الماضي، (أي قبل قرار الحكومة السعودية فرض الرسوم)، قال أنّ تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء قد يعجل بحل المشكلة، لكنه شدد على فرض نسب كبيرة على المحتكرين الذين تقع أراضيهم داخل العمق العمراني، وهنا يحقق مبدأ الخمس هذا المطلب، حيث أنه يشكل نسبة 20% من "المال". فيما يرى ريان العنزي الذي يدير عدداً من المشروعات العقارية السكنية في حديث للصحيفة نفسها أنّه لو تمت الإستفادة من هذه المساحات لتمكنت الجهات المسؤولة من القضاء على أزمة السكن ووفرت مليارات الريالات التي تصرف على البنى التحتية ووفرت المنازل بأسعار أقل.

 

في نفس الإتجاه، تحدث سعود الشمري_المستشار العقاري لعدد من شركات التطوير_ أنّ المشكلة سبّبها المحتكرون الورثة ولا حرج على الملاك الذين يملكون بضع مئات من الأمتار، وأكد وجوب سن قوانين صارمة للحد من هذه المشكلة.

 

عبدالحميد العمري_ كاتب في صحيفة الإقتصادية وعضو في جمعية الإقتصاد السعودية_ ذهب إلى أن وزارة الإسكان وفق هذه الخطة التنفيذية لقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، تعطل تنفيذه أكثر من تطبيقه، وتتسبب في منع الوصول إلى الهدف الرئيس من إقراره، مطالباً في مجموعة مقالات كتبها في هذا الصدد تعميم الرسوم ومساواتها على جميع الاراضي بأي مساحة كانت وفي أي موقع كمدينة كبرى أو صغرى أو شبة مدينة أو هجرة أو قرية أو مركز حتى لو كانت مناطق نائية سواء فيها الخدمات كاملة أو ناقصة أو شبة معدومة.

 

يبدو أنّ الأخذ بنظام الزكاة، وتطبيق مبدأ الخمس لدى المذهب الجعفري، وبالتحديد فقه السيد الخوئي، يشكّل حلاً جذرياً لمشكلة الأراضي البيضاء في المملكة، كما انّه يشكل حلاً لأي نوع من الإحتكار أو الإكتناز أو التحايل على القانون، وهو يتلائم مع مجتمع إسلامي في المملكة، ما يشكل دافعاً فردياً إلى الإلتزام به مرضاةً لله. يحفظ هذا القانون حقوق الفقراء، وهو يحقق ما ترمي إليه الدراسة التي أعدتها الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، من زيادة كمية المنتجات العقارية المعروضة في السوق وبالتالي الوصول إلى أسعار في متناول الغالبية من المجتمع، سرعة تطوير الأراضي وتوصيل الخدمات من مياه وكهرباء وإنشاء الوحدات السكنية، الحد من الاحتفاظ بالأراضي البيضاء من قبل الملاك، تداول الأراضي بين عدد كبير من المواطنين دون الاحتكار من عدد قليل من الملاك، وزيادة المعروض من المنتجات العقارية قد يؤدي إلى انخفاض الإيجارات.

 

المقال لصالح صحيفة النور الجديد

أضيف بتاريخ :2015/11/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد