آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرام مكاوي
عن الكاتب :
حصلت على الدكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام في بريطانيا في تخصص هندسة الويب وتطبيقاته في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف عبر الإنترنت. حصلت على الماجستير في علوم الحاسبات وتخصص الأنظمة الموزعة والشبكات من جامعة هيرتفوردشاير، وتخرجت من قسم علوم الحاسبات بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في المملكة العربية السعودية. مستشارة غير متفرغة في مجال التعليم الإلكتروني وتقنيات التعليم مع شركة غلفس التعليمية (Gilfus Education Group) ومقرها واشنطن العاصمة الأمريكية. عملت سابقاً كمحللة نظم في قسم تقنية المعلومات بشركة شل النفطية في المملكة المتحدة ومقرها لندن. كاتبة في عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية.

الجامعات: هل تخرج لنا قياديات

 

مرام مكاوي ..

ما الذي يجعل الجامعة الأهلية تتمتع بهذا الهامش المثير للإعجاب من الحرية النسبية، في مقابل الهامش المثير للإحباط في الجامعات الحكومية؟

 

تحدثتُ قبل فترة مع خريجة سعودية قامت بعمل تطوعي مثير للإعجاب، حيث ساهمت مع زميلتها في افتتاح مركز للتعليم والتدريب للصغار والكبار، خاصة في مجال التقنية، داخل أحد أكثر الأحياء فقرا في مدينة جدة. وما زلت أتحين الفرصة المناسبة لأزور المركز بنفسي وأحكم عليه عن قرب. والحقيقة مما لفتني في محادثتنا الهاتفية القصيرة هو ثقتها بنفسها ونضجها، بحيث لم أشعر بأنني أتحدث مع شابة في الثالثة والعشرين، أي في عمر طالباتي في الجامعة تقريبا. حين سألتها عن الجامعة التي تخرجت فيها؟ كان الجواب من إحدى الجامعات الأهلية الشهيرة في مدينتنا. ولم يكن ذلك مستغربا، فقد اعتدنا في السنوات الأخيرة على مشاهدة الكثير من الأعمال الملهمة والمساهمات الإبداعية من خريجات الجامعات الخاصة في جدة، سواء على صعيد العمل الحر، أو الفنون، أو المبادرات التطوعية أو حتى الالتحاق بأفضل الشركات العالمية كموظفات، أو مواصلة الدراسات العليا في أفضل الجامعات الغربية. وهو أمر تطلب مني بعض الوقت لأتقبله وأعترف به -أنا خريجة المدارس والجامعات الحكومية- ولأغير نظرتي السابقة عن المدارس والجامعات الخاصة، باعتبارها مصانع للشهادات ونوادي لبنات الأثرياء. فما الذي يجعل هؤلاء الخريجات مختلفات عن خريجات جامعاتنا الحكومية؟

 

في البداية سأؤكد بأنني درست وأدرس الكثير من الطالبات الجيدات في جامعتي، ومن بينهن طالبات رائعات واستثنائيات، سواء على المستوى التعليمي أو الأخلاقي. ولكن لم أسمع عن واحدة منهن، أو من أي جامعة حكومية أخرى، قامت بمبادرة مجتمعية أو أنشأت عملها الخاص فور التخرج. ومرد ذلك برأيي، على الأقل في تخصص علوم الحاسبات ونظم وتقنية المعلومات الذي أُدّرسه وأتابعه، ليس نقصا في المهارات العلمية والمعرفية، فعدد من جامعاتنا الحكومية المميزة لديها اعتمادات دولية معتبرة وتصنيفات عالمية متقدمة، وإنما النقص يكمن في جانب الشخصية، وأخذ زمام المبادرة والشجاعة والإقدام. فجل طالباتنا في جامعاتنا الوطنية تنقصهن تلك الروح القيادية المتوثبة التواقة لتجربة الجديد دون خوف، وعلى خوض معترك الحياة العملية دون تردد ودون الخشية من الفشل أو نظرة الآخرين لهن.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كانت الطالبة السعودية هي نفسها الطالبة السعودية في الجامعة الحكومية أو الأهلية، بل بعضهن درسن معا في نفس المدرسة الثانوية، حكومية كانت أم خاصة، أي أن المدخلات لهذه الصروح التعليمية واحدة، فما الذي يجعل المخرجات مختلفة فيما يتعلق بتطور السلوك والشخصية والخصائص القيادية؟

 

برأيي أن الجواب يكمن في أمرين أساسيين: الثقة والحرية، وبعدهما يأتي مستوى الأنشطة اللا صفية. وإحقاقا للحق فإن ثمة تفاوتا كبيرا بين الجامعات في المدن والمناطق المختلفة بهذا الخصوص.

 

ما زالت الطالبة في جل الجامعة الحكومية تُعامل كقاصر، فهي مجبرة على إبراز بطاقتها وقت الدخول كل صباح للجامعة، وفتح عباءتها لتتمكن موظفة الأمن من التأكد من ملاءمة ما ترتديه للصرح التعليمي. وفي بعض الجامعات، لاسيما الناشئة منها، ما زالت الطالبة تُمنع من إحضار الهواتف الذكية، أو الحاسوب المحمول معها، وممنوعة من الانصراف في وقت مبكر، حتى لو انتهت محاضرتها، وبعضهن يفرض عليهن زي معين بلون معين وكأنهن طالبات في الثانوية.

 

ولا يقتصر الأمر على ماذا تلبس الطالبة أو ماذا تحضر معها من أجهزة إلكترونية، وإنما حتى على ما تمارسه من نشاطات داخل الجامعة، فأبسط نشاط رياضي أو ثقافي أو تقني أو تعليمي يحتاج إلى سلسلة من الموافقات التي تبدأ من القسم وتنتهي لدى إدارة الجامعة العليا، وهناك دائما ما يشبه التوجس من حصول أمر غير مناسب. ويمكن أن تُرفض بعض النشاطات دون سبب واضح أو منطقي، فقط بسبب الخوف من أن يسمع أحدٌ من خارج الجامعة بنشاط ما فيسيء الظن ويتقدم بشكوى، فبدلا من دعم الطالبات ومقابلة أي شكوى محتملة برد مقنع، فإن الأسهل على هذه الجامعات هو سد الباب الذي يأتي منه الريح!

 

باختصار كمية المحاذير والممنوعات التي توجد في الأقسام النسائية الجامعية بالجامعات السعودية الحكومية كبيرة جدا، وهو أمر يصيب عضو هيئة التدريس بالاختناق أحيانا، خاصة بعد تجربة الانفتاح في فترة الابتعاث، حيث الجامعة هناك جزء من المجتمع وليست مفصولة عنه بأسوار عالية، وليس ثمة أوقات دخول وخروج محددة منها. الجامعة هناك مكان لاكتساب المهارات القيادية والحياتية وبناء الشخصية وصقلها بالتوازي مع اكتساب العلوم والمعارف.

 

ما زلت أذكر دهشتي آنذاك حين انتقلت لدراسة الماجستير في بريطانيا فور تخرجي (2002-2003)، وكتبت وقتها مقالا نشرته العزيزة "الوطن" في صفحة "نقاشات": جامعات أم مدارس كبيرة؟ واليوم بعد خمسة عشر عاما، أعود لأكرر السؤال نفسه كعضو هيئة تدريس. فمجرد التفكير في استضافة شخصية نسائية ملهمة مثلا للحديث مع الطالبات، سواء في التخصص أو في القيادة أو ريادة الأعمال وغيرها، يحتاج سلسلة من الموافقات والأذونات، وقد لا ينتهي الأمر مع ذلك بنتيجة إيجابية، حتى لو كانت هذه السيدة الرائدة من خريجات الجامعة نفسها!

 

قد يقول البعض إن ما يحدث في هذه الصروح النسائية هو امتداد لواقع المرأة السعودية بشكل عام، فهي تعايش يوميا مختلف القيود الحياتية في كل أمورها، وهذا صحيح، وقد يطلب آخرون ألا نلوم الجامعات التي هي في الأصل تخشى ضغوطات المجتمع وحملات احتساب الغيورين، وهذا أيضا صحيح أيضا، ولكن لماذا يبدو الوضع مختلفا في الجامعات الأهلية التي تقع على مرمى حجر من نظيراتها الحكومية؟

 

لماذا يعد تنظيم المسرحيات شيئا طبيعيا فيها؟ لماذا من السهل على أي زائرة من خارج الجامعة أن تحضر بعض النشاطات المفتوحة للعامة؟ لماذا يعد تنظيم النشاطات الرياضية والثقافية والتراثية أمرا اعتياديا وطبيعيا وسهلا؟

 

والسؤال الأكثر إيلاما، لماذا أتيحت الفرصة لطالبات الجامعات الخاصة وحدهن لمقابلة شخصيات عالمية زارت المملكة، مثل هيلاري كلينتون، ورئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون، والاستماع لتجاربهم، بل والتقاط الصور التذكارية معهم؟ فقانون البلد واحد، فما الذي يجعل الجامعة الأهلية تتمتع بهذا الهامش المثير للإعجاب من الحرية النسبية، في مقابل الهامش المثير للإحباط في الجامعات الحكومية؟ هل هناك بالفعل تعليمات مشددة من وزارة التعليم تتجاهلها الجامعات الأهلية؟ أم أن الجامعات الحكومية تؤثر السلامة من تلقاء نفسها وليس لديها الاستعداد لخوض معارك، بحجة بناء شخصية الطالبات، وإكسابهن تجارب حياتية غنية في فترة الجامعة؟ أم أن هناك بالفعل تنظيمات مختلفة بين التعليم العالي المدفوع والمجاني تؤدي في النهاية إلى نتيجة تخدم خريجة الجامعة الأهلية؟

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/01/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد