آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد عباس طاشكندي
عن الكاتب :
كاتب سعودي ،مساعد رئيس التحرير بصحيفة عكاظ السعودية

«ترحيل الأجانب».. بين العاطفة والواقع


خالد عباس طاشكندي ..
عاد خلال الأيام الماضية هاشتاق «ترحيل الأجانب مطلب وطني» للظهور على أعلى الترند ضمن أكثر الأوسمة تفاعلاً في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ليجدد المطالب التي ترى بأن وجود العاملين الأجانب هو السبب الرئيسي في البطالة وشح الوظائف، وبالتالي فإن السؤال الذي يبدو جوهرياً في هذه القضية هو: هل مثل هذه المطالب تعزز من القضاء على البطالة بالفعل؟!، ولكن السؤال الواقعي والأهم والغائب عن أذهان أصحاب هذه المطالب هو: «هل النسبة الأكبر من الأجانب تزاحم السعوديين على وظائف القطاع الخاص؟!».

أولاً، بالنظر إلى الوضع القائم للبطالة في المملكة نجد أنه بحسب تقارير الهيئة العامة للإحصاء يوجد حالياً قرابة 700 ألف مواطن عاطل عن العمل (نحو 290500 من الذكور، و409600 من الإناث)، والشريحة الكبرى منهم تراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً، بمعدل 594 ألف عاطل، و54% من هؤلاء العاطلين حاصلون على شهادات جامعية.

وبالنسبة للوضع في القطاع الخاص نجد أن قطاع الإنشاءات والمقاولات هو أكبر قطاع يحوي الأجانب بنحو 45% من إجمالي العمالة الأجنبية في المملكة، وتوجد في المملكة 243 ألف شركة تعمل في مجال الإنشاء والتعمير تتدرج أحجامها من صغيرة جداً إلى عملاقة، ونسبة العاملين السعوديين في هذا القطاع ضعيفة جداً، فبحسب دراسة مستفيضة قدمتها أستاذة علم الاقتصاد في جامعة الملك سعود الدكتورة امتثال الظفيري في كتاب بعنوان «الاقتصاد السعودي 2015 نظرة تحليلية»، فإن إحصائيات سوق العمل خلال العام 2015 تشير إلى أن 80% من صافي الوظائف المستحدثة في الاقتصاد السعودي جاءت في المهن «الهندسية الأساسية المساعدة» وهي المهن «الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية، النجارة والديكور، الإنشاءات، وتجميع الآلات والأجهزة»؛ بمعنى أن 80% من الوظائف المستحدثة كانت في حدود قطاع الإنشاءات والمقاولات، وهذه المهن لا تتلاءم مع إمكانيات السعوديين الباحثين عن عمل، لذلك كانت المحصلة هي أن 97% من المهن الهندسية المساعدة المستحدثة في 2015 ذهبت لغير السعوديين، وهذا الوضع الطبيعي والمنطقي في ظل قلة أعداد الملتحقين بكليات ومعاهد التدريب الفني والتقني وضعف الإقبال عليها مقارنة بالراغبين في الالتحاق بالجامعات.

ولو نظرنا إلى مجال آخر في القطاع الخاص مثل «المحاسبة» مثلاً، خصوصا أن الغالبية العظمى في هذا التخصص هم من فئة الجامعيين، نجد أن نسبة المحاسبين السعوديين في الشركات والمؤسسات لا تتجاوز 5% بحسب ما ذكرته الهيئة العامة للمحاسبين السعوديين، التي أكدت أيضاً بحسب تصريحات سابقة لمسؤوليها بأن عدد المحاسبين السعوديين العاملين في «المكاتب المحاسبية» قليل جدا، مقارنة باحتياج السوق (29%) على رغم أن الهيئة لديها برامج تدريب وتأهيل للجامعيين الراغبين في العمل لدى مكاتب المحاسبة، ولكن المعضلة هي أن المحاسبين السعوديين لن يرضوا بالرواتب الضعيفة التي يتحصل عليها بعض الوافدين في قطاعات التجزئة والمبيعات، بالإضافة إلى قيام بعضهم بأعمال غير نظامية تتمثل في تسلم حسابات محلات وقطاعات تجارية أخرى بعد الانتهاء من العمل الرسمي، لجمع أكبر قدر من العائد المادي، وذلك بحسب ما أكده أمين عام الهيئة السعودية للمحاسبين الدكتور أحمد المغامس في تصريحات لصحيفة الاقتصادية العام الماضي.

لذلك، لا عجب إن سمعنا أن 88% من الوظائف التي استحدثها الاقتصاد السعودي في 2015 والمقدرة بأكثر من 416 ألف وظيفة ذهبت لغير السعوديين، لأن معظم المتاح وما تم استحداثه من وظائف هي في مجالات لا يهتم السعوديون بالتخصص فيها، وجميع مخرجات معاهد وكليات ومؤسسات التدريب الفني والتقني في المملكة لا تكفي لتلبية احتياجات سوق العمل، ونحتاج لخطة عمل طويلة المدى تهدف إلى دعم مجالات التدريب الفني والمهني.

ويجب أن ندرك أن شركات القطاع الخاص ليست جمعيات خيرية لإيواء السعوديين، فهي تسعى دائماً إلى تقليص الوظائف والمصروفات الإدارية والتشغيلية والاعتماد على التقنية لتحقيق عوائد مالية كهدف أساسي لوجودها في هذا القطاع، مع العلم أن سياسة إحلال السعوديين قائمة في القطاع الخاص ولكنها لا تكفي، خصوصا في المجالات التي يطمح إليها السعوديون الجامعيون.

وعلينا أن ندرك أن هؤلاء الأجانب، الذين يطالب البعض باستبعادهم، يعمل غالبيتهم العظمى في قطاعات الإنشاء والتعمير وقطاع التجزئة والعمالة المنزلية وبعض المجالات المهنية الأخرى، وغالبيتها يوجد بها نقص وعليها طلب كبير لا يلبيه أبناء البلد، لذلك لا يمكن الاستغناء عن هذه العمالة حالياً ولا في السنوات القليلة القادمة، وبمجرد خروجهم جماعياً سنجد أن الأسعار التشغيلية في هذه القطاعات سوف تتضاعف بما يفوق قدرتنا، والخدمات سوف تتعطل.
ولذلك علينا أن نكف ونتوقف عن المطالب غير الواقعية باستبعاد الأجانب، ووجود هاشتاق في الفضاء الافتراضي مثل «ترحيل الأجانب مطلب وطني» لا يحل ولا يربط، بل هو طرح سطحي بعيد عن واقع سوق العمل الذي نعيشه.

صحيفة عكاظ

أضيف بتاريخ :2017/02/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد