آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

وزارة الإسكان والتخطيط السقيم


قاسم حسين ..

من أسوأ المشاهد التي كشفت عن ضعف البنية التحتية الهشة نتيجة الأمطار المتوسطة التي تعرّضت لها البحرين، مشهدان محزنان، مشهد البيوت القديمة البناء، ومشهد البيوت الجديدة التي أنشأتها وزارة الإسكان!

في الحالة الأولى، هناك مئات المنازل القديمة التي تحتاج إلى ترميم وإصلاحات، لمحدودي الدخل غالباً، من مختلف مناطق البحرين، واجهت المشكلة من الأعلى بتسرب المطر من السقوف، ومن الأسفل بالمياه التي أغرقت الشوارع وفاضت بها شبكات المجاري، وصار عبء إغاثتها على وزارة البلديات والأشغال. ولا يمكن أن نشعر بفداحة المأساة إلا حين يضع كل منا، الوزير وأنا وأنت، نفسه في موقع المواطن الذي استيقظ على منظر مياه المجاري وهي تغطّي غرفة نومه وتدمّر أثاث منزله ومحتوياته.

في الحالة الثانية، هناك أحدث المساكن التي بنتها وزارة الإسكان بعد طول انتظار، ولكنها فشلت فشلاً غير مبرّر وغير مفهوم، في إنشاء شبكة حديثة لتصريف مياه الأمطار. وإذا كانت وزارة الأشغال غارقةً في همومها ومشاكلها اليومية، وهي تتعامل مع شبكة معقدة من الشوارع والطرقات، فما هو عذر وزارة الإسكان التي يُفترض أنها تخطّط لمشاريعها بروية وإتقان؟

انتقدت أمس وزارة الأشغال والبلدات بمرارة شديدة، بسبب سياستها العقيمة في الاعتماد على أسطولٍ من الصهاريج للتخلص من مياه المجاري والأمطار بدل إنشاء شبكة مجارٍ كفوءة، فماذا يمكن أن يُقال عن موقف وزارة الإسكان؟ فهي لا تقل عمراً ولا خبرةً عن زميلتها الأشغال، فهما من أقدم الوزارات منذ الاستقلال. وبالتالي من المفترض أن يجنّبها تراكم الخبرات لأكثر من أربعين عاماً، الوقوع بمثل هذا التخطيط السقيم.

الوزارة اعترفت -في تصريح رسمي- أن هناك خمسة مشاريع إسكانية جديدة عانت من فيضان مياه الأمطار. وهو نوعٌ من الاعتراف لا يعتبر فضيلة، وإنّما إقرارٌ بالفشل والتقصير والإخفاق، إن لم يكن الإهمال. فقد سبق أن وقعت مثل هذه المشكلة العام الماضي، حين غرق أحد الأحياء بمنطقة اللوزي -إن لم تخني الذاكرة- قبل عام، نتيجة سوء التخطيط وعدم تنفيذ مصارف للمياه. كانت تلك الفضيحة بمثابة البروفة الأوّلى لما جرى لخمسة مشاريع سكنية هذا العام.

مثل هذا الموضوع المحزن تناوله الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالصوت والصورة، ليعكس معاناة الناس من مختلف مناطق البلاد من هذا الخطأ الهندسي الشنيع. فمثل هذا الخطأ لا يمكن أن يرتكبه فرد عادي، فكيف تقع فيه وتكرّره وزارة من الوزارات؟

ًأحد المهندسين أرجع السبب إلى سياسة الوزارة في تنفيذ المشاريع بالحد الأدنى من الموازنة، فـ»المسئولون عن المناقصات يختارون أرخص المهندسين، وأرخص المقاولين، ويُنقصون حتى من مبلغ المقاولة ويتصورون أنفسهم أبطالاً يخدمون الحكومة بإتمام المشروع بأرخص كلفة، وهم بذلك ينشرون الغش في الإنشاءات دون وعي». وهي سياسةٌ قد يتورط فيها الأفراد أيضاً عند تنفيذ مشاريعهم الخاصة، لكن ضررها يكون محدوداً بأشخاصهم، أما في حالة الوزارة فيعم البلاء.

ثم إن هذه الطريقة التقليدية السقيمة في تكرار الأخطاء وعدم الاستفادة من التجارب، تسهم كثيراً في هدر المال العام وموارد الدولة. فالفرد حين يبني مسكنه الخاص يضع المهندس في حسبانه منذ وضع الأساسات، إنشاء قنوات لتصريف المياه أو «بالوعة» في حالة عدم وجود شبكة مجارٍ، فكيف يفوت مهندسي الوزارة التخطيط لقنوات تصريف الأمطار؟

إن هناك خطأً ما كبيراً، خللاً ما فادحاً، تقصيراً وإهمالاً وعدم اكتراث... ذلك هو الدرس الذي كشفته لنا أمطار هذا العام.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/02/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد