آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

هل الاعتماد على الأجانب مفخرة؟


قاسم حسين ..

ليس مفخرةً للدول أن تكون هي الخيار الأول المفضل لدى الأجنبي للعيش والتنعم فيها، بينما يكون لديها المواطن هو الخيار الأخير.

الاقتصاد المنتج الناجح هو ما يعمّ نفعه لأوسع قاعدةٍ ممن تساهم في العمل والإنتاج، أما الاقتصاد الفاشل، الكسول، الريعي، فيعتمد على استقدام أكبر عددٍ من الأيدي العاملة الرخيصة، ويُغرق بها السوق، في ظروف عملٍ لا تخلو من المهانة والاستغلال، ليجني أصحاب رؤوس الأموال الجزء الأعظم من الأرباح، حتى لو كان ذلك على حساب التنمية والاقتصاد، دون استعدادٍ للمشاركة في تحمّل أية واجبات أو تبعات.

هذه الأوضاع لن تستمر، وإذا استمرت فستثقل كاهل بلداننا الخليجية، وتُخضعها للمزيد من الضغوطات، السياسية والاقتصادية، ليس الداخلية فقط بل والخارجية أيضاً. فالدول المصدّرة للعمالة بدأت تطالب بتحسين ظروف ومستوى حياة عمالتها، وستطالب لها مستقبلاً بحقوقٍ سياسيةٍ ومدنية. وهو أمرٌ ستدعمه الدول الأخرى في الشرق والغرب، لأنها مطالب إنسانية مشروعة، والخيار الآخر تصحيح اتجاه التنمية نحو الاعتماد على المواطن وتدريبه وتأهيله ليشارك في بناء بلده واقتصاده، وأخذ فرصته في العمل والحياة والإنتاج.

الاعتماد على العمالة الأجنبية، يوصل الوطن والشعب إلى طريق مسدود، فالدولة ستخضع لمزيد من الضغوط والإملاءات، والمواطن سيخضع للمزيد من حالات البطالة والضياع، وخصوصاً الشباب، ممن يتخرّج من الجامعات والمعاهد العليا ولا يجد بانتظاره إلا السراب.

ظاهرة العمالة الأجنبية تعاني منها كل دول الخليج الآن، حتّى أصبح المواطنون مجرد أقليات في بحرٍ من الأجانب. وإذا كانت دولٌ مثل البحرين والكويت كانت تتميّز بوجود قاعدة شعبية، إلا أنها منذ الثمانينات بدأت تفقد هذه الميزة، ليتحوّل البحرينيون إلى أقل من نصف السكان، بينما أصبح الوافدون في الكويت يشكّلون نسبة 70 في المئة.

في السعودية أعلن قبل يومين عن مناقشة مجلس الشورى نظاماً لمكافحة ما أسمي «الهجرة الاستيطانية غير المشروعة»، بتشكيل لجنة في وزارة الداخلية لترحيل 5 ملايين أجنبي استوطنوا المملكة بطريقة مخالفة. وأشار مقدّم المشروع إلى أنه مع توافد أعداد كبيرة بهدف الإقامة الدائمة، قد تجد المملكة نفسها تحت ضغوط دولية، حيث للأمر «أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية سلبية وبالغة الخطورة، مما لا يخفى على المعنيين». وأضاف أنه «يجب ألا يبقى في البلاد من أجانب سوى العدد الذي تحتاج إليه البلاد بالفعل، ويمثل الحد الأدنى المطلوب». والملاحظ أن كثيراً من هؤلاء يأتون للحج والزيارة أو العمل، فيغيّرون وجهتهم للإقامة الدائمة حتى لو كان بخلاف الأنظمة والقانون.

عندنا الظاهرة تكاد تكون معكوسةً، فأبواب بلادنا مشرعة لاستقدام الأجانب، وبأيّ عددٍ كان، ودون وجود أيّ سقف، يراعي المصلحة العامة للوطن والاقتصاد. وذلك ما أنتج ظواهر سلبية من قبيل العمالة السائبة، التي تُقدّر بـ60 ألفاً، وهو رقمٌ ضخمٌ مقارنةً بحجم البلد والاقتصاد وحجم القوى العاملة. والأسوأ من كل ذلك، أن هناك تنازلات تقدّمها السلطات من أجل «التكيّف» مع هذه الظاهرة المرضية بدل وضع الحلول لمكافحتها، وذلك بفتح الباب أمام تصحيح أوضاعها على فترات، وابتداع نظام «التصريح المرن»، الذي سيكون وبالاً إضافياً على المواطنين، الذين يجري انتقاص حقوقهم الدستورية تدريجياً في الحصول على العمل، بعد التخلّي الرسمي غير المعلن عن سياسة «البحرنة».

لاشك أن للمواطنين دوراً في هذه الظاهرة بسبب قبولهم بتأجير السجلات التجارية واستقدام عمالة أجنبية وتركها للعمل في السوق لقاء مردود شهري ثابت، إلا أن المسئولية الأكبر في ذلك تعود للحكومة، التي ترى وتسمع، وتسمح وتتغاضى عن كل هذه المخالفات، بل تميل إلى تغيير القانون للتكيف معها، ومن أجل التغطية على كل هذا الخراب الاقتصادي والأخلاقي.

كيف نتكلم عن التنمية والنهوض الاقتصادي، ونحن لا نمتلك رؤيةً للإعتماد على شعوبنا، رأس مالنا الأكبر، ونستمر في الاعتماد على الأجانب في تسيير كافة مناحي الحياة؟

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/03/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد