آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

نظرياتٌ تهدم الأوطان


قاسم حسين ..

من أسوأ ما تُبتلى به البلدان أن توجد مجموعةٌ ذات مصالح شخصية مقنّعة، تفكّر بطريقةٍ خارج العلم والمنطق والزمان!

وتكون أسوأ نقطةٍ يمكن أن يصلها العقل البشري حين يدعو شخصٌ ما علانيةً، إلى تطبيق معايير لا يقرّها العلم ولا علم الإدارة الحديث، لمجرد الرغبة في استبعاد من يُفترض أنهم شركاء أصلاء في الوطن، من أجل أن تستولي لنفسك ولأحبابك وجماعتك بالمغانم كلها، وتجلس متراقصاً على الأطلال.

في كل الدول، العربية والأجنبية، الشرقية والغربية، تكون المناصب العامة مفتوحةً لجميع المواطنين، وفي ذلك سرّ تقدم الدول. فتُعرض الوظائف علناً ويتم اختيار أصحاب الشهادات والكفاءات والمؤهلات العلمية، من دون خضوعٍ لمعايير موروثةٍ من أقدم الأزمان، قائمة على العنصرية والعصبيات.

أن يكتب أحدٌ علانيةً، أن ما يسمّيه شخصياً "ولاء"، هو معيار التوظيف في القطاع الحكومي، من دون أن يردّ عليه أحد، لا من الحكومة ولا من الجهة الرسمية التي يعمل بها، فهذا يعني وجودَ خللٍ كبيرٍ في منظومة التوظيف، وهو ينسف من الأساس مفهوم دولة القانون والمؤسسات.

المناصب العامة في العصر الحديث ليست امتيازات أو ترضيات، وإنّما هي خدمةٌ مدنيةٌ عامةٌ، يؤديها للوطن أصحاب الكفاءات والقدرات والمؤهلات مقابل أجور ومستحقات، لتتقدّم الدول وتزدهر وتتطوّر، أما ترويج هذه النظريات المخالفة لروح العصر وعلم الإدارة الحديث، فهذا يهدم الأوطان ويشوّه صورتها ويعرقل مسيرة تنميتها.

تطبيق هذه النظرية، يعني أنه لا داعي للشهادات، ولا للمدارس والمعاهد والجامعات، ولا داعي لتخريج أطباء ومهندسين ومعلمين ومهنيين وفنيين. يكفي أن تزايد على الآخرين وتتهمهم بالخيانة والتآمر وحتى الكفر، لتقفز على ظهورهم وتستولي على ما تريد، دون مؤهلٍ بالضرورة أو استحقاق.

لعبة الطفيليات هذه معروفةٌ ومكشوفةٌ، وقديمةٌ أيضاً، ولذلك من المستغرب أن تستمر في العالم المعاصر. وحين تُطبّق هذه النظريات العنصرية القائمة على التمييز والإقصاء واستباحة حقوق الآخرين والتجاوز على حرماتهم ومستحقاتهم، فإنها أسوأ خطةٍ تقدّم لتدهور البلدان وتقويض مستقبلها وتعريضها للإحتقان الدائم والاضطرابات.

تطبيق هذه النظريات المخالفة تماماً لروح وتيارات العصر، يقوّض كل ما يُقال عن خطط إصلاح سوق العمل، وعن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. فإصلاح سوق العمل لا يمكن أن يتحقّق مع استبعاد مبادئ تكافؤ الفرص والمنافسة والشفافية والمساواة بين المتقدمين للوظائف العامة. وحين تعتمد مفهوماً غامضاً رجراجاً وغير متفق عليه أصلاً، مثل ما يسميه أحدهم بـ"الولاء"، فإنك تنسف علم الإدارة الحديثة، وتستهين بكل التجارب البشرية الناجحة التي توصلت إليها شعوب الأرض.

من السهل أن نتغنى بتجارب الدول الأخرى في التنمية وندّعي استلهامها، مثل سنغافورة وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، ونتجاهل أن هذه الشعوب اعتمدت خططاً وشيّدت نهضتها على مبادئ التنافسية والمواطنة والمساواة، من دون تمييز ولا إقصاء أو مزايدات وادعاءات طُهرٍ وطني.

لن نجد مثل هذه المصطلحات في حياة الشعوب الأخرى، ولن تجدوا لها رديفاً في القاموس السياسي العالمي. فهي اختراعٌ خاصٌ بنا نحن العرب، نستخدمه لتبرير حالات الظلم والإستئثار والإقصاء، التي لم يردعنا ديننا ولا مبادؤنا ولا شهامتنا "العربية" عن اجتراحها بحقّ بعضنا بعضاً. ولن تعثروا على مثل هذه البضاعة في أي من دول العالم الأخرى، لا في الهند والصين وماليزيا، ولا في ألمانيا وكندا والبرازيل. كلها شعوبٌ تعمل في أوطانها دون أن يشكّك أحدٌ بوطنيتها، أو يدعو لإقصائها أو منع توظيفها أو تخوينها، رغم ما بينهم من خلافات سياسية حادة، بينما نحن نكفّر من نختلف معهم ونطالب بإعدامهم، وندّعي احتكار الوطنية فقط من أجل الاستئثار بالامتيازات.

اللعبة انتهت، وأوراقها انكشفت للجميع، وكلّ من تجدونه يطرح مثل هذه النظريات العنصرية البائدة، فاعلموا أنّما يدافع عن مصالحه الشخصية فقط، وللتغطية على نواقصه وطريقة تسلقه إلى منصبه دون استحقاقٍ في الظلام.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/03/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد