آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

حسني مبارك براءة!


قاسم حسين ..

لم يكن خبر إطلاق السلطات المصرية سراح الرئيس السابق حسني مبارك مفاجئاً، لمن يعرف أوضاع مصر والعالم العربي.

داخلياً كان سير المحاكمة يمهّد الطريق أمام القضاء لإسقاط التهم عن مبارك تهمةً تهمة، وكان الكثيرون يتوقّعون أن يخرج من السجن كالشعرةِ من العجين. أما الإعلام فدأب على تهيئة الوضع منذ عامين أو أكثر، لاستقبال هذا الخبر، حين تحين ساعة الصفر!

6 سنوات قضاها مبارك رسمياً في السجن، الذي اعتبره العارفون «سجن 5 نجوم»، لأنه يختلف تماماً عن السجون التي تعرفها الشعوب العربية، وخصوصاً السجناء السياسيين، وكانوا بالآلاف خلال فترة حكم مبارك، التي طالت 30 عاماً، كان هو الآمر الناهي، دون رادٍّ لأمره. وهو ما شجّعه على طرح مشروع «توريث» مصر لابنه جمال، واستغل كل الماكنة السياسية والحزبية والإعلامية للتبشير لهذا المشروع، الذي اعتبره المصريون أكبر إهانةٍ لكرامتهم وامتهانٍ لبلدهم ومسخٍ لإرادتهم.

بدأ الكثيرون يتكلمون همساً ثم جهراً، قائلين «لقد صبرنا عليك 30 عاماً، ولم يكفك إيصال مصر إلى هذا الطريق المسدود، حتى فكّرت بتوريثنا لابنك كالمزرعة». وبرزت البراعم الأولى للحراك المعارض للتوريث مع حركة «شباب 6 أبريل»، و»كفاية»، وانتشرت المعارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الحركات الشبابية دعت للتظاهر السلمي في أكبر ميادين القاهرة، واختارت نقطة الانطلاق يوم الشرطة، وبينما كان الخطباء يروّجون لخطة التوريث في احتفال وزارة الداخلية، كان الشباب الجدد يعلنون معارضتهم في الشارع، لتتصاعد المعارضة وتتسع دائرتها، وسرعان ما عجزت الشرطة عن احتواء الحركة، حيث وصلت قوات الأمن إلى حافة الانهيار بعد استمرار المواجهات لأكثر من 48 ساعة.

هذه الثورة تخللتها عدة وقائع حاسمة، أشهرها «وقعة الجمل»، حيث أطلق نظام مبارك القوى غير النظامية، لقمع المتظاهرين يوم 2 فبراير2011. وشاهد العالم واحدةً من أبشع المسرحيات التي لجأ إليها النظام المهزوز، بإرسال «البلطجية»، كما أسماهم المصريون، لمهاجمة المعتصمين السلميين على ظهور الجمال والبغال والحمير، مستخدمين السيوف والسكاكين والحجارة. وفي اليوم التالي انتشر القناصة فوق المباني المحيطة بالميدان، ليستمر مسلسل القتل.

كان عرضاً جنونياً للقوة، حيث هدفت الخطة إلى الضغط لإخلاء الميدان، لكنها باءت بالفشل، وأسفرت عن مقتل 14 وإصابة 1500 خلال يومين. ولاحقاً اتهمت قيادات من النظام بالوقوف وراء هذه الجريمة، من ضمنهم أمين عام الحزب الحاكم صفوت الشريف، ورئيس البرلمان فتحي سرور، ووزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي، ورجال أعمال آخرون من أصحاب المصالح والنفوذ.

هذه الواقعة تمت تبرئة مبارك منها، كما تمت تبرئة ساحته من تهم أخرى بالفساد تدريجياً، حتى خرج من السجن قبل يومين، ولم تبق إلا تهم فساد أخرى في قضية هدايا تلقاها من مؤسسة الأهرام، وهي تهمةٌ بسيطةٌ جداً وتافهة، ولا تحتاج إلى مرافعة أو دفاع!

عاد مبارك إلى بيته في ضاحية مصر الجديدة، لكن هل انتهت القصة؟ إطلاقاً، لأنها تؤسّس لمرحلةٍ سيئة للغاية، حيث ستدفع 90 مليوناً، إلى الإيمان المطلق بأنهم يعيشون في غابة أو حديقة حيوانات، حيث لا احترام للقانون، ولا نفاذ إلا لإرادة القوي، وأن دم المواطن ليس له قيمة، وأن دولة لا تحترم حقوق مواطنيها لا تستحق الاحترام، ما سيعمق مأزق النظام، ويزيد مشاعر الاحتقار والقهر، وخصوصاً لدى ذوي الضحايا، ويفتح الباب أمام مختلف التجاوزات وخروقات القانون.

مع إطلاق سراح مبارك، أسدل الستار على قصةٍ ذهب أحدهم بعيداً حين وصفها بـ»محاكمة القرن»، بينما قد يصنّفها التاريخ في خانة «أكبر المحاكمات الهزلية في التاريخ».
صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/03/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد