آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي سعد الموسى
عن الكاتب :
- دكتوراه في الأسلوبية والنقد الاجتماعي للغة من جامعة أسكس. - بكالوريوس في الآداب من جامعة الملك سعود بأبها. - ماجستير في اللغويات النظرية من جامعة كلورادو.

الوجه الآخر للسيرة الذاتية


علي سعد الموسى ..

فاجأني مسؤول تنسيق ندوة بطلبين متتاليين في التمهيد لدعوتي لإدارة هذه الندوة. في الطلب الأول إرسال سيرة ذاتية، وكم راوغت هذا الطلب منه ومن غيره في عشرات المرات السابقة، لسبب أبسط مما كان هو أو غيره يظن أو يتوهم: ذاك أنني بالفعل لا أحمل سيرة ذاتية، ولم أكتب في بنائها حرفاً أو سطراً أو ورقة. لم يقتل هذا المجتمع في بناءات هياكله الإدارية والثقافية ولا في وظائفه ومناصبه المختلفة شيء بأكثر من زيف السيرة الذاتية. الكثير من هواة تضخيم أوراق السيرة الذاتية لا يفرقون ما بين الذكريات في تفاصيل حياتهم وبين مشوارهم العلمي أو العملي المجرد. وذات زمن كنت ضمن فريق اللجنة العليا لإدارة انتخابات الأندية الأدبية عندما أرسل لي مثقف طوارئ مغمور سيرته الذاتية إلى باب منزلي، وللحق تنوء بها العصبة. ولربما توهم أنني مفتاح ترشيح مستقبلي إلى أمانة عموم اليونيسكو أو نيابة وزير الثقافة، وقد لا يعلم أن الهيلمان برمته لا يتعدى عضوية ناد أدبي. لا أعلم كم أضاف من بعدها من الأوراق لسيرته تلك، ولكنني سأعود هذا المساء إلى أرشيفي كي أتأكد مما إذا كان اسمه مكتوب في عضوية القوائم الماسية الوطنية. أنا شبه واثق أنه قد وصل طالما كان نهجنا ومنهجنا لا يتعدى قياسات وزن الأوراق وثقلها عند الترشيح. والمهم أنني قلت لمسؤول التنسيق في السطر الأول بأعلاه إن كل سيرتي لا تتعدى أسماء المدارس والجامعات التي كنت بها طالباً ذات عمر مضى، ولو أنه سأل زوجتي وأطفالي ماذا فعل وكان يفعل «أبوكم» في آخر عشرين سنة لأجابوا بصوت واحد: يتبطح على الكنبة في مكتبه المنزلي ما بين النوم إلى النوم وأمامه على الدوام بضعة كتب متناثرة.

في الطلب الثاني، يسألني عن تاريخي الإداري. والحق أنني ضحكت وخجلت، ذلك لأن كل هذا التاريخ صفر مكعب. ويوم عدت من البعثة الطويلة كان سقف طموحي الإداري أرفع من سحاب أبها، وكنت أحلم حتى بعضوية لجنة داخل قسم بكلية في جامعة تحت ظل وزارة. لكنني مع الزمن اكتشفت أن طبيعة المنافسة تحتاج إلى تغيير في الشكل والسمت والسيمياء وأحياناً حتى المبادئ والمواقف. من طباعها مثلاً ألا تشتري «الموس» ومعجون الحلاقة، ورحم الله كسولاً عرف قدره ونفسه. الإدارة وحياتها تحتاجان شروطا ومواهب لا شيء منها ألمسه في هواياتي وتكويني النفسي. وأفضل ما يمكن أن أجود به من منتجي الهزيل الفقير أن تطلب مني رأياً أو استشارة في موضوع ضمن صلب قراءاتي واهتماماتي بالضبط، ولكن أن تضعني أيضاً، ووحدي، داخل غرفة أو مكتب مغلق. اكتشفت مع وتيرة العمر أنني حاد الرؤية وغير قادر على التماسك وبالخصوص في الحوارات التي تتطلب المواجهة مع آخرين على ذات الطاولة، العزلة الطويلة، وهذا عيب كبير، تفرض علي مزيداً من التشبث بما قرأت في عوالم الأفكار. أنا شخص لا مكان لي في كل هذا الزحام على السيرة الذاتية إلا أن أقرأ.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/04/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد