آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

خمسة أشهرٍ بلا راتب


قاسم حسين

من أكثر الأخبار المؤلمة للقلب حين تقرأ عن اعتصام مجموعةٍ من العمّال للمطالبة بصرف رواتبهم التي انقطعت عنهم لعدة أشهر.

قبل سنوات، كانت هذه الأخبار تختص بالعمال الأجانب، وغالبيتهم من الفقراء ممن يؤدون أعمالاً شاقة مقابل رواتب بحدّ الكفاف، غالباً في شركات المقاولات بالقطاع الخاص. أما اليوم فبدأت الشكوى من قبل العمال المواطنين، الذين يواجهون المصير المعتم نفسه، في سوق رأسمالي، لا يرحم ولا يقيم وزناً لحياة أو آلام البشر.

آخر خبر نشر عن اعتصام مجموعة من العمال البحرينيين العاملين بإحدى الشركات، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة أربعة أشهر، والصور تكشف أنهم شباب في مقتبل العمر، كما تُظهر وجود بعض أطفالهم معهم أثناء الاعتصام أمام بوابة الشركة. وقد كشفوا أنها ليست المرة الأولى التي يلجأون فيها للاعتصام، ولكن في كل مرةٍ يتلقون وعوداً من دون أن تصرف لهم رواتبهم.

المعتصمون تحدّثوا عن تراكم الديون، حتى بات من الصعب عليهم الاستمرار، كما أن مساعيهم للتواصل مع وزارة العمل لم تثمر عن شيء. ولعل الهاجس الأكبر الذي يضغط عليهم هو استمرار معاناتهم في وقت بات شهر الصيام على الأبواب، بما يتطلبه من توفير احتياجات ومصروفات إضافية.

هذه الحالة ليست خاصة، بل تكشف عن وضع هشّ للكثير من الأسر البحرينية، وخصوصاً من العاملين بالقطاع الخاص، بالذات أولئك الذين لا تزيد رواتبهم عن 300 أو 400 دينار، وهم بالآلاف. وهذا المبلغ الذي كنا ننتقد وزيرة التنمية السابقة فاطمة البلوشي لعدم كفايته أصلاً لاحتساب خط الفقر، باتت تتفاخر به وزارة العمل حالياً حين تنجح في توظيف بعض الباحثين عن العمل بهذه الرواتب الزهيدة التي لا تزيد عن «قوت من لا يموت».

اليوم يظهر بوضوحٍ الخلل في التوجّه الاقتصادي العام، وخصوصاً بعد انهيار أسعار النفط الذي كنا نعتمد عليه بنسبة 85 في المئة. بل إن التوجه السابق في خلق المصانع التي توفر فرص العمل للشباب، تم التراجع عنه لصالح أنشطة بيع وشراء الأراضي والمضاربات العقارية، التي تخلق اقتصاداً مزدهراً في الظاهر، لكنه في حقيقته اقتصاد فارغ كالفقاعات، لا يخلق أية قيمة مضافة، ولا يمثل أي شكل من الإنتاج.

في ظل هذا الظرف الاقتصادي الصعب، لا تقتصر المخاوف على الطبقات الكادحة وذوي الدخل المحدود، بل تشمل أغلبية المواطنين، بمن فيهم الموظفون وأصحاب المهن الأخرى، من الطبقة الوسطى التي تلعب دوراً نشطاً في تنمية الاقتصاد وحركة البيع والشراء والبناء والإعمار. فمع تقلص الموازنة العامة والتوسع في سياسة وإجراءات التقشف، بات وضع الجميع هشّاً، وأصبح تسعون في المئة من المواطنين يعيشون تحت هاجس الخوف من المجهول.

المجموعة التي اعتصمت أمام بوابة الشركة التي يعملون لديها، تجد نفسها في العراء، من دون غطاءٍ قانوني أو مظلةٍ تأمينية توفّر لهم الحد الأدنى من العيش. وقصارى جهد وزارة العمل أن تلعب دور الوسيط الذي يحاول أو يحنّن قلب الشركة لصرف الرواتب المتأخرة، أو جزء منها. وهي كانت شريكاً أساسياً في ما وصلت إليه أوضاع العمالة الوطنية، حين استبدلت التشريعات السابقة التي كانت توفر الحد الأدنى من حماية حقوقها بقانون جديد سيِّئ، وتخلّت عن سياسة «البحرنة»، وفتحت الباب لانتشار ظاهرة العمالة العشوائية «الفري فيزا»، وقفت تتفرج على إغراق السوق بهذا العدد الضخم من العمالة الأجنبية من دون حدود أو قيود، وما يسبِّبه من تخريبٍ للاقتصاد وتشويهٍ للسوق.

إنها مآسٍ عامة، يُراد لنا أن نتكيّف معها، فنمر بأخبار اعتصام العامل الوطني، وقبله العامل الوافد، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة، في سياق اقتصادٍ سياسيٍّ متحجر القلب، من أهون الأمور عليه فصل الآلاف من وظائفهم، وقطع أرزاقهم، وترك عوائلهم نهباً للحاجة والجوع.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/05/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد