آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عادل خميس الزهراني
عن الكاتب :
أستاذ مساعد في تخصص النقد الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز، جدة. دكتوراه من جامعة ليدز - بريطانيا

عامل نظافة بعضلات.. لمجتمع بلا فضلات!!


عادل خميس الزهراني

كانَ مشهدًا غريبًا.. لكنَّه جميلٌ وملهمٌ بشكلٍ ما: انتشر في وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وشاهده الملايين من غير السعوديين، ومن السعوديين كذلك:

رجلٌ يقفُ عند إشارة مرور، يرمي قطعةَ بلاستيك من نافذةِ سيَّارته دون اكتراثٍ.. يشاهدُه عاملُ نظافةٍ يعملُ بجدٍّ على الرصيف المقابل، فيقرِّر أنْ يأخذَ (سطل) قمامة، ويطرق نافذةَ صاحبِ السيَّارة، ثمَّ يفرغ محتوى السطل داخل السيَّارة..!! ينتهي المشهد هنا: صاحبُ السيَّارة في حالةِ ذهولٍ، والمشاهدُونَ بين مصدومٍ ومتعجِّبٍ ومستنكرٍ، وعاملُ النَّظافةِ يعودُ أدراجه إلى الرصيفِ متبخترًا بسكينةٍ، وكأنَّه يقول: (هذا الطريق لا يحتاجُ نفاياتكَ، والمارَّةُ لا يحتاجونها كذلك، وأنا.. أنا عاملُ النظافةِ الذي أقضي يومي في تمشيط الشوارع لتنظيفها، وتفريغ حاوياتها، لا أحتاج نفاياتك أيضًا...).

كانَ المشهدُ في دولةٍ أخرى بالطبع، رغم أنَّا -على ما يبدو- في حاجةٍ لتجنيدِ عامل النَّظافةِ ذاك، ومثله معه مئات، لعلَّهم ينجحون في كبح جماح قاذفي المخلَّفات في الطرقات، والميادين، لعلَّ هؤلاء الذين لا يردُّهم دينٌ، أو حياءٌ، ولا يمنعهم ضميرٌ أو شعورٌ بالمسؤوليَّة، يردعهم الخوف.. الخوف من أن تنتهي محتويات (السطول) في سيَّاراتهم، وبيوتهم... في صالاتهم الأنيقة، وصوالينهم الفخمة العابقة بالعودِ والعنبرِ.

لعلَّي لا أحتاجُ لتوريةٍ أو تلميحٍ هنا... فرمي المخلَّفات في الأماكن العامَّة ظاهرةٌ بشعةٌ، لا تخطئها عينٌ في مختلف مناطق المملكة، وكم يتناقل النَّاسُ صورَ الحدائق والأماكن العامَّة بعد أن يغادرها مرتادوها، تاركين وراءهم أكوامَ القمامة، كما أنَّ منظرَ الغرف الخاصَّة بمكائن الصرَّافات أصبحَ مألوفًا، بعد أن يمصَّ مستخدِموها ما في جوفها من نقودٍ، ويتركوهَا تتقيَّأُ الإيصالاتِ ببؤسٍ.

يلوم بعضُ النَّاس البلديَّات -وهم على حقٍّ بلا شكٍّ- فهي تتحمَّلُ جزءًا مهمًّا من المسؤوليَّة، ويلوم بعضٌ آخرون «عمَّال النَّظافة» الذين تخلُّوا عن عملهم، مقابل عمل أكثر منفعة: أقصد التسوُّل طبعًا.. لكنِّي لن أتَّفقَ مع هؤلاء هنا؛ فدعونا لا ننسى أنَّ العاملَ لم يتخلَّ عن عمله الرئيس لينشغلَ بالوظيفة الجزئيَّة إلاَّ لأنَّا جعلناها وظيفةً مربحةً له. دعونا لا ننسى أمرًا آخرَ، وهو أنَّ الشعورَ بالمسؤوليَّة شعورٌ معدٍ بطبيعة الحال، ولو لاحظ عمَّالُ النَّظافة اهتمامَ النَّاس وحرصهم على نظافة مدنهم؛ لانتقل إليه ذلك الشعور طوعًا أو فرضًا.

يمكن أنْ أضربَ لكم مثالاً بنفسي.. أنا عادل خميس الزهراني، لا أرمِي أبدًا أيَّ نفاياتٍ، أو أوراقٍ في غيرِ أماكنِهَا المخصَّصةِ، تعوَّدتُ على هذَا السلوكِ منذُ وقتٍ مبكِّرٍ من عمرِي، وعوَّدتُ مَن حَولي علَى ذلكَ: أبنائِي الآنَ يعلمُونَ أنَّ رميَ المخلَّفاتِ في الطرقاتِ من المحرَّماتِ، وأصدقائِي لا يفعلُونَ أيضًا؛ إيمانًا بالمبدأ، أو مراعاةً لمشاعرِي المرهفةِ.. فماذَا لوْ فعلَ كلٌّ منَّا هذَا؟!

حين أكونُ في سيَّارات أصدقائِي، أحثُّهم على ألاَّ يرموا من النوافذِ أيَّ شيءٍ، وأبادرُ بإيجادِ حلولٍ بديلةٍ، مثل أن أجمعَ المخلَّفات في كيسٍ؛ حتَّى نصلَ لحاويةٍ نرميه فيها.. يا الله.. كم هو صعبٌ ومعقَّدٌ هذا الحل!! وهنالك حلولٌ أخرى أكثر صعوبةً وتعقيدًا.. لعلَّ أصعبَها -أو أسهلَها ربما- أن نؤمنَ أولاً بأنَّ هذه أرضنا التي استخلفَنا اللهُ عليها، أرضنا نحنُ، وأرض أبنائِنَا، وأبنائِهم من القادمين في المجهولِ. مَن يدري.. قد يكون الإيمان -مثله مثل الشعور بالمسؤوليَّة- معديًا أيضًا..!!

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2017/05/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد