آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

سكان هانوفر وسكان بغداد ودمشق


قاسم حسين

نشرت وكالة (د ب أ) الأسبوع الماضي خبراً عن إجلاء 50 ألف شخص في مدينة هانوفر الألمانية من منازلهم الأحد الماضي بسبب إبطال مفعول عدة قنابل من مخلفات الحرب العالمية الثانية.

الوكالة تقول إن هذه العملية تعتبر ثاني أكبر عملية لإبطال مفعول قنابل من مخلفات الحرب على مستوى ألمانيا، وأدت إلى وقف حركة القطارات في محطة القطار الرئيسية بهانوفر لفترة محددة. وشملت العملية سبعة مراكز لرعاية المسنين ومستشفى ومصنعاً لشركة قطع غيار السيارات. وقامت السلطات بتوفير مئات من سيارات الإسعاف والأسرّة النقالة وعشرات الآلاف من أطباق الحساء لمن تم إجلاؤهم.

عملية الإجلاء تم التخطيط لها بعد الاشتباه بوجود عدة قنابل من مخلفات الحرب في إحدى أراضي البناء بأحد أحياء المدينة، التي كانت هدفاً متكرراً للقصف وأدّت إلى مقتل 1245 شخصاً وتشريد 250 ألف شخص آخرين. وقامت المدينة ولأول مرة، بتنظيم برنامج ثقافي ورياضي شامل للمواطنين الذين شملهم الإجلاء، تضمن جولات بالمتاحف وعرض أفلام سينمائية للأطفال وتوفير ألعاب مسلية للمسنين خلال الفترة التي سيستغرقها إبطال مفعول القنابل. فراحة المواطن أولوية، تراعيها السلطات حتى في الحالات الطارئة والاستثنائية، ليس لمجرد تجنب الإيذاء وتخفيف الضرر، بل للعمل أيضاً على تجنيبه الشعور بالضيق والملل.

حين قرأت عدد القنابل، التي من أجلها حدث كل ذلك، استغربت أنها 13 قنبلة فقط، وليس 100 أو 1000 أو 7000 قنبلة! وهو ما جعلني أتذكّر أوضاع شعوبنا وبلداننا العربية البائسة، التي يحترق بعضها في حروبٍ، تحرق الأخضر واليابس، وتدمّر الحجر والبشر، بعد أن أحكم تخطيطها المخطّطون، وموّلها المموّلون.

13 قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، لم تنفجر في تلك المدينة الألمانية قبل سبعين عاماً، فأعلنوا خطة إخلاءٍ لـ50 ألفاً من مواطنيهم، وحرصوا على ألا ينالهم أذى أو يدخل على قلوبهم ضيق، خلال ساعات معدودة، فنظّموا لهم برنامجاً ترويحياً. هل يا ترى لو تمّ اكتشاف، بعد سبعين عاماً، وجود 13 قنبلة لم تنفجر، في بغداد أو حلب أو الحديدة أو بنغازي، سيتم إخلاء المنطقة السكنية؟ وهل سيتم تنظيم برنامج ترفيهي للسكان يتضمن زيارة المتاحف؟ وهل ستستخدم مئات من سيارات الإسعاف والأسِرّة النقّالة والكراسي المتحركة لإجلاء السكان وخصوصاً كبار السن؟

هل سيتم أخذ أطفال الناصرية أو درعا أو تعز أو مصراتة، إلى عروضٍ سينمائية لمشاهدة أفلامٍ مسلية، لئلا يشعروا بالضجر أثناء فترة الإخلاء؟ وهل سيتم تجهيز وجبات غذائية كالحساء أو «السندويشات» والعصائر تُوزّع عليهم لئلا يشعروا بالجوع؟
اليوم، يُقتل المئات من أبناء هذه المدن العربية يومياً في هذه الحروب المنسية، التي تستخدم فيها الذخائر والرصاص والغازات المسيلة للدموع من شتى الأنواع، والقنابل التي لا تنفجر أيضاً، لتبقى ألغاماً تهدّد الأجيال القادمة. ويعاني الملايين منهم من الجوع والأمراض، ويعيش ملايين آخرون لاجئين، غير من يعانون الويلات في السجن، لأنهم تجرأوا على الحلم بيومٍٍ يعيشون فيه متمتعين بالحرية والكرامة كبقية شعوب الأرض.

كان خطأهم الأكبر أنهم حلموا يوماً بمستقبل يكون خالياً من الظلم والعنصرية والدكتاتورية والتمييز.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/05/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد