آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. زيد النوايسة
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية ، ومحلل استراتيجي - من الأردن

مصرع البغدادي وهزيمة داعش: بين غياب الملهم وإعادة إنتاج التنظيم!!


د. زيد محمد النوايسة

ما من شك أن مقتل شخصية بحجم زعيم عصابة داعش الإرهابية أبو بكر البغدادي سيترك أثرا بالغا على التنظيم الإرهابي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة  في الموصل وينتظر ذات المصير في الرقة وبعض مناطق تواجده في سوريا في قادمات الأيام؛ ولكن هذا لا يعني بالضرورة إعلان حفلة الوداع الأخير لهذه العصابة ولمشروعها  فيما إذا صحت الأخبار التي ترددت منذ حزيران الماضي عبر وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت في 28/5/2017 أنها قد تكون تمكنت من قتل زعيم العصابة أثناء استهداف اجتماع عقد في ضواحي مدينة الرقة الأمر الذي كانت قد أكدته الخارجية الروسية على لسان وزيرها ثم لاحقا أكدته مصادر إيرانية وجاءت معلومات المرصد السوري نقلاً عن قيادات سوريه في منطقة دير الزور تؤكد ذلك وهو ما أكدته وكالة أنباء السومرية نقلا عن مصادر في منطقة تلعفر التي ما زال للتنظيم سيطرة عليها، لكن هناك معلومات تشير إلى وجود وثيقة في مقرات تابعة للتنظيم في الموصل تشير إلى حدوث نقاشات داخل هياكل  التنظيم الإرهابي تحث على الإسراع في تعيين خليفة جديد ومما يمكن البناء عليه كمعلومة تؤكد مقتل الزعيم الذي شكلت شخصيته مزيجاً من الحقيقة والأسطورة.

حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود في رواية مصرع الإرهابي أبو بكر البغدادي من قبل جهة ذات مصداقية سواء من داخل التنظيم أو من جهات تملك موثوقية استخبارية وأمنية عالية، من المهم والضروري التأكيد على أن مصرع الإرهابي البغدادي يشكل عملياً ضربة قاصمه للتنظيم ستؤدي لأضعافه في مختلف الجبهات التي يسعى للدفاع عن وجوده فيها في العراق وسوريا،ولكن من المبكر القول أن ذلك يعني بأن العصابة الإرهابية ستصبح من الماضي وستتلاشى نهائياً وان كان ذلك  سيؤدي لحدوث ما يسمى “قوة الفراغ”  التي تنطلق من فكرة غياب الشخصيات التي كان من الممكن أن تشكل بديلاً قد يؤدي لسد حالة الفراغ إذا ما تأكدت رواية مقتل البغدادي ، ذلك أن العديد من القيادات الرئيسية كانت قد قتلت اثناء المعارك مثل أبو محمد العدناني  وعبد الكريم العفري  وحاجي عمر،لأن تنظيم داعش يختلف في هيكليته عن تنظيم القاعدة الذي كان يعلن عن أن  قائده هو أسامه بن لادن وفي حال موته أو مقتله سيكون أيمن الظواهري مباشرة وهو ما حصل عملياً بعد مقتل بن لادن ..

المهم في كل ما يجري أن أهمية حقيقة مقتل البغدادي من عدمها جاءت في وقت يتقلص نفوذ التنظيم ويتراجع حضوره مكانياً بشكل متسارع وصل حد سقوط عاصمة الخلافة في الموصل التي عادت إلى حضن الحكومة العراقية وبنفس الوقت هناك حصار مضروب على مدينة الرقة (العاصمة الثانية أو البديلة) من قبل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وتقدم من قبل الجيش السوري نحو معاقل العصابة في الرقة وفي دير الزور المدينة ومنطقة الميادين وبدعم من القوات الروسية والإيرانيين.

 ولكن علينا أن نتذكر أن التجارب في التعامل مع التنظيمات الإرهابية تعطينا الكثير من المؤشرات أن إعلان الانتصار عليها أو مقتل الزعيم أو الملهم لا يعني بالضرورة اندحارها ولنا في تجربة الحرب على القاعدة في أفغانستان أثناء عهد جورج بوش الابن أكبر دليل إذ سيطر على صناع القرار في الإدارة الأمريكية أن القاعدة على وشك الخروج للأبد من المشهد ولكن ما جرى هو عكس ذلك تماماً وكان كل ما يقال هو للاستهلاك المحلي الداخلي لأغراض انتخابية وما حصل أن القاعدة نجحت في إعادة إنتاج نفسها وبشكل أكثر عنفا وقسوة وهمجية  ليس في أفغانستان وباكستان فقط بل امتد حضورها من نيجيريا بوكو حرام إلى حركة أبوسياف في الفلبين وحركة باعشير محمد في اندونيسيا إلى حركة الشباب المجاهدين في الصومال وصولاً لإعلان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ومن ثم  دولة العراق الإسلامية ولاحقاً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا “داعش” وجبهة النصرة في سوريا  وغيرها من مناطق الانتشار لكل تلك التنظيمات التي تعتبر القاعدة المرجعية الفكرية والتنظيمية لها، وليس من المستبعد أن نشهد نسخاً جديدة أكثر تطرفاً ووحشية من كل ما سبق.

اليوم هناك أيديولوجيا إرهابية عابرة للقارات ولكل الحدود ولن يؤثر غياب شخص القائد المرشد والملهم على أهمية الغياب كما في حالة الإرهابي البغدادي وبكل الحالة الأسطورية التي نسجت حوله وفيما إذا تأكد مقتلها لا أن تلك الأيديولوجيا التي صارت بمثابة فرنشايز أيديولوجي قادرة على تقديم نماذج وشخصيات أكثر إرهاباً وتطرفاً وإعادة إنتاج نفسها والتكيف مع المستجدات وعلينا أن نتذكر أن أسامه بن لادن قتل ولكن القاعدة قدمت شخصيات أكثر جاذبية للمؤمنين بفكر السلفية الجهادية العنفي كالزرقاوي والبغدادي والجولاني وغيرهم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد