التقارير

تقرير خاص: تسييس #الحج.. آخر بدع #الأزمة_الخليجية

 

 مالك ضاهر ..

ما تزال تتفاعل تداعيات الأزمة الخليجية بين قطر والدول المقاطعة لها: المملكة السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، ووصلت الأمور اليوم إلى حد بات موضوع الحج وأداء المناسك بما فيه من رمزية دينية وروحية محل أخذ ورد بين قطر والدولة القائدة للحصار والمقاطعة أي المملكة السعودية، فالدوحة تعتبر أن الرياض لا ترغب بمجيء الحجاج القطريين إلى أرض الحرمين وأن السلطات السعودية لم تعد تتواصل معها ولا تقدم ضمانات للحجاج في هذا الشأن، بينما ترى المملكة أن المواقف القطرية تشكل تدويلا للأزمة، وصولا لما اعتبره وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إعلان حرب.

 

لإبعاد السياسة عن موسم الحج..

وبروز الخلاف حول موضوع الحج يطرح مجدد العديد من التساؤلات حول من يقف خلف افتعال المشاكل بين الدولتين الجارتين وعن جدوى تأزيم الوضع أكثر بينهما، وهل من مصلحة لأي منهما بحصول خلافات تصل إلى حد منع الحجاج من أداء مناسكهم؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية القانونية والشرعية والأخلاقية عن منع وصول الحجاج القطريين إلى مكة المكرمة لأداء المناسك؟ ولماذا وصلت الأمور في الخلاف إلى حد التوتر الذي يمس قضايا كالحج؟ ألا يجب على الدول الأطراف في هذه الأزمة -وكلها دول إسلامية- أن تعمل لإبعاد السياسة عن المسائل الدينية والامتناع عن تسييس الحج؟ أليس الأجدر بدولة كالمملكة السعودية أن تتصرف بصفتها راعية موسم الحج ومستضيفة الحجاج وأن تعمل هي على حلحلة كل القضايا العالقة في هذا الشأن وتذليل أي صعوبات مفترضة بدل العمل على صب الزيت على النار وتعقيد الأمور؟

وبما أن الأزمة تتعلق بالشعائر الإسلامية وجميع دول الأزمة إسلامية، ألا يتطلب ذلك تدخلا من بعض المنظمات كمنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي أو حتى الجامعة العربية؟ هل يمكن لهذه المنظمات لعب أي دور إصلاحي أو توفيقي في مسائل تصب أولا في مصلحة المسلمين وتاليا في مصلحة الدول الشقيقة الجارة وإن اختلفت في لحظة معينة نتيجة قرارات فردية؟ هل من الممكن الاستعانة بمنظمات دولية كالأمم المتحدة أو حتى منظمات تابعة لها بغية حل النزاع وتقديم ضمانات للحجاج في العالم بعيدا عن التسييس المحتمل نتيجة العلاقات مع المملكة السعودية؟ والأهم هل يحق قانونا على السلطات في المملكة منع الحجاج من الوصول إلى مكة لأداء المناسك أيا كانت جنسيتهم-باستثناء الكيان الإسرائيلي- وأيا كانت الخلافات بين دولهم وبين المملكة السعودية؟

 

حساسية مفرطة وازدياد في التوتير..

الحقيقة أن الأزمة القائمة اليوم بين قطر والمملكة ومن خلفها باقي الدول المقاطعة، باتت تفتح المزيد من القضايا التي تساهم بتأزيم الوضع وتزيد التوتر بين الدولتين، ومع مرور الوقت يبدو أن الهوة تتسع بينهما ومن ثم مع الدول المقاطعة(باعتبار أن المملكة هي القائدة والمقررة بين الدول المقاطعة ولو شكليا)، لذلك يفترض المسارعة لحلحلة الأمور قبل اتساع الهوة أكثر فأكثر وذلك بالبحث عن سبل تقرب ولا تبعد وقد يكون موسم الحج أحد الفرص المتاحة لهذه الدول والقيادات لإعادة وصل ما انقطع وتحسين العلاقات التي تشوهت بفعل الخلافات المفتعلة ربما من قبل أشخاص لحسابات معينة.

وهنا قد يطرح سؤال من المستفيد من كل ما يجري؟ هل كلا من قطر أو المملكة السعودية تحصد فوائد معينة نتيجة ذلك؟ هل أي من الدولتين تستفيد بشكل مطلق من هذه المقاطعة؟ فقد بدأت الأمور تأخذ طابع الصراع المتمادي الذي يدخل هذه الأزمة في كل شاردة وواردة بين قطر والمملكة السعودية بشكل خاص وبالطبع بين قطر وباقي الدول من مجلس التعاون الخليجي باستثناء مصر، خاصة أن دول مجلس التعاون ترتبط بمجالات كثيرة لا تقف عند مجرد حرد سياسي أو اتخاذ موقف شخصي لدى بعض الأفراد، فاتخاذ القرار الفردي من قبل الحاكم يرتب عليه تبعات في مختلف المجالات ولا تقف عند حدود معينة بل لها ارتداداتها على كل دول الخليج.

 

شد حبال.. من يسلم أولا؟!

والمتابع لآخر التطورات على صعيد الأزمة، يمكنه الملاحظة أن القضية باتت تشبه "شد حبال" بين الطرفين، قطر من جهة ودول الأربع من جهة أخرى وعلى رأسها المملكة، فمن سيرضخ للطرف الثاني أولا؟ خاصة أن كل طرف يحاول الترويج لصوابية رأيه وموقفه متسلحا بترسانة من العلاقات السياسية المترامية الأطراف وبمنظومة إعلامية لا يستهان بها تبث الأخبار والأخبار المضادة بمختلف اللغات على مدة ساعات اليوم كافة.

ويبقى الأهم التساؤل من بيده إمكانية التدخل لحلحلة الملف؟ هل أيا من الدول الخليجية قادرة على ذلك: سواء الكويت أم عُمان أو حتى أي دولة محلية أو إقليمية أخرى؟ هل يمكن لغير الولايات المتحدة الأمريكية لعب هذا الدور الحاسم في إنهاء الأزمة؟ ولكن هل لواشنطن مصلحة بإنهاء هذه الأزمة وإعادة الأمور إلى مجاريها؟ ولماذا تترك الإدارة الأمريكية الأمر مفتوحا لتتصرف القيادات الخليجية على هواها لو لم يكن هناك مصلحة أمريكية مؤكدة من وراء ذلك؟ ولماذا يجب انتظار أمريكا كي تتدخل لحلحلة الأمور؟ لماذا لا تبادر القيادات السعودية والقطرية للجلوس إلى طاولة واحدة لحلحلة الأمور وبالأخص في قضايا ومسائل كمسألة الحج؟

 

أشداء أم رحماء؟!

وعلى المملكة السعودية والعقل الحاكم فيها، الإدراك أن ما يربطها بالمسلمين عامة أيا كانوا ولأي مذهب أو دولة انتموا أكبر من خلافات ومصالح آنية، لأن هؤلاء سيأتون لأداء مناسك الحج وزيارة قبر الرسول(ص) وللتبرك بالأرض التي شهدت مهبط الوحي على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله، فعلاقة المملكة مع الدول الإسلامية يجب أن تبتعد عن الكيديات والمصالح المحضة بل يجب أن تحكمها علاقة الوحدة الدينية أو التقارب بالحسنى عملا بالآية الكريمة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الحجرات 29]، فهل تعمل المملكة على إتباع مثل هذه القاعدة في علاقاتها مع الدول الإسلامية؟ بالطبع هذا الأمر يحتاج إلى كثير من البحث والشرح والتأمل عند الحديث عن الإدارة الحاكمة حاليا في المملكة، حيث العلاقات مع الجيران والأشقاء تعتريها العديد من المشاكل بدءا من اليمن وما يجري فيها وصولا إلى العلاقة المتأزمة مع إيران مرورا بالوضع في البحرين واليوم ما يجري مع قطر ناهيك عن الاتهام بالتدخلات في أكثر من دولة.

هل ستستمر المملكة على هذا المنوال مع الدول أم أنها ستعود إلى الرشد السياسي المطلوب، والاقتناع أن السياسة لا تعني دائما التهديد بالقوة واستخدام العنف بكل أشكاله والحصار ضد الآخرين لا سيما عندما نتوقع أو نفكر أنهم أضعف منا.

من جهة ثانية، هل يسجل أن قطر تذهب أكثر فأكثر إلى تدويل الأزمة اعتقادا منها أنها بذلك تحمي نفسها من الدول المقاطعة؟ ولذلك اعتبر الوزير الجبير إثارة ملف الحج في هذا التوقيت هو تدويل للقضية، وهل يحق لقطر توتير الأجواء عند كل مفترق طرق لإيصال صوتها للعالم واثبات ما تدعيه من مظلوميتها أمام الدول الأربعة؟ وهل ذلك يسجل فشلا للمملكة وباقي الدول في الحسم مع قطر؟ أليس ذلك يساهم بمزيد من التشويه لصورة المملكة؟ وماذا نريد أسوأ من أننا بتنا ولو نظريا وشكليا أمام العالم كله نمنع الحجاج من الوصول لأداء مناسكهم، خاصة أن قضية الحجاج الإيرانيين وعدم قدومهم إلى موسم الحج العام الماضي ما زالت حاضرة في الأذهان.

أضيف بتاريخ :2017/08/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد