آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عمر الردّاد
عن الكاتب :
كاتب أردني

دلالات ومضامين القرار القطري حول الإقامة الدائمة


عُمر الردّاد

بدون أدنى شكوك، فأن قرار الحكومة القطرية بخصوص الإقامة الدائمة يشكل نقلة نوعية في تحديث التشريعات والقوانين بما يستجيب للمعايير والقوانين الدولية الخاصة بالإقامة والعمل،ويمنحها ميزة نسبية عن جيرانها الخليجيين،رغم تماثل قطر اجتماعيا واقتصاديا مع محيطها الخليجي ،حيث تلتزم كافة دول الخليج بانتهاج سياسات ليبرالية في الاقتصاد ،ومحافظة اجتماعيا بحكم مرجعياتها الدينية والقبلية وبراغماتية سياسيا  .فقد وصفت وكالة بلومبيرغ الأمريكية القانون الجديد بأنه غير مسبوق ، حيث يمنح فئات من المقيمين إقامة دائمة تساويهم بالقطريين، في الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف،وتمنح البطاقة الجديدة الدائمة لأبناء القطرية المتزوجة من أجنبي ، ولمن قدم “خدمات جليلة”للبلاد، و”للكفاءات الخاصة” التي تحتاجها الدولة ،كما يمنح حق التملك العقاري وممارسة الأنشطة التجارية دون شريك محلي ، والتقدم للوظائف العسكرية والمدنية في الدولة .

 وعلى أهمية قرار الحكومة القطرية، والذي جاء استكمالا لقرارات سابقة عام 2015 حول إلغاء نظام (الكفالة) لبعض قطاعات العمال،بعد تعرضها لانتقادات حادة على خلفية تجاوزات في التعامل مع العمال العاملين في البني التحتية، استعدادا لاستضافة قطر كاس العالم 2022، وردود الفعل الايجابية الواسعة على القانون الجديد ،خاصة في الأوساط الدولية المعنية بقضايا وحقوق العمال والوافدين ، إلا أنه لا يمكن لأي متابع فصله عن سياقات أزمة قطر مع جيرانها، حيث جاء متزامنا مع تسجيل قطر لنجاح رياضي دولي تمثل بشراء لاعب برشلونة الاسباني” نيمار” لصالح سان جيرمان الفرنسي”المملوك لقطر” بصفقة وصلت قيمتها الإجمالية إلى حوالي نصف مليار يورو، وبما يضمن لقطر مواصلة البقاء على خريطة الملاعب والأندية والأوساط الرياضية الدولية.

وعلى هامش أزمة قطر مع جيرانها، يبدو أن قطر أرادت إرسال رسالة دولية، تحت عنوان أنها ملتزمة بالقوانين والتشريعات الدولية الخاصة بالعمال والإقامة،في الوقت الذي يعتبر فيه هذا الملف أحد أبرز الملفات التي توجه عبره انتقادات لكافة دول الخليج ،حيث تحفل تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والعمال بانتقادات واسعة لدول الخليج بهذا الخصوص ،وتتطلع قطر لاستقطاب مستثمرين في قطاعات خارج الاقتصاديات المرتبطة بالنفط ، وضمان وقوف المقيمين”شعبيا” إلى جانبها في أزمتها الحالية، في إطار الدروس المستفادة من أزمة “الحصار” أو المقاطعة ، سواءا فيما يتعلق بإنتاج الغذاء وصناعة الدواء ذاتيا، بما يضمن تمايزا لها ، في الوقت الذي لا يزال فيه نظام “الكفيل” معمولا به في غالبية دول الخليج،وإصدار بعضها كالسعودية قرارات جديدة تخص العمال والمقيمين،تم اعتبارها في إطار تحولات بالسياسات الاقتصادية السعودية لفرض ضرائب جديدة على المقيمين والوافدين وعائلاتهم ،فيما لا يزال تصنيف “البدون” وهم المواطنون” من عرب الخليج” ممن لا يحملون جنسية الدولة المقيمون فيها بالولادة عبر أجيال ،قائما في بعض دول الخليج.

ورغم الايجابيات التي حققها القرار القطري شكلا،إلا إن مضامينه وخاصة تطبيقات القرار وإجراءاته التنفيذية لاحقا ، تطرح جملة من التساؤلات ارتباطا بالفئات المشمولة من الاستفادة منه ، فمن غير المعروف أعداد القطريات المتزوجات من غير قطريين ، وجنسيات أزواجهن  وإعداد أولادهن، إلا أن المؤكد وبمعزل عن الأعداد الحقيقية لهذه الفئة فلن يسهم شمولها بالإجراءات الجديدة  في تغيير التركيبة الديمغرافية للمجتمع القطري خاصة وانه يقتصر على الإقامة دون الحقوق ،كما أن شرطي “من قدم خدمات جليلة للبلاد” و”من الكفاءات الخاصة التي تحتاجها الدولة” على أهميتها، حيث تبدو شروطا موضوعية ومقبولة دوليا ،تضاهي ما هو معمول به في كندا واستراليا ، إلا أنها شروط فضفاضة تجعلها خاضعة للتوظيف السياسي وضمانات الولاء ، مرتبطة بشخص وزير الداخلية وسلطته وترجماته لها، وغير مرتبطة بمعايير محددة  واضحة ومعروفة للجميع ،تضمن مساءلة الوزير في حال امتناعه عن تنفيذها ، خاصة وان القرارات في قطر لا تخضع  لسلطة تشريعية في ظل غياب” مجلس نواب منتخب” كما هو الحال في الكويت والبحرين ،يمكن من خلاله متابعة ومراقبة تنفيذ القوانين، وهو ما يتوقع أن تقدم عليه القيادة القطرية لسد النواقص في بنية الدولة وسلطاتها الثلاث” تنفيذية وقضائية وتشريعية” ، بديلا لمجلس الشورى ، حيث أصبحت مجالس الشورى موضع شكوك ” في إطار مفاهيم ومعايير الديمقراطية والدول الحديثة”، ارتباطا بكونها غير منتخبة.

ومن المؤكد أن القرار القطري سيبقى عرضة للمتابعة والتقييم من قبل جهات عديدة معنية إقليميا ودوليا ،ومحط تساؤلات حول مدى جديته ، وانه لن يكون فقط في إطار السجال بين قطر وخصومها ، ولن ينفذ من خلاله أشخاص تدور حولهم شبهات، في إطار توظيف القرار باتجاهات تتجاوز الصورة التي تشكلت حوله، باعتباره فصلا جديدا في نجاحات قطر على الخريطة الدولية.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد