آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
كمال مجيد
عن الكاتب :
كاتب عراقي

العراق: لا سيادة لحكوماتنا

 

بروفيسور كمال مجيد

أن المفهوم الليبرالي  للدولة هو: ((مجموعة من الناس منظمة سياسياً تحت حكومة واحدة ذات سيادة. )) أن السيادة هي السلطة النهائية القصوى التي لا يمكن تجاوزها وبدونها تفقد الدولة معناها. أن الدولة التي لها السيادة الكاملة لها الصلاحيات التالية: –

 

 فرض الدستور والقوانين، إنتاج العملة ووضع قيمة مفرداتها، فرض الضرائب وجمعها، تنظيم التجارة الداخلية والخارجية، السيطرة على علاقة الدولة الخارجية، إعلان الحرب وشنها و لها الحق القضائي في فصل الخلافات بين الناس ومع الدول الأخرى.

 

إلا أن السيادة ، مثل أي شيء آخر ، قابلة للولادة وللتطور والتغير وفي الحقيقة لم تكن للسيادة وجود قبل صلح ويستفاليا سنة 1648. إذ لثلاثين سنة كانت البلدان الأوروبية في حرب مستمرة بحجة أنها نشبت نتيجة الخلافات الدينية بين البروتستانت والكاثوليك ولكن الحقيقة أنها كانت واستمرت بين الدول الرأسمالية التجارية، وخاصة بين هولندة البروتستانتية واسبانيا الكاثوليكية في زحفهما للسيطرة على المستعمرات في أنحاء العالم عامة وأمريكا بصورة خاصة.

 

كانت أسبانيا الأولى لخلق مستعمرة لها في كارولاينا في أمريكا الشمالية سنة 1583. تبعتها بريطانيا في 1526 ثم هولندة سنة 1624. فتعقدت الخلافات وانتقلت إلى أوروبا ، بل إلى الأراضي الألمانية وذلك حتى قبل تأسيس دولة موحدة فيها.

 

في صلح ويستفاليا تم منع الدول في التدخل في شؤون الدول الأخرى بما في ذلك شؤون مستعمرات كل دولة. لم تكن هناك سيادة مشتركة بين الدول. لقد شملت فكرة السيادة الدول الأوروبية القوية، دون الضعيفة منها في أوروبا الشرقية، ودون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية لأنها كانت حينذاك مستعمرة بريطانية – هولندية – أسبانية ودون مشاركة الأمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على معظم البلدان الواقعة شمال بحر المتوسط وكل شرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

يقول جان أرت شولته: ليست السيادة ظاهرة أزلية بل لم يكن لها وجود قبل صلح ويستفاليا وليس هناك سبب لبقائها إلى الأبد، راجع

Globalization of world Plitics, Oxford University Press,2001, pp 19 to 26

ويضيف: ((مع انتشار العولمة(اقرأ ” الاستعمار”) أخذت السيادة الوطنية تتقهقر وتنكمش على حساب ازدياد قوة الحكومة وهيمنتها على الشعب.. فالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية أخذت تخترق حدود الدول بل بسرعة متفوقة نتيجة اختراع الاتصالات اللاسلكية الالكترونية عبر الأقمار الصناعية التي استخدمتها الشركات العابرة للأوطان للسيطرة على اقتصاد العالم لكسب الأرباح المطلوبة.))

 

أما بخصوص المستعمرات والبلدان التابعة التي تأسست قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، ككافة البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، فأنها تكونت من قبل الدول الاستعمارية التي قسمت العالم فيما بينها وأن السيادة التي نالتها هذه البلدان كانت صورية وغير كاملة وكان القصد منها منع الدول الاستعمارية المتنافسة من الاستحواذ على ما كان ملكاً لغيرها. فسوريا، مثلاً، كانت من حصة فرنسا بينما العراق لبريطانيا. لم يتغير أي شيء بعد أن نالت هذه البلدان استقلالها الشكلي ، بعد الحرب العالمية الثانية، ودخلت كأعضاء في هيئة الأمم المتحدة. فالقرارات هناك تؤخذ بموافقة الدول الخمس الكبرى التي لها العضوية الدائمة وحق النقض في مجلس الأمن.

 

لقد تدهورت حالة بلداننا الضعيفة، والمقسمة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بفضل خروشوف وحتى غورباجوف . لقد سيطرت قوى السوق الاستعمارية على كل شيء. يستنتج هارت و مساعده نيغري في كتابهما  (( الامبراطورية))، راجع:

Michael Hardt and Antonio Negri, Empire, Harvarde University press and London 2001

(( أن الأمبراطورية القديمة قد تدهورت لتفسح المجال لانتعاش أمبراطرية السوق (يقصدان  سوق المال) التي ترفض السيادة الوطنية وترفض الحدود الدولية … أن السوق تهاجم الحدود الثابتة بعنف منقطع النظير، أنها تطغي على كل تقسيم أخر مستخدمة تعدديتها غير المحدودة… في يومنا هذا تسير السوق العالمية (يقصدان الامبريالية العالمية) نحو تحقيق الطغيان التام وهي في هذه العملية تهدم حدود الدول القطرية … ولهذا يجد روبرت ريج، وزير العمل للولايات المتحدة، نفسه في مركز ممتاز ويحتفل بانهيار الحدود الوطنية ويلح : ” لما كانت كافة عوامل الإنتاج- النقود، التكنولوجيا، المعامل، والآلات تخترق الحدود دون جهد يذكر، فأن فكرة الاقتصاد الوطني قد فقدت معناها أصلاً” .))

 

لقد صدق البروفسور عبدالله راقدي ، استاذ العلاقات الدولية في جامعة باتنة، حين كتب في 7/8/2017 في رأي اليوم :-

 

(( فقد استمر الغرب المنتصر في صراع الحرب الباردة في توسيع نظامه إلى أن أسبغه بالعالمية عبر تسويق العولمة ثم الحوكمة العالمية، عبر آليات اختراق حدود الدول وإثارة مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة العالمية والولاية القضائية العالمية. وعلى نحو متصل، سعى مهندسو هذا النظام الموسع إلى إضعاف وتسفيه سيادة الدولة وتعويضها بقواعد عالمية مشتركة يتعين على الحكومات الوطنية الالتزام بها. ))

 

مع طغيان أمبراطورية السوق الرأسمالي فقدت الدول الصغيرة والتابعة سيادتها التي لم تنلها كاملةً منذ البداية أصلاً. ولهذا احتل جوج بوش الابن العراق، مستخدماً بين 1000 و2000 طن من اليورانيوم المخصب، وذلك حسب الغارديان اللندنية في 25/4/2003، الصفحة 14، حتى دون اخذ موافقة مجلس الأمن. وكذا الحال مع دخول القوات الأمريكية بصورة غير شرعية إلى سوريا بالرغم من عضويتها في هيئة الأمم المتحدة . هكذا يشعر الرئيس ترامب بأن له الحق، دون حياء، أن يقول للدول المجتمعة في الرياض مقدماً انه يرفض زيارتهم بدون استلام النقود. ولهذا تمكن في أيام قليلة أن يجمع من السعودية وحدها 460 مليار دولار كقيمة السلاح والاتفاقيات التجارية الأخرى.ولهذا لم ينطق حيدر العبادي بكلمة حين أعلن ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي ، بأن الجيش الأمريكي سوف لا يترك العراق، قال هذا وهو ضيف في بغداد.

 

يدرك الكثيرون مصائب الشعوب الضعيفة التي لا سيادة حقيقية لها ويدركون ما تنالها من الاستعمار الرأسمالي الغربي ولهذا يتجهون نحو كتلة بريكس الفتية، من روسيا والصين وبرازيل والهند وأفريقيا الجنوبية، في لأمل أنها ستقف ضد جبروت الغرب، كما فعلت روسيا والصين وإيران في دفاعهم، بنجاح متواضع، عن سوريا المهدمة. ولهذا أيضاً يكتب عبد الباري عطوان في 10/8/2017 ليقول كلمته:

 

(( لا نُخفي في هذه الصحيفة، تعاطُفنا مع كوريا الشمالية ورئيسها “المِقدام” كيم جونغ أون، لأنه ربّما يكون الوحيد الذي يُجاهر بتحدّيه للولايات المتحدة الأمريكية، وتمسّك بحق بلاده في تطوير أسلحة نوويّة، وصواريخ باليستيّة، تُؤهلها للدّفاع عن نفسها في مُواجهة أي عُدوان أمريكي مُحتمل.)) ذلك لأن (( الولايات المتحدة “تبتزنا” وتَنهب أموالنا، وتُشعل مناطقنا بالحُروب والغَزوات، وتَبحث عن أي عدوٍّ للعرب والمُسلمين لتدعمه، ونحن لا نتحدّث هُنا عن إسرائيل فقط. )) هذه إشارات واضحة لجنين جديد لحركة التحرر من الاستعمار والتي تبعث الأمل في نفوسنا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد