التقارير

تقرير خاص: تسييس #المملكة لمواسم #الحج.. واقع أم افتراء؟


 مالك ضاهر ..

منذ ما قبل بدء مناسك الحج بشكل رسمي تتهم المملكة السعودية باستغلال موسم الحج في السياسة لتحقيق مآرب معينة سواء لجهة الانفتاح على بعض الدول أو لجهة التضييق ومعاقبة أطراف أخرى، حتى يبدو الأمر وكأنه ملك خاص لهذه السلطة أو لهذا الحاكم بينما حقيقة الأمر أن السلطة في الحج يجب أن تكون سلطة إدارة وإشراف لا استئثار وتملك على رغم من أن الواقع يمنح الجهات الراعية الكثير من الصلاحيات على الأرض.
 
لكن هل فعلا السلطة في المملكة السعودية تستغل مواسم الحج بشكل عام لغايات سياسية وتعمل على تسييس المناسك بما يخدم مصالحها؟ وهل تعمل المملكة بمعايير متناقضة حينا ومزدوجة أحيانا أخرى بما يتعلق بالحج؟ وهل من مسؤولية على المملكة في مسألة تسييس الحج؟ وهل الأمر ما زال محض قضية دينية دون أي ارتباط آخر كما كان تاريخيا مع الحكام الذين مروا على هذه المنطقة المقدسة؟ أليس في الأمر تطور واضح لجهة العلاقات الدولية المتبعة اليوم ما يجعل من الحج أداة فعالة بيد الدولة القائمة لتحقيق منافع اقتصادية ومالية وسياسية؟ أليس في الأمر جانب من السياحة الدينية الموجودة في كل العالم على الرغم من قدسية المناسك والأرض والمقدسات في مكة والمدينة المنورة؟ ولكن هل يجب على المملكة أن تعود لما كان عليه الأمر منذ مئات السنين (سواء في صدر الإسلام أو ما قبل الإسلام) من أعراف وعادات وتقاليد تتعلق بفتح أبواب البلاد لكل من يريد الوصول إلى الحرمين؟ أليس هناك إجراءات أمنية وسياسية توجب حرمان بعض الأفراد وربما جماعات بعينها من الوصول إلى المملكة تحت عنوان فريضة الحج؟ هل تحت عنوان المناسك يجب على المملكة الانفتاح والتصرف ببساطة وسلاسة مع كل ما يفترض أنها تعتبره خصما أو ندًا أو يمكن أن يشكل تهديدًا لأمنها أو مصالحها أو حتى سياساتها أو رأي قادتها وحكامها؟ ولماذا عليها السير بمثل هذا الاتجاه وما الدافع لذلك طالما هي ترى أن ذلك يضر بها وبمصالحها؟
 
الترويج الإعلامي والأداء السعودي..

واللافت هذا العام هو الترويج الإعلامي الكبير لتنظيم مناسك الحج والتركيز الكبير على كل جزئية أو تفصيل له علاقة بيوميات الموسم والحجاج، والتأكيد على الجهد المبذول من قبل الجهات المعنية والسلطات العامة في نجاح التنظيم وعدم الحديث عن أي ثغرات في الإجراءات سواء كانت أمنية أو تلك المتعلقة بالنقل والمواصلات وصولا للإشادة بخدمات الكهرباء وتوزيع المياه على الحجاج وخدمة ضيوف الرحمن، حتى أن الكثير من الحجاج وجدوا أنفسهم يوقعون على جدارية ضخمة وضعت في مكة لشكر السلطة والملك وولي العهد وتدوين كل ما يرغب به الحاج من عبارات الثناء على الأداء الكبير للمنظمين وجهود العاملين في هذا التجمع الإسلامي المهيب.
 
والبعض فسر مسألة "جدارية الشكر" أنها لزوم ما لا يلزم باعتبار أن الأمر هو من البديهيات والواجبات على السلطات السعودية وقيادتها، وبالتأكيد أن الجميع يعترف لها بما تقوم به كما أن الأجر في مثل هذه الأمور يقع أولا وأخيرا على رب البيت الحرام لا على العباد من حجاج البيت العتيق، لذلك طرحت تساؤلات عن إمكانية أن تكون مسالة الجدارية حصلت بمبادرة فردية من بعض المسؤولين المحليين أو حتى المواطنين بمباركة واجتهاد فردي، في حين أن البعض يعتبر كل هذه الفعاليات تصب في خانة الاستغلال الإعلامي أو بالحد الأدنى الإضاءة على ما تقوم بها المملكة في ظل الضغط الذي تقع تحته في قضايا عديدة لا سيما مع بروز الأزمة القطرية وبالتحديد أزمة الحجاج القطريين التي تتراكم مع منع حجاج من اليمن وسوريا وحتى من ليبيا ممن يؤيدون فصائل مناهضة للرياض، حتى أن الإعلام السعودي المحسوب على السلطة يحاول الاستفادة من وجود الحجاج الإيرانيين للإشارة إلى كرم الضيافة وحسن المعاملة لدى المستضيفين حتى بالنسبة لمن يصنف في المحور الآخر سياسيا في محاولة واضحة لتبييض صفحة المملكة أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي وللقول إن المملكة أبعد ما يكون عن تسييس الحج وكل ذلك يأتي في إطار التشويش على القيادة السعودية وعلى الأداء المبذول منذ عشرات السنين وحتى اليوم.
 
المصلحة العامة والاستفادة من الخبرات..

علما أن تنظيم الحج هو موضوع أحادي الجانب لا يمكن لأحد أن ينافس المملكة فيه باعتبار أن مكة المكرمة والمدينة المنورة يقعان داخل الحدود الطبيعية للبلاد التي تسيطر عليها المملكة، وأيا كانت الدول التي تريد المشاركة أو لعب أي دور في هذا المجال، فهي لن تستطيع ذلك إلا بناء على الموافقة أو الطلب السعودي الصريح، لكن السؤال لماذا لا تستفيد المملكة من هذا الواقع كي ترفع من رصيدها في العالمين العربي والإسلامي دينيا وسياسيا، عبر الاستفادة من الخبرات الإسلامية الموجودة حول العالم من دول بعضها باتت دولا نووية، منها : باكستان، ماليزيا، أندونيسيا، إيران، تركيا ، مصر وغيرها من الدول، أليس في ذلك مصلحة للأمة الإسلامية جمعاء وأليس الواجب هو التعاون على البر والتقوى بدل المخاصمة والتباعد والتناحر؟ علما أن موسم الحج(وضمنا العمرة) يعتبر من أبرز المحطات السنوية للتقارب بين المسلمين من كل المذاهب والبلدان واللغات والأعراق والأجناس.. فهل سنرى في المستقبل رغبة سعودية في لعب الدور الفاعل في التقارب والوحدة بين المسلمين؟ وهل تأخذ المملكة مثل هذا الأمر على عاتقها لتكون "الحصان الأسود" للوحدة الإسلامية؟ الحقيقة أن لذلك تبعات كثيرة في الداخل والخارج، وسيكون على من يتخذ مثل هذا القرار التاريخي والاستثنائي وجوب التعاطي بايجابية مع العديد من الدول ووقف التدخل الفوري والسريع في هدر دماء المسلمين من ليبيا إلى أفغانستان مرورا باليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها من البلدان.
 
ولا بد من الإشارة إلى أن موسم الحج يعتبر من أهم مصادر الإيرادات المالية للدولة السعودية ورافعة اقتصادية ضخمة لما يؤمنه من أموال يدخلها الحجاج إلى البلاد عبر ما ينفقونه بطرق وأشكال مختلفة، فقد أشارت المعلومات إلى أن "عدد الحجاج هذا العام بلغ 2.350 مليون حاج منهم 1.750 مليون حاج من 168 جنسية قدموا من خارج السعودية".
 
وبالسياق، تحدثت مصادر سعودية أن "نفقات الحجاج من الداخل والخارج خلال هذا العام يمكن أن تبلغ 20 - 26 مليار ريال سعودي(5.33 إلى 6.67 مليارات دولار) مقابل 14 مليار ريال ( 3.73 مليارات دولار) العام الماضي"، ولفتت إلى أن "ارتفاع الزيادة سببه ارتفاع في عدد الحجاج بنسبة 20 % هذا العام مقارنة بالعام الماضي".
 
الدوافع السياسية والمعايير المزدوجة..

 وبالنسبة لأعداد الحجاج وعدم ثباتها من عام إلى عام، هو من النقاط التي تؤخذ على المملكة السعودية، حيث تتهم أنها تحدد عدد كل بلد بحسب العلاقة السياسة مع النظام القائم فيه أو لأسباب سياسية مباشرة وغير مباشرة، وهذا هو الحال اليوم مع الحجاج من إيران الذي توافدوا بأعداد كبيرة هذا العام بينما غابوا منذ موسم العام 2015 جراء حادثة منى الشهيرة، وكذلك الحال مع حجاج قطر وسوريا واليمن والعراق، حتى أن البعض يشير إلى حادثة منع إحدى الشخصيات التونسية في السابق من دخول المملكة لأداء مناسك العمرة بينما تعود نفس الشخصية لأداء مناسك الحج في الضيافة الملكية، والمعيار دائما هو الرضا السياسي للقيادة السعودية، ما يعني أن البعض يشير بوضوح إلى اعتماد المملكة معايير مزدوجة لإعطاء تأشيرات الحج والدوافع سياسية بامتياز.
 
وتشير بعض المصادر إلى أن سفارات المملكة وقنصلياتها تعطي تأشيرات على سبيل المسايرة والمجاملة لمسؤولين محليين(في بعض الأحيان يكون هؤلاء من غير المسلمين) لتوزيعها بناء على مصالح انتخابية أو سياسية في بلدانهم على مسلمين يرغبون بأداء فريضة الحج، ما يؤكد أن المملكة تساير الحلفاء في تأشيرات الدخول للحج بينما تمنع ذلك عن الخصوم أو تضع لهم العراقيل وتتشدد في تطبيق القوانين والأنظمة وتضطر لإرجاع حجاج إلى بلدانهم في بعض الأحيان بحجج مخالفة الشروط أو الواصفات وغيرها من الأسباب.
 
كما يؤخذ على السلطات المعنية تاريخيا وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين الحجاج، الأمر الذي يحاول الإعلام التغاضي عنه في محاولة لعدم تشويه الصورة الناصعة التي ترسم عن مواسم الحج، بينما الحق يقول أنه يجب تسليط الضوء على هذه القضية من باب المحاسبة لمن يكون مسؤولا عن إزهاق حجاج أبرياء ولرفع المستوى التنظيمي والإداري للمملكة، فالهدف من النقد هنا هو الإصلاح والتحسين لا تهشيم الصورة وتسجيل النقاط، أي أن الإستفادة من النقد والعمل به هو أول الطريق لإصلاح ذات البين والتأكيد أن لا تسييس في الحج ولا مجال للمتاجرة المصلحية بالفرائض الدينية وأن كل ما يقال عن المملكة هو محض افتراء تدحضه الوقائع.

أضيف بتاريخ :2017/09/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد