آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زكي الميلاد
عن الكاتب :
باحث وكاتب سعودي متخصص في الدراسات الإسلامية، كاتب وباحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة.

الفكر والأيديولوجيا.. ملاحظات ونقد


زكي الميلاد

لا نعلم على وجه التحديد هل هذه العملية هي عملية تعريب باختيار كلمة عربية مقابل كلمة أجنبية! ولماذا بهذا التركيب بضم كلمة (فكر) العربية إلى جانب كلمة (لوجية) الأجنبية، هل من أجل أن تكون التسمية العربية على وزن الكلمة الأجنبية!

عرضت في المقالتين السابقتين لثلاثة أقوال ناقشت مفهوم الأيديولوجيا مبنى ومعنى، وأمام هذه الأقوال فحصا وتأملا، يمكن تسجيل الملاحظات والتنبيهات الآتية:

أولا: بات من الواضح أننا أمام قضية تنوعت فيها الأقوال وتعددت وجهات النظر، وهي بطبعها تحتمل حصول مثل هذا التباين والاختلاف الذي أكسبها ثراء لغويا وفكريا، ولا تحتمل الموافقة والمطابقة التامة.

ولم يعد مجديا النظر لهذه القضية من مدخل أحادي، ولا بالاستناد إلى قول واحد من دون الالتفات إلى باقي الأقوال الأخرى، بل لا بد من استحضار جميع هذه الأقوال مع إعطاء الحق في التفاضل بينها، فلعل هناك من يعطي الأفضلية لرأي الدكتور عبدالله العروي، وبين من يعطي الأفضلية لرأي الدكتور محمد عزيز الحبابي أو لرأي الدكتور طه عبدالرحمن، أي أننا بحاجة لكل هذه الأقوال على تفاضلها، فلا يكتمل النظر لهذه القضية إلا بهذه الأقوال المتعددة.

وهذا لا يعني أننا أصبحنا أمام قضية مكتملة فلا جدال فيها ولا نقاش ولا اختلاف، وإنما نحن أمام قضية قد لا تعرف الاكتمال، وبهذا المنطق ينبغي النظر لها والتعامل معها دوما.

ثانيا: هناك تفاضل على مستوى بذل الجهد فلا تتساوى تلك المحاولات من هذه الجهة، فمن الواضح أن الجهد الذي بذله العروي فحصا وتتبعا وتحليلا يفوق الجهد الذي بذله الحبابي أو الجهد الذي بذله طه، وهذا التفاضل لا يعني على الإطلاق إعطاء صفة التصويب لرأي العروي في مقابل الآراء الأخرى، فالفصل ممكن بين تقدير الجهد وتصويب الرأي، ولا تلازم بينهما إلا من جهة القابلية، بمعنى أن زيادة بذل الجهد توفر إمكانية أكبر لتحصيل الرأي الأصوب.

ثالثا: استند الحبابي في نقده لرأي العروي بالعودة إلى كتابه (الأيديولوجيا العربية المعاصرة) الصادر سنة 1967م، ولم يرجع إلى كتابه (مفهوم الأيديولوجيا) الصادر سنة 1980م، فبين الكتابين هناك فاصل زمني يزيد على عقد من الزمن، الأمر الذي يعني أن النقد لا يكتمل من دون العودة إلى الكتاب الثاني بوصفه العمل المرجعي في موضوعه، فقد ضمنه العروي كامل رؤيته تقريبا أو مجموع رؤيته حول مفهوم الأيديولوجيا، وبات معبرا عن نظريته أو أطروحته في هذا الشأن، ما يعني أن نقد الحبابي جاء ناقصا وليس تاما ولا مكتملا، ولا حتى ناضجا.

رابعا: انطلق الحبابي في مناقشته لمفهوم الأيديولوجية ناظرا لنفسه بأنه يخوض ما سماه معركة الوضوح والتوضيح والدقة، معتبرا أن اللغة الدقيقة هي القالب للفكر الدقيق، واللغة المبهمة والتقريبية هي للعقل إرباك وللتفكير تلعثم، لكنه فجأة وبلا مقدمات وضع تسمية جديدة لتكون بديلة عن تسمية أيديولوجية وهي فكرلوجية، من دون أن يشرح كيف ولماذا حصل هذا الاختيار!

لا نعلم على وجه التحديد هل هذه العملية هي عملية تعريب باختيار كلمة عربية مقابل كلمة أجنبية! ولماذا بهذا التركيب بضم كلمة (فكر) العربية إلى جانب كلمة (لوجية) الأجنبية، هل من أجل أن تكون التسمية العربية على وزن الكلمة الأجنبية! أو أن تكون الكلمة العربية متشبهة بالكلمة الأجنبية!

وإذا كان القصد هو التعريب، فلماذا يعرب نصف الكلمة ولا تعرب كاملة كأن يقال مثلا: فكروية، أو فكرانية أو علم الأفكار وما شابه ذلك، لأجل التخلص من الجزء الأجنبي في الكلمة.

وإذا كانت الإشكالية في المعنى وليس المبنى، فإن المعنى الذي حدده الحبابي يطابق تماما معنى الأيديولوجية بلا فرق مع تسمية الفكرلوجيا التي تعنى حسب قوله: نسق أفكار علمية عملية جماعية توجه وتبرر الأفعال والمعتقدات لدى مجموعة بشرية معينة في مرحلة ما من تاريخها.

والمفارقة أن الحبابي حدد معنى الفكرلوجيا ليس بطريقة مستقلة، وإنما بحسب ما تحدد لمعنى الأيديولوجيا، فهو كان بصدد تعريف الأيديولوجية التعريف الذي أسقطه بتمامه على تعريف الفكرلوجية، وحين عرف الأيديولوجية لم يقدم الحبابي تعريفا اجتهاديا يستقل به، وإنما عرفها بحسب تعريفها الغربي.

خامسا: رأى الدكتور الحبابي أن من المغالطات التي تفضي بالفكر العربي إلى الالتباس أن توصف الفكرلوجيا بالعربية، أي أن تستند عمليات تتصل بالفكر والذهن والمعتقدات إلى الجنس العربي أو أي جنس آخر، ما يؤدي في نظر الحبابي إلى حصول عرقية يصفها بالوخيمة، وقال عنها إنها ما أتى بها العقل والواقع من سلطان!

ولرفع هذا الإشكال كان الأنسب في تقدير الحبابي نسبة الفكرلوجية إلى الأمة الإسلامية عوضا عن القوم العرب، باعتبار أن الأمة في الإسلام هي شعور بالوحدة تتناغم فيها الفوارق السلالية واللسانية والثقافية والقبلية والطبقية، بخلاف الحال مع عبارة فكرلوجيا عربية فهي في نظر الحبابي قاصرة عن تأدية محتوى الشعور بالوحدة العقائدية والثقافية والوجدانية الذي يطبع مفهوم الأمة.

وأظن أن هذا الرأي بحاجة إلى مراجعة وتدقيق، ولا يتناسب مع من يخوض معركة الوضوح والتوضيح والدقة، فما الفرق بين إسناد الفكر إلى العرب الذي ورد في عنوان كتاب الحبابي، وبين إسناد الأيديولوجيا إلى العرب الذي ورد في عنوان كتاب العروي وانتقده الحبابي وعارضه، فاقتران الفكر بالعرب يطابق تماما اقتران الأيديولوجيا بالعرب، الأمر الذي يعني أن ما قاله الحبابي نقدا وقع في إشكاله ولم يسلم منه!

سادسا: على مستوى التداول لاحظت تفوقا نسبيا لتسمية الفكرانية التي نالت شهرة أوسع من شهرة التسميتين الأخريين ونعني بهما: الأدلوجة والفكرلوجيا، ووجه الملاحظة في هذه التسمية أنها تصلح أن تكون تسمية عربية لكن لا علاقة لها بالأيديولوجية وسياقاتها التاريخية ونزاعاتها الفكرية ولا بحقلها الدلالي أو بنيتها المفاهيمية، وإنما هي تسمية حديثة بلا تاريخ وبلا سياق تاريخي.

هذه بعض الخبرات الفكرية والنقدية في دراسة وتحليل مفهوم الأيديولوجيا في المجال العربي المعاصر.

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/09/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد