آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي حيدر
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة الاخبار اللبنانية

خطاب نصرالله: ما (قد) لا يدركه الإسرائيلي عن حزب الله


 علي حيدر

«الخيار الحسيني» حاضر بقوة في خلفية موقف نصر الله وفي صوغ مضمونه (أ ف ب)

مع أن مناسبة عاشوراء هي التوقيت الأمثل لتأكيد حزب الله على جهوزيته في مواجهة أي اعتداء أو حرب إسرائيلية، وهو استعداد بناء على المناسبة، خارج أي خيال يفترضه مخططوها في تل أبيب. لكن لا يعني ذلك أن المناسبة هي التي أملت على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، توجيه هذا المستوى من التهديدات، الردعية والدفاعية، ضد إسرائيل.

مع ذلك، كان «الخيار الحسيني» حاضراً وبقوة، في خلفية موقف نصر الله وفي صوغ مضمونه ــــ ونحن هنا نتحدث عن مضمون ثقافي يساهم بقوة في بلورة خيارات حزب الله ــــ الذي يبدو أنه استحضره في مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية، كردة فعل دفاعية: «عندما يضعنا طواغيت العالم أمام الحرب كما يفعل ترامب، كما يفعل نتنياهو... إما الحرب وإما الاستسلام، إما الحرب وإما الذل… موقفنا يا أبا عبد الله هو موقفك آلا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السِلة والذلة وهيهات منا الذلة».

أراد السيد نصر الله، من خلال ذلك، إضفاء الطابع الحسيني على خيار المواجهة التي قد تفرضها إسرائيل على حزب الله ولبنان. لأنه يرى فيها تجسيدا عملياً للخيارات التي كانت أمام ثوار كربلاء «أما السّلة أو الذلة».

عدم فهم منطق حزب الله أوقع الإسرائيلي سابقاً في تقديرات خاطئة

ربما لا يدرك القادة الإسرائيليون (وغيرهم) الدلالات التي ينطوي عليها قرار حزب الله في إضفاء هذا الطابع على خيار مواجهة أي حرب إسرائيلية، وتحديدا لجهة المدى الذي يمكن أن تبلغه المواجهة. وقد ثبت في المحطات السابقة، وصولا إلى عام 2006، أن الأخطاء التي وقع فيها الإسرائيلي، وغيره أيضا، كان منشؤها من ضمن أمور أخرى، عدم فهم الرؤية التي ينظر من خلالها حزب الله إلى التحديات والتهديدات، والمنطق الذي يستند إليه في مواقفه وخياراته، وهو ما أوقعهم في كثير من الأحيان، مع غيرهم، في تقديرات خاطئة تجسدت في محطات محددة من تاريخ الصراع في لبنان والمنطقة. والأمر نفسه ينسحب على تقديرهم الذي استبعد أن يتدخل حزب الله في المعركة الدائرة على الأرض السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية.

إذا ما أردنا أن نستخدم الأدبيات الأقرب إلى فهم الإسرائيلي، يمكن لصناع القرار في تل أبيب أن يتخيلوا ما الذي يمكن أن يتخذوه من قرارات فيما لو وجدوا أنفسهم بين خيارين فوريين: التهديد الوجودي أو الاستسلام. وهو بالضبط ما سيفعله حزب الله، بما يتلاءم مع قدراته وظروفه. يُضاف إليها استعداده لأعلى درجات التضحية في سبيل الدفاع عن المقاومة ولبنان، وطناً وشعباً وكياناً.

في المقابل، لا يعني المنطق الحسيني في المواجهة، بالضرورة، أن يكون خيارا استشهاديا، بل هو وفق المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها حزب الله، الخيار الذي يستند إلى عزم راسخ بتأدية التكليف الذي مهد له السيد نصر الله منذ الليلة الأولى من ليالي إحياء عاشوراء. والتكليف في هذه الحالة هو الدفاع عن لبنان والمقاومة مهما كانت الأثمان. لذلك، فهي مشروع نصر على إسرائيل. لكن هذا المشروع مقرون بأعلى درجات الاستعداد للتضحية وتقديم الشهداء.

يفترض أن تدرك إسرائيل ماذا يعني أن تقرر جماعة تملك هذا المستوى المتطور جدا من القدرات، أن تذهب حتى النهاية في الدفاع عن نفسها وعن وطنها وقضاياها.

كل من لديه أدنى معرفة – حتى لو كان من موقع المعادي أو الخصم السياسي – بتاريخ حزب الله وخياراته، يفترض أن يدرك بأن لدى الحزب ميزاناً دقيقاً يحدد في ضوئه مواقفه وخياراته. وحتى لو لم يكشف السيد نصر الله، ولا يفترض أن يفعل ذلك، عن المعطيات الخاصة التي استند إليها في تقديراته عن الحرب الإسرائيلية، إلا أنه من المؤكد بأن ما دفعه للكشف عن خياراته العملانية في مواجهة أي حرب إسرائيلية، يتجاوز المناسبة وما يحيط بها، وينبع من معرفة دقيقة للبيئة التي تحيط بلبنان، وما تنطوي عليه من تهديدات مصدرها بالدرجة الأولى العدو الإسرائيلي.

من جهة أخرى، ينبغي أن يكون حاضرا في وعي كل مراقب أن حزب الله لا يحتاج إلى تأجيج الموقف ضد الكيان الإسرائيلي، وتحديدا في هذه المرحلة التي يخوض فيها معركة المصير والمستقبل في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا والمنطقة. ولديه ما يكفي من التضحيات التي قدمها على هذا الطريق، لاستحضارها في هذه المناسبة كي يخاطب من خلالها وعي ووجدان قاعدته.

أكثر من ذلك. حزب الله أحوج إلى أن لا تُفتح عليه جبهة أخرى مع الكيان الإسرائيلي، في الوقت الذي ما زال يواصل إلى جانب حلفائه معركة الحسم ضد «داعش». وهو بالضبط ما حاولت إسرائيل، وما زالت، استغلاله كي تفرض معادلات جديدة في لبنان والمنطقة.

مع أن مواقف السيد نصر الله، بلغت مستويات من التحذير والتهديد للعدو الإسرائيلي، قلَّ نظيرها بالقياس إلى الرسائل التي وجهها في مراحل سابقة، لكنها تمحورت حول موقف الردع والدفاع. نعم،المواجهة نفسها قد تبلغ في مستويات محددة من الارتقاء خيارات ومديات تتسم بطابع هجومي مع إمكان اتساع دوائرها خارج أي رهان أو تقدير في تل أبيب، لكنها ستبقى في سياق وخدمة الردع والدفاع.

يعود ذلك إلى أن حزب الله عندما يجد نفسه أمام هذا المستوى من التحدي الذي تضعه أمامه تل أبيب ومعها واشنطن، بين خياري «الحرب أو الخضوع والاستسلام»، فإنه يرى في ذلك ساحة يترجم فيها كل مخزونه العقائدي والثقافي، وبأعلى درجاته. وفرصة لا تقتصر فقط على إسقاط الأهداف الإسرائيلية، بل الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.

في ضوء ما ورد، بات مفهوما تجاهل الخبراء والمعلقين الإسرائيليين التورط في تقدير أو تحليل خطاب السيد نصر الله. وعادة ما تكون هذه الخطوة نتيجة أملاءات الرقابة العسكرية، في انتظار تبلور التوصيات التي تحدد الملامح العامة، لأي مقاربة إسرائيلية لاحقا.

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2017/10/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد