آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. يوسف مكي
عن الكاتب :
دكتوراه في السياسة المقارنة - جامعة دينفر كولورادو. - رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الأسبوعية، ورئيس التجديد العربي ومشارك في مجلة المستقبل العربي أستاذ محكم بمركز دراسات الوحدة العربية. - عضو في العديد من اللجان والمؤتمرات. - صدر له مؤلفات منها ولا يزال البعض تحت الطبع.

هل يشكل القرار 2254 مدخلاً لحل الأزمة السورية؟

 

يوسف مكي

 

لعلها المرة الأولى، منذ اندلاع الأزمة السورية، قبل قرابة خمس سنوات، التي يصدر فيها قرار من مجلس الأمن الدولي، يرسم خريطة طريق للحل. لكن تعقيدات الأزمة، وطبيعة الاصطفاف حولها، وبعد الشقة بين صنّاع القرار الكبار تجاهها، جعل خريطة الحل، تحمل ثغرات كثيرة، عبرت عن تسويات ومساومات بين الفريقين الأميركي والروسي. وقد دفعت تلك الصياغة، بممثلي المعارضة والحكومة السورية على السواء، إلى إبداء تحفظات تجاهها.

 

لقد تمكنت روسيا الاتحادية من فرض رؤيتها وتعريفها، في أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل وشكل النظام في سورية. وذلك بالتأكيد مكسب للقيادة السورية. ولن يجدي المعترضين عليه، وصف ذلك «بالغموض البناء». فميزان خيار الشعب السوري، سيكون محكوماً بصناديق الاقتراع.

 

وليس هنا ما يشي بأن المعارضة، ستكون قادرة على تحقيق مكاسب سياسية، في ظل غياب استراتيجية فاعلة وموحدة من قبلها، تمكنها من منع الحكم، وأركانه من المشاركة في اللعبة الانتخابية.

 

كان قرار مجلس الأمن رقم 2254، حاصل توافق بين الكبار، على ترحيل نقاط كثيرة جوهرية، ومن دون ذلك، لن تكون هناك فرصة لصدور هذا القرار. وقد دفعت هذه الحقيقة، بكثير من المراقبين، لوصف قرار مجلس الأمن الدولي، بأنه الحد الأقصى الذي صعد إليه الروس، والحد الأدنى الذي نزل إليه الأميركيون.

 

أقر القرار برنامج فيينا الصادر في (14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي)، عبر رعاية دولية لمفاوضات بين الدولة السورية والمعارضة، لتشكيل حكومة خلال ستة أشهر، تطرح دستوراً جديداً للبلاد، وانتخابات بإدارة ورقابة الأمم المتحدة في 18 شهراً. وقررت واشنطن وموسكو، بدء المحادثات في جنيف في الأسبوع الأول من الشهر المقبل التي تأجلت على ما يبدو إلى منتصفه.

 

وبموجب قرار مجلس الأمن، تخلّت واشنطن عن مطلبها بتنحي الرئيس الأسد عن الحكم، بمجرد تشكيل الهيئة الانتقالية بعد انتهاء مرحلة التفاوض. وفي مقابل ذلك، وافقت موسكو على البرنامج الزمني للمرحلة الانتقالية، لكنها أصرت على ترك موضوع الرئيس الأسد معلقاً إلى حين الانتهاء من إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.

 

كسبت موسكو أيضاً، إشارة واضحة في قرار مجلس الأمن الدولي للحكومة السورية، بما يعني أن الغرماء يعترفون بشرعية الحكومة الحالية، على رغم اختلاف بعضهم حول سياساتها. وتمكن الروس من جعل الفترة الزمنية، لتشكيل الحكومة السورية الجديدة المقترحة مفتوحة، حيث رفضوا إدراج ذلك في قرار مجلس الأمن.

 

واقع الحال، أن روسيا تفضّل إرجاء تشكيل الحكومة السورية، إلى حين تمكن جيشها، عن طريق القصف الجوي، إسناداً للتحرك الأرضي للقوات السورية، من تدمير المعارضة، والقضاء عليها قضاء مبرماً... وعندها لا يبقى للمعارضة ما تتفاوض عليه.

 

ثغرة أخرى، لم تعالجها خريطة طريق مجلس الأمن، هي صيغة وقف إطلاق النار، مع انتشار قوى الإرهاب، على الأرض السورية. هل سيتم الانتقال السياسي في سورية قبل القضاء على الإرهاب أم بعده، وما صيغة تنفيذ الحل السياسي، في ظل سيطرة تنظيمي «داعش» وجبهة النصرة، على أكثر من نصف الأراضي السورية؟!

 

تؤكد القيادة الروسية، على لسان عدد من أقطابها، أن وقف إطلاق النار في سورية، لن يشمل القوى، التي يتفق على توصيفها بالجماعات الإرهابية. وفي هذا السياق، هناك اختلاف حول تحديد من هي القوى الإرهابية. فروسيا تطالب بإدراج «أحرار الشام» و»جيش الإسلام»، في تلك القائمة، بينما تطالب أميركا ودول عربية بإدراج الميليشيات التي تحارب إلى جانب الحكومة، ضمن تلك القائمة.

 

موضوع الاختلاف الآخر، الذي كسبت فيه موسكو، هو إصرارها على أن تشمل قائمة قوى المعارضة، المجموعات التي حضرت اجتماعات القاهرة وموسكو والرياض، وليس المجموعات التي شاركت في مؤتمر الرياض فقط. وقد أنيط للمبعوث الدولي، دي ميستورا مهمة الاختيار من المؤتمرات الثلاثة، ليشكل منها وفداً موحداً للمعارضة.

 

وافقت واشنطن على الاقتراح الروسي، بعدما حذف اقتراح روسي بأن يكون ضمن أعضاء الوفد مشاركون، بمؤتمر المعارضة، في دمشق للأحزاب المرخصة من قبل الحكومة السورية، ومؤتمر الحسكة الذي عقدته الإدارات الذاتية الكردية، بالتزامن مع مؤتمر الرياض، وانتخبت ما بات معروفاً بالمجلس السوري الديمقراطي. كما وافقت على اقتراح موسكو إضافة أسماء أخرى إلى الوفد المعارض.

 

تؤكد هذه القراءة أن روسيا كسبت كثيراً من قرار مجلس الأمن الدولي، وأن الولايات المتحدة، أقرت بالتغيرات التي طرأت في موازين القوى الدولية. فالدخول جديّاً في إجراءات العملية السياسية، لن يكون قبل ستة أشهر، والاجتماعات القادمة لن تكون سوى شراء للوقت.

 

وحين يتعلق الأمر بالجيش الحر، الذي جرى الحديث عن دمجه بالجيش السوري، فإن ذلك يشكل قوة مضافة إلى النظام. فهذا الجيش لن يتم إدماجه وفق إعادة هيكلة الجيش السوري، بل وفقاً للهيكلية القائمة. إن ذلك سيحل جزءاً من مشكلة الجيش السوري، من نقص الأفراد. وسيعيد الجنود الذين فرّوا من الجيش مجدداً إلى الخدمة بالجيش.

 

ومن جهة أخرى، فإن الحكومة، على رغم كل الأزمات التي واجهتها، لاتزال تمتلك عمق الدولة. وهي موحدة في قراراتها، بينما المعارضة مشتتة... واللجوء لصناديق الاقتراع، يعيد إلى الأنظار تجارب هذه الصناديق في تونس ومصر، حيث عادت القوى نفسها، التي قامت الحركة الاحتجاجية ضدها مجدداً إلى السلطة وإن بمسميات مختلفة.

 

الخلاصة، أننا أمام مرحلة سياسية جديدة، تبشر باعتماد جميع الفرقاء الغارقين بالأزمة، للحلول السلمية. ولعل قرار مجلس الأمن الدولي سالف الذكر، يشكل خطوة جدية للحل، على طريق الألف ميل، حقناً للدماء العربية، وحماية للأمن القومي العربي، وصوناً للأرض والعرض، وليعود لأبناء سورية العزيزة الأمل والبهجة والفرح.

 

الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/01/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد