آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شافي الوسعان
عن الكاتب :
كاتب سعودي (الشرق سابقاً - الوطن حالياً)

جامعة الحفر وأحكام قراقوش

 

شافي الوسعان

قراقوش هذا شخصية تاريخية عرفت بجهلها وغرابة أحكامها، إلى درجة أن الناس إذا أرادوا التعبير عن حكم غريب قالوا عنه: (حكم قراقوش)، ومما يُذكرُ عن قراقوش أن أحدهم أتاه شاكياً على شخص آخر بسبب أنه لا يقوم بدفع ما اقترضه منه، فاحتج المدين بأنه كلما جمع لصاحب الدين شيئاً من المال وذهب إليه لم يجده؛ ثم لا يأتيه الدائن إلا في وقت يكون فيه قد صرف كل ما جمعه من مال، فكر قراقوش في الأمر ثم أمر بالدائن أن يُسجَن حتى يضمن مدينه العثور عليه في حال ما أتاه ليرد له ماله! وأمام هذا الحكم الجائر لم يجد الدائن بداً من أن يتنازل عن دينه.

كثيراً ما تنتصر أحكام قراقوش –عن جهل– للجلاد على حساب الضحية، ولو أردت أن أزيد أمثلة أكثر لانتهت مساحة المقال قبل أن آتي على بعض ما أعرف، كما أني لا أريد الحديث عن هذه الشخصية، بقدر ما أود التأكيد على أنه بالرغم من رحيل قراقوش إلا أن أحكامه ستبقى ماثلة بجهلها وغرابتها، وستظل تنثر فكاهتها بين باكٍ ومستنكر، وما يجدر ذكره أن بعض المؤرخين يقول عن هذه الشخصية إنها قد ظُلِمت، وإن قراقوش هذا وزير لصلاح الدين، رأى فيه بعض السياسيين آنذاك منافساً خطيراً لهم، فلما هزمهم في ميدان السياسة، أرادوا الانتقام منه، فعملوا على تشويه سمعته وتسويد تاريخه، حتى إن أحدهم ألَّف كتاباً يروي فيه هذه الحكايات عن أحكام قراقوش.

لا يهمنا في هذا المقال أحكام قراقوش سواء أكانت حقيقة أم خيالا، المهم أن هذه الأحكام طارت بها الركبان، وأصبحت مضرب الأمثال، فكلما وجد الناس حكماً غريباً أو مستهجناً عادت بهم الذاكرة إلى (قراقوش)، ولعل الحكم الصادر عن جامعة حفر الباطن بحق طلابها قبل أيام لا يختلف كثيراً عن أحكام قراقوش، فعندما اكتشفت إدارة الجامعة تسريباً لأسئلة اثنين من المقررات بعد نهاية الاختبارات، فإنها بدلاً من البحث عن المتسببين في هذا التسريب ومساءلتهم، والاعتذار مما قد يترتب عليه من تبادل مراكز بين الطلبة، ومصادرة جهود المجدين على حساب المهملين، خصوصاً أن هذا الخلل يأتي من جهة يفترض لها أن تتمتع بأعلى درجات العدالة والنزاهة، إلا أن الجامعة فاجأت الجميع بتنصلها من المسؤولية، وإلقاء اللائمة على الطلبة، كما لو أن الحفاظ على سرية الأسئلة هو من مسؤوليات الطلبة لا الجامعة! حتى إنها قررت معاقبة طلبتها بتحديد موعد جديد للاختبارين البديلين! مع العلم أن هذين الاختبارين المسرَّبين بينهما يومان! فلا أدري أي جامعة تتسرب فيها الاختبارات بهذه السهولة، ثم لا يُكتشَفُ ذلك إلا بعد يومين من الاختبار؟! أما كيف تم تحميل الطلبة مسؤولية هذه الفضيحة، فتلك معجزة لم أجد لها مثيلاً في أحكام قراقوش نفسه.

من الظلم الذي ليس بعده ظلم؛ أن طالبا جد واجتهد وتعب وسهر وذاكر، فلما أحسَّ أنه قد خلع عن ظهره عبء فصل دراسي كامل، أتى من يعيد الأحمال إلى ظهره، ويحمِّله أوزار غيره، مع أن العدالة هي من أهم القيم التي تعمل التربية على تعزيزها في نفوس الطلبة، وإن من أبسط مبادئها ألا تزر وازرة وزر أخرى، فلا تكون العقوبة جماعية، ولا يؤخَذ غير المذنبين بجريرة غيرهم؛ فيحاسَب من الطلبة غير المتورطين بحالة غش مثبتة أو مخالفة في أثناء الاختبار أو قبله، كما أن الواجب في حال إثبات الحادثة أن تكون العقوبة بالترسيب أو الخصم في هذا المقرر،لا الإعادة، ومن المفترض ألا يُلزَم الطلبة بإعادة الاختبار بعد انقضائه مهما تكن الأسباب، فإن معرفتنا بآثام الغش لا تدعونا إلى أن نأخذ المصيب بالمخطئ، ولا المجتهد بالمهمل، ولا الأمين بالغاش، وإن الخطأ في العفو عن ألف مذنب أهون من الخطأ في عقوبة بريء واحد، لكن ما حدث من إدارة الجامعة هو العكس من هذا تماماً مع الأسف الشديد.

في المقطع المسرَّب عن اجتماع أحد المسؤولين في الجامعة مع الطلبة من أجل إقناعهم بالإعادة، اعترف ذلك المسؤول بعملية التسريب وأن المستفيدين منها عدد معين من الطلبة، ومع ذلك قرر الإعادة للجميع! ثم قال في محاولة منه لانتزاع مبرر من أحد الطلبة: هل ترضى أن يحصل طالب أقل منك في المستوى على درجة أكبر من درجتك؟! مع أنه لو أنصف لسأل نفسه هذا السؤال، ولعلِمَ أنه بذلك إنما يجعل العربة أمام الحصان، فيجعل من السبب نتيجة ومن النتيجة سببا!


 
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/01/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد