آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي الصالح
عن الكاتب :
كاتب فلسطيني

«الأصبع الإسرائيلي»


علي الصالح
 
الأنظمة ومن يدور في فلكها من المطبلين والشيوخ الكسبة والمنتفعين والمتأسرلين وغيرهم، للأسف لا يتعلمون، بل لا يريدون التعلم لا من تجاربهم ولا من تجارب غيرهم، والدليل الحي هو «الأصبع الإسرائيلي في عين أبو ظبي».

وعين أبو ظبي هي عين حاكمها الفعلي محمد بن زايد، رحم الله والده الشيخ زايد آل نهيان، الذي كان يطلق عليه «حكيم العرب» وما كان ليقبل بما يفعله ابنه بالانفتاح على دولة الاحتلال أمنيا وغير ذلك، على حساب الشعب الفلسطيني المحتل. فرغم الاتصالات السرية القوية مع دولة الإمارات خلال حكمه، فإن دولة الاحتلال لم ترحم محمد بن زايد ولم تقدر وضعه، ولا رغبته في التطبيع معها على نار هادئة.. فجازته بهجوم لاذع شنته وزيرة الثقافة والرياضة والشباب الإسرائيلية، ميري ريغيف، على إمارة أبو ظبي.

وللتعريف فريغيف هي من حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، الذي يروج المطبعون الخليجيون، تبريرا للتغييرات التطبيعية في سياساتهم، لقدرته على تحقيق «السلام»، ظنا منهم أن اليمين المتطرف في إسرائيل هو الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق ما فشلت في تحقيقه حكومات حزب العمل، التي تدعي العمل من أجل السلام.

هذا الاعتقاد الخاطئ نابع من تجربة معاهدة كامب ديفيد بين مصر السادات وإسرائيل مناحيم بيغن، ذلك الإرهابي القاتل حتى بمقاييس دولة الانتداب بريطانيا، التي ظل بالنسبة لها إرهابيا مطلوبا حتى بعد تسلمه مقاليد السلطة عام 1977. ولكن الأوضاع في حينها تختلف عما نحن فيه الآن، فليس هناك ما يستدعي إسرائيل في الوقت الحاضر، أن تدخل تجربة «سلام» ثانية، بعد نجاحها في إخراج مصر من الصف العربي، إذا كان بإمكانها إخراج النظام العربي الرسمي عامة والخليجي خاصة، من المعادلة بدون حاجة لتقديم أي تنازلات في الموضوع الفلسطيني.

وما قالته ريغيف يتعلق بمسابقة رياضية غير واضحة المعالم، استضافتها إمارة أبو ظبي تحت ستار من السرية والكتمان. والضجة التي أثارتها ريغيف وفضحت فيها مضيفي المسابقة الرياضية سببه التعتيم، حسب زعمها، الذي فرضه المسؤولون في إمارة أبوظبي على البعثة الرياضية الإسرائيلية ومنعها من رفع علمها عاليا، وعزف نشيدها القومي خلال المسابقة. ولسوء حظ أبوظبي أن الفريق الرياضي الإسرائيلي فاز بميدالية ذهبية وأخرى برونزية في مباريات الجودو، التي وصفتهما ريغيف بـ«إصبع في عين أبو ظبي». وقالت محتجة أن العلم والنشيد القومي الإسرائيليين يرتفعان عاليا في كل مكان، ما عدا في مرافق أبو ظبي التي وصفتها بـ«منصة الظلمة والإقصاء» المنافية للروح الرياضية الأوليمبية. وتابعت «من ظن أنه يمكن إذلال إسرائيل فقد تلقى إصبعا إسرائيليا في العين»، رغم أن القناة الإسرائيلية العاشرة كانت تبث وقائع المباراتين نقلا مباشرا من أبوظبي.

الإمارات أرادت العمل بهدوء في تطوير علاقاتها مع دولة الاحتلال، وهذا لم يرض إسرائيل التي تريد حكومتها أن تخرج إلى العلن بالعلاقات مع دول عربية، وتحديدا خليجية، تفاخر نتنياهو غير مرة بأن هناك علاقات قوية تربطها بإسرائيل، هذا أولا، وثانيا أن تثبت للعالم أن ربط حل القضية الفلسطينية بالتطبيع مع الدول العربية والإسلامية، كما تنص مبادرة السلام الغربية غير صحيح، لأن العلاقات والتطبيع قائمان فعلا.

الأنظمة الغربية فعلا لا تتعلم ولا تريد أن تتعلم… فرغم تجربة المطبعين السعوديين، الذين زار بعضهم دولة الاحتلال ممثلين بأنور عشقي، الذي تحول من جنرال إلى رئيس مركز أبحاث في جدة، رغم هذه التجربة الفاشلة، فتح أحد زبانية البلاط البحريني، وهو حسب تقديم القناة له باحث وكاتب سياسي اسمه عبد الله الجنيد، وهو كما يبدو جديدا على الصنعة، فتح خط اتصال بين تل أبيب والعاصمة البحرينية المنامة. وبثت القناة الإسرائيلية العاشرة مقابلة مع هذا الباحث، الذي قال عنه محلل الشؤون العربية في القناة العاشرة تسفيكا يحزقيلي، إنه «صحافي بلاط العائلة المالكة» في البحرين التي تدعو للتطبيع مع إسرائيل، وتدين من يرفضه كما نقل على لسان الملك عيسى بن حمد آل خليفة. وأن هذا الصحافي «تلقى أمرا بالتحدث إلى وسيلة إعلام إسرائيلية».

وحسب يحزقيلي المعروف بكراهيته للعرب عموما والفلسطينيين خصوصا، وهو من خريجي المؤسسة الاستخباراتية الإسرائيلية، فقد عبر الجنيد عن سعادته بالحديث معه، وبدأ الحديث بديباجة التهديد الإيراني المباشر على الأمن القومي لإسرائيل ودول خليجية، قبل أن يجره يحزقيلي للحديث عن حركة حماس و«إرهابها» وتهديدها لإسرائيل، عندئذ قال صحافي البلاط البحريني بما معناه هذا شأنكم… وزاد شارحا أسباب قبول حماس للمصالحة، وكأن يحزقيلي بحاجة إلى شخص مثله ليفسر له مبررات المصالحة بين حماس وفتح. وفي ما يفهم منه حث على ضرب المقاومة، قال الجنيد إنه «الآن دوركم. حماس لم تتصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلا بعد أن تم عزلها عن ممولها الأساسي، طرفي الإخوان المسلمين، وأقصد تركيا وقطر. وعندما تحقق ذلك وجدت أن عليها إعادة تقييم موقفها السياسي فانفتحت وتصالحت».

وكأن صورة الانفتاح على إسرائيل، لا تكتمل إلا باكتمال أضلاع مثلث التحالف الخليجي الجديد. وحسبما رشح من أخبار مصدرها إسرائيلي، فإن هناك تعاونا بين إسرائيل والسعودية في مشروع «مدينة المستقبل» التي يخطط العهد السعودي الجديد لإقامتها، كمحاولة للانفتاح على العالم الخارجي، بربطها مع مصر، عبر جسر طوله عشرة كيلومترات فوق البحر الأحمر. إذ ليس هناك وسيلة لإقامة مثل هذا الجسر إلا بموافقة إسرائيل، التي منحها اتفاق كامب ديفيد طريقا للوصول للبحر الأحمر.

ومن شأن الجسر المقترح إغلاق هذا الطريق. لذلك يرى يورام ميطال، رئيس مركز حاييم هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في النقب، أن موافقة إسرائيل على المشروع مسألة حاسمة. ويرجح أن تكون الرياض وتل أبيب قد ناقشتا العلاقات بينهما وإنشاء هذا الجسر عبر قنوات سرية. وهناك من يربط بين هذا المشروع، وما أشيع إسرائيليا أيضا عن زيارة سرية لتل أبيب قام بها أمير في البلاط السعودي قالت مصادر إعلامية انه ولي العهد محمد بن سلمان، وبعد ستة أسابيع من الخبر،نفت السعودية النبأ.

لكن ما لا يعرفه أصحاب مشروع مدينة المستقبل، أن المياه لا تجري دوما كما تشتهي السفن. فمن قبلها شقت إسرائيل بعد اتفاق أوسلو ما سمته طريق السلام، الذي كانت تأمل أن يوصل تل أبيب بعمان والعواصم العربية من ورائها.. ولكنها في النهاية أفشلت السلام وأفشلت طريقه. والضوء الأخضر الذي حصل عليه مخططو مدينة المستقبل لن يكون نهاية المطاف ولن يكون الضمانة لنجاحه.

وأخيرا هل يمكن أن يأتي اليوم الذين نصبح فيه قادرين على التعلم واستيعاب العبر مما يدور ويقال من حولنا؟

التجارب السابقة تؤكد أننا تجاوزنا خط التعلم ووصلنا حد العجز. فمحاولات التطبيع التي تقوم بها أنظمة وأفراد بدفع من حكوماتهم، واللهث وراء رضى دولة الاحتلال بدون مقابل، وبحجج واهية لا تقنع حتى أصحابها ومردديها، تؤكد أن هؤلاء حقا قطعوا الخط الأحمر منذ زمن ولا مجال للعودة إلى الوراء، لاسيما في موضوع التطبيع مع دولة الاحتلال التي يرى فيها البعض المنقذ لهم من «البعبع الإيراني». باختصار ليس لإسرائيل صاحب ولا كبير سوى إسرائيل نفسها، فحتى الولايات المتحدة الراعي الأكبر والمدافع الأول عن كل ممارسات الاحتلال المخالفة لكل القوانين والشرائع الدولية، لا تأتمن إسرائيل جانبها، فتزرع في أجهزتها الأمنية الجواسيس والعملاء العاملين لحسابها من أمثال جوناثان بولارد. وإسرائيل التي تحتل أرض شعب بكامله وترفض الانصياع لنصائح الأصدقاء بالمطلق، لن يردعها رادع بفضح حتى المتعاونين معها وكشف عوراتهم، لاتفه الأسباب، إذا كان في ذلك مكسب لها على المدى القصير طالما تعرف جيدا أن مكاسبها على المدى البعيد محفوظة والنسيان كفيل بها والفضل في ذلك يعود إلى قصر ذاكرة العرب.

نتمنى على أخواننا الخليجيين المتلهفين للتطبيع مع دولة الاحتلال وكسب ودها ورضاها بحجج واهية عدة، أن يلتقطوا الأنفاس قليلا وان يتعلموا كيف يسوقون أنفسهم وتطبيعهم ويرفعوا سقف أثمانهم.. فكلما زاد الثمن ارتفعت قيمتهم… ولكن من يبيع نفسه برخص فسيبقى رخيصا.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/10/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد