التقارير

تقرير خاص: ذكرى #وعد_بلفور.. تواطؤ الانظمة العربية يستمر

 

مالك ضاهر ..

مرت الذكرى المئوية للوعد البريطاني للصهاينة بإقامة كيان لهم على أرض فلسطين والمسمى بـ"وعد بلفور" في ظل انقسام حاد تعيشه الأمة اليوم بين من ما زال يرفع راية القضية الفلسطينية وبين من يلث وراء الكيان الإسرائيلي سعيا لإقامة علاقات معه وتطبيعها على مسمع العالم كله وبالتحديد الشعب الفلسطيني الذي يستمر حتى الساعة وسيبقى يدفع لأجل  غير مسمى ثمن الوعد البريطاني للصهيونية العالمية.

وإن كنا لا نستغرب المواقف البريطانية تاريخيا وحتى اليوم وكذلك مواقف الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، نتيجة المصالح المتبادلة لهم مع الصهاينة ومصالحهم في إقامة هذا الكيان في هذه المنطقة، إلا أندالمستغرب لماذا يسعى البعض لإقامة هذه العلاقات مع الكيان الإسرائيلي؟ وأي مصلحة ستدرها عليهم هذه العلاقات؟ ولماذا قرر البعض التخلي عن القضية الفلسطينية ولعب الدور الهام في تصفيتها وطمسها؟ وأي ثمن سيكون بديلا عن فلسطين؟

 

مصلحة "إسرائيل" أولا..

الحقيقة أن بعض الأنظمة العربية سارت تاريخيا بالتسوية مع "إسرائيل" ووقعت اتفاقيات "هدنة وتسوية" من دون أن تحقق لنفسها ما يجب أن تكسبه أي دولة جراء أي اتفاقية دولية تقعدها، فلو أخذنا بعض الدول كمصر أو الأردن ممن وقع معاهدات سلام لا نجد أن هذه الدول حققت التقدم المطلوب على الصعد المختلفة سواء العلمية أو الاقتصادية أو العسكرية وحتى الأمنية الداخلية، بل جل ما تحقق هو مصلحة خالصة صافية لـ"إسرائيل" حيث شكلت كلتا الدولتين-أي مصر والإردن- حديقة خلفية لحماية الأمن القومي الإسرائيلي أو منطقة فصل أو شريط كبير عازل لحماية الأمن الإسرائيلي وباتت تلعبان دور حرس حدود لحماية الكيان الذي قام على انقاض فلسطين.  

وحتى على الصعيد السياسي لم تحصل أن قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وحتى "إسرائيل" الدعم السياسي للقادة والحكام الذي رهنوا أنفسهم وبلادهم لحسابات واشنطن وتل أبيب ومصالحهما، بل أن التجربة أثبتت أن الحماية لبعض الرؤساء والحكام كانت محض صورية وشكلية وعندما تحركت الشعوب وعندما حان موعد التغيير وفقا للأجندة الأمريكية رحلت بعض الوجوه التي عملت لعشرات السنين لمصلحة أمريكا وإسرائيل، فالواقع أظهر أن السلطة العربية مليئة بالشخصيات الجاهزة لبيع المبادئ والقيم والانقلاب على الثوابت سعيا للوصول إلى السلطة.

 

الرهان السعودي الخاطئ..

من كل ذلك يجب تنبيه بعض الحكام في الخليج وبعض الأنظمة لا سيما في المملكة السعودية أن كل السعي لارسال إشارات ايجابية باتجاه المحور الأمريكي الإسرائيلي لن يجدي نفعا في خدمة مصالحكم وإنما هذا المحور سيستخدمكم كما فعل مع غيركم وسيفك الارتباط معكم عند أول فرصة تفرضها مصالحه دون النظر لحجم الخدمات التي حصل عليها، فمن يظن أن قمع الداخل السعودي عبر تكثيف واستمرار الاعتقالات بحق التيار الوهابي السلفي(الذي طالما استخدم داخليا لقمع باقي فئات الشعب ومكونات المجتمع الأخرى)، سيعطي صورة جميلة وجدية عن المملكة قد تغري تل أبيب هو واهم ومخطئ، وكذلك من يعتقد أن مشاريع كمشروع "نيوم" سيجعل الرضى الإسرائيلي عن البعض حاضر وجاهز نتيجة المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية التي ستنالها "إسرائيل" فهو أيضا مشتبه، وكل ذلك ستظهر الأيام أنه رهان على سراب، لأن الإسرائيلي صحيح أنه لن يفرط بمثل هذه المخططات والمشاريع بل هو سيعمل على نيل مكاسبه وحصته ومصالحه منها، إلا أنه بعد ذلك لن تهمه أي نتائج أخرى ولن يحسب حساب لحلفائه الجدد كما لم يفعل مع أسلافهم في أكثر من نظام عربي وخليجي تحديدا.

فالإسرائيلي قد يحسب ألف حساب لمن يضع يده على المخاوف الحقيقة للكيان المحتل، وإسرائيل قد تهاب من يشكل لها تهديدا عسكريا وسياسيا وأمنيا واقتصادي في لحظة ما، وهي من هنا تخاف الكلمة الحرة والصوت الذي ما زال يدوي رفضا لوعد بلفور أو لاحتلال الأرض الفلسطينية وينادي بضرورة استمرار العمل المقاوم للحفاظ على القضية المركزية والأساس للأمة وينادي بالحقوق والثوابت الفلسطينية وفي طليعتها حق العودة، أما من تخلى اليوم وفي الماضي القريب والبعيد عن فلسطين وباع القضية بثمن بخس فلن يكون له قيمة مضافة لدى الإسرائيلي ولن يخسر عند الإطاحة به واستبداله بلحظة ما، وإن كان سيستخدم كجسر عبور للتقدم خطوة باتجاه محاربة الفلسطينيين والعرب والمسلمين أو لتمرير مشروع هنا ومؤامرة هناك.

 

لمن تحسب "إسرائيل" ألف حساب؟!

والقادة الصهاينة اليوم يدركون كما في الماضي أن من يجلسون على كراسي الحكم في كثير من الأنظمة العربية والخليجية وبالتحديد المملكة السعودية ما عادت تشكل لهم القضية الفلسطينية أي شيء وأن كان هناك من بات يتبجح أنها أصبحت في المقام الثاني ويتقدم عليها الخطر الإيراني، لذلك تجد حكام المملكة لا يذكرون فلسطين لا في الخطابات الرسمية والخاصة ولا في كلماتهم العامة كما يتناولون إيران ومعاداتها، بينما إيران لا تترك فرصة إلا وتتماهى في القضية الفلسطينية وتتقارب مع فصائل المقاومة في فلسطين ومع كل طرف أو جهة تحمل مشروع المقاومة في أي بقعة من بقاع الأرض.

واليوم باتت تتجلى أكثر  فأكثر مؤشرات التواطؤ على القضية الفلسطينية، وطلب التطبيع والعلاقات مع العدو ما هو إلا نتيجة طبيعية لترك فلسطين وشعبها طوال عشرات السنين أمام آلة القتل الإسرائيلية وعدم مناصرة هذه القضية سوى ببعض الشعارات التي أفلت مع مرور الزمن، ومع إحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور لا بد أن يذكر للتاريخ أن بعض الأنظمة بدلت هويتها في العلن وبعضها فعلها بالسر وأنغمس في مشاريع مشبوهة وحروب مجانية في مختلف دول المنطقة لا لمساعدة هذه البلدان أو شعوبها إنما خدمة لمشاريع بعض الأفراد من الحكام في تنفيذ مباشر لرغبات وأوامر أمريكية وبريطانية تصب في تحقيق مصالح الصهيونية.

فوعد بلفور صدر قبل عام صحيح إلا أن تنفيذه يستمر حتى الساعة ويشارك فيه اليوم كل من لا يناصر القضية الفلسطينية وكل من لا يضع فلسطين في رأس أولوياته وكل من يعمل لتقديم مبادرات للسلام فوق الطاولة وتحتها بغية تحقيق مصالح ضيقة جدا، فالواقع أن على البعض مراجعة سريعة لحساباتهم والتدقيق في الوعود التي قطعوها أمام من يعتقدون أنهم سيحققون لهم مصالحهم، وعلى هؤلاء العودة للرهان على فلسطين لأن التجربة والتاريخ أثبتا أن من راهن عليها ربح وانتصر ومن تاجر بها خسر وانكسر.

أضيف بتاريخ :2017/11/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد