آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد النبي العكري
عن الكاتب :
كاتب وناشط حقوقي بحريني

خيارات العربي الصعبة

عبدالنبي العكري

ونحن في بداية عام جديد، فيتوجب على الدول والمؤسسات والشركات والأفراد وأي كان أن يراجع حسابات الماضي، ويخطط للمستقبل ويتخذ قرارات في ضوء ذلك. العرب وهم في أسوأ وضع منذ قرون عليهم أن يمتلكوا الشجاعة والعقل والإرادة لاتخاذ قرارات وخيارات صعبة.

 

أول هذه الخيارات: هل يستمرون في وضعهم الحالي أم يغادرونه؟

 

وفي ظل الأوضاع العربية المتشابكة، فما هي القرارات التي ستتخذ على المستوى الوطني، ثم المستوى الإقليمي، ثم المستوى العربي ومحيطه الدولي. اليوم تتراوح أوضاع البلدان العربية من واقع حرب أهلية ضروس كما هي في سورية وليبيا والعراق، أو عمليات مسلحة كما هي في مصر ولبنان والسودان وتونس، أو مسرح لعمليات إرهابية كما في جميع البلدان المذكورة، إضافة إلى غيرها مثل الكويت والسعودية والجزائر، وقد تمتد إلى بلدان أخرى.

 

وباستثناء المغرب وتونس وعمان حيث يوجد توافق سياسي معقول، فليس هناك توافق سياسي في باقي الدول العربية، بل إن التوترات تسود بين النظام والمعارضة إن وجدت، وحتى أنها وصلت إلى شلل تام للنظام السياسي كما في لبنان.

 

وفي معظم البلدان العربية، باستثناء الإمارات والكويت وقطر، فإن هناك أزمة اقتصادية واجتماعية وتعثراً للتنمية والبطالة بدرجات متفاوتة.

 

ويترافق ذلك مع تراجع الوحدة الوطنية، وانقسامات عمودية دينية وطائفية ومذهبية وعرقية، تزيد من حدة الصراعات الداخلية، وهي من أسبابها أيضاً، واتخذت في بعض الأحيان التطهير العرقي، والمذابح، والتهجير. ولقد ترتب على هذه الأوضاع المتدهورة، هجرة لا سابق لها في التاريخ البشري، فنصف الشعب السوري مهجر، وملايين السوريين والعراقيين والليبيين وعرب آخرون، هجروا إلى البلدان العربية، وأبعد من ذلك مئات الألوف إلى البلدان الغربية وخصوصاً أوروبا. والسبب هي الحروب والنزاعات وأيضاً البطالة والفقر، والاضطهاد السياسي.

 

إذاً، هل تراجع الدول العربية، حكومات ومعارضة ونخباً ومفكرين، أنفسهم في هذه الأوضاع، ويتوصلوا للاستنتاج أن ذلك غير طبيعي، ولن يؤدي إلى انتصار طرف على آخر؟ وحتى لو تم ذلك، فستظل النار تحت الرماد، مادامت لم تحل المعضلات الأساسية، وهي في تأسيس نظام للدولة والمجتمع قائم على العدالة والحرية والديمقراطية والمشاركة والمواطنة المتساوية وغيرها من القيم الإنسانية.

 

أما السؤال الثاني، فيتعلق بالتدخلات العربية العربية، والإقليمية العربية، فهل تراجع هذه الأطراف العربية الإقليمية ذاتها، وتدرك مدى خطورة هذه التدخلات وتأثيراتها في تصعيد الصراعات الداخلية، بما في ذلك إمكانية ارتداد هذه التدخلات إلى بلدانها؟ فالاضطرابات الأمنية، وعدم الاستقرار السياسي، والاستنزاف الاقتصادي، يطال كل الأطراف المتورطة في الصراعات. هل تدرك القوى الإقليمية خطورة ذلك وتتفكر في الأمر؟ وبدلاً من تصعيد الصراعات بينها، واتخاذ بلدان الأزمات مواقع لصراعاتها، بأن تجلس إلى طاولة المفاوضات، وتسهم في إطفاء النيران، والمساعدة في إعادة السلام لهذه البلدان المشتعلة، وتعاونها في إعادة بناء النظام السياسي ليمثل الجميع، وتسهم في إعادة الإعمار. هذا ما اتفق عليه الحلفاء الغربيون في يالطا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في التعامل مع البلدان المهزومة، وكذلك مجمل أوروبا، إلى حد تحييد النمسا، في وسط أوروبا وإطلاق مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا وإحياء اقتصادها وبالنسبة لمنطقتنا فإن توافق السعودية وإيران وتركيا ومصر ضروري للخروج من النفق بالنسبة للقوى العظمى، فرغم أنها تتدخل عسكرياً وأمنياً وسياسياً في بلدان الأزمات العربية، وفي الشأن العربي، بحجة محاربة الإرهاب والتكفيريين وخصوصاً داعش والقاعدة، فإن لكل منهم أجندته الخاصة، وكل منها وخصوصاً أميركا وروسيا، تريد أن تحدد مستقبل أكثر من بلد عربي، وتصوغ أنظمة ما بعد التسوية تابعة لها، وتحقيق الأرباح والمكاسب في مرحلة السلام كما في مرحلة الحرب. أما إسرائيل فهي تعمل على تسعير الصراعات وتوريط مزيد من الأطراف فيها، وتستفرد بالشعب الفلسطيني، وتعيد ترميم علاقاتها مع تركيا وغيرها، مستفيدة من تصاعد الخلاف بين تركيا وبلدان عربية مثل سورية والعراق.

 

إذاً، على القوى الكبرى أن تدرك تسعير الصراعات في البلدان العربية سيرتد عليها أيضاً، فالبلدان العربية هي مصدِّر أساسي للنفط والغاز وسوق هائلة، وهي موقع لخطوط الملاحة الدولية، والإبقاء على الوضع الحالي وتصعيده سيلحق أضراراً بليغة ليس بالعرب وحدهم بل بالعالم. كما إن الأوضاع البائسة الحالية، تدفع بملايين المهاجرين إلى أوروبا خالقين بذلك مشكلة كبرى، وكذلك تدفع بالمتطرفين لعمليات إرهابية كما هو حاصل فعلاً.

 

هناك جهود دولية لإيقاف الحروب في المنطقة، لكنها جهود لا تترافق مع إجراءات وطنية على الأرض، ولا جهود إقليمية ودولية لوقف التدخلات في ظل استقطاب إقليمي ودولي خطير، وتشجيع للأطراف المتصارعة للتصلب، ولذلك فهذه الجهود تدور في حلقة مفرغة، ويذهب وسيط دولي ويأتي آخر، والأزمة لا تتحلحل.

 

الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/01/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد