آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عصام خليفة
عن الكاتب :
* أمين الإعلام في الجمعية التاريخية اللبنانية

دفاعاً عن حدود الدولة اللبنانية


عصام خليفة

يشبّه أحد الباحثين الألمان حدود الدول بجلد الجسم، فإذا التهب الجلد التهب الجسم. من هنا، واجب الدول أن تهتم بحدودها وأن تسهر على الوثائق المتعلقة بها. وقد اتفق المتخصصون على أن كل خط حدودي بين دولتين يمر بمراحل عدة:

ــ التعريف Définition، ويتمثّل بتسمية الأماكن الطبيعية (قرى، مدن، أنهر، جبال... إلخ) التي يمر بها هذا الخط.

ــ التحديد Délimitation، ويتجسد بنقل لجنة من الخبراء ما تم الاتفاق عليه نظرياً إلى الخرائط، أي خط الحدود برسم على الخريطة.

ــ الترسيم Démarcation، وهذا يعني الانتقال من الخرائط إلى التطبيق الميداني على الأرض، إذ يضع مسّاحون وطوبوغراف وعسكريون وخبراء نقاطاً مرقّمة على امتداد الخط الحدودي. وتكون هذه النقاط مرقّمة وبارزة للعيان ويجب أن تشاهد هذه النقاط بين الواحدة والأخرى. وثمة نقاط أساسية، وبينها هناك نقاط ثانوية، ولكل نقطة إحداثية معينة، ويوضع محضر خطي مع أرقام وإحداثيات النقاط الحدودية مرفقة بخريطة موقّع عليها بين الأطراف المعنية بخط الحدود.

ــ التثبيت Fixation، يودع الاتفاق الخطي مع أرقام النقاط الحدودية وإحداثيّاتها وخرائطها وتواقيع ممثلي الدول المعنية لدى دائرة الخرائط في الأمم المتحدة، وسابقاً في عصبة الأمم.

ــ الإدارة Administration، تحافظ السلطات الحكومية من جهتَي الحدود على نقاط الحدود الأساسية والثانوية وتقوم على تجديدها ورعايتها واحترامها.

إذا انطلقنا من هذه المعايير العامة في القانون الدولي وطبقناها على الحدود الجنوبية للدولة اللبنانية، فماذا نلاحظ؟

1ــ تعريف الحدود اللبنانية عامة حدث من خلال القرار 318 الذي أصدره الجنرال غورو في 31 آب 1920 مع خريطة مرفقة بالقرار (1).

2ــ عملية التحديد: في 23 كانون الأول 1920 تم اتفاق بين فرنسا وبريطانيا حددت فيه الحدود بين دولتي سوريا ولبنان الواقعتين تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وفلسطين الواقعتين تحت الانتداب البريطاني، من جهة أخرى. وقد نصت المادة الثانية من هذا الاتفاق على تأسيس لجنة خلال ثلاثة أشهر ترسّم الخط الحدودي على الأرض وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى (2).

3ــ عملية الترسيم: في أول حزيران 1921، اجتمعت لجنة ترسيم الحدود وبدأت عملها (برئاسة Paulet عن فرنسا وNew comb عن بريطانيا)، وفي 3 شباط 1922، وقّع المسؤولان الفرنسي والإنكليزي اتفاق ترسيم الحدود وقد حمل العنوان الآتي "التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة، وفلسطين من جهة أخرى". وفي 7 آب 1923، أبرمت الاتفاقية وأصبح هذا الترسيم معمولاً به ابتداءً من 10 آذار 1923 (3). وعدد النقاط بين لبنان وفلسطين 38 نقطة، ولكنْ هناك حدود لبنانية ــ فلسطينية بعد هذه النقطة (قرية النخيلة)، لكنها لا تصل إلى النقطة 39 التي تقع بين سوريا وفلسطين.

4ــ عملية التثبيت: في 4 شباط 1924، أودع محضر هذا الترسيم عصبة الأمم فأقرّ، وهكذا أصبحت الحدود دولية. (ملاحظة: مطلوب من الحكومة اللبنانية أن توعز إلى سفيرنا في جنيف بتصوير محضر هذا الإقرار والموجود في أرشيف عصبة الأمم ووضعه في متناول المسؤولين اللبنانيين).
5ــ إدارة الحدود: حرصت السلطات الفرنسية والإنكليزية على إدارة الحدود، حتى إنهما وقّعتا في 2 شباط 1926 الاتفاق الذي سمي "اتفاق حسن الجوار المؤلف من 11 مادة".

6ــ في 29 أيلول 1947، أخذت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بحل الدولتين في فلسطين. وبعد الحرب العربية ــ الإسرائيلية عام 1948 تم التوقيع، في 23 آذار 1949، على اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل. وقد نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على ما يأتي: يجب أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين... وفي 1949 (11 أيار)، تمت الموافقة على انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة. وعلى نحو استثنائي، ربطت عضويتها بشروط وردت في مقدمة القرار: "... مع الأخذ بعين الاعتبار التصريحات والشروع التي قدمها ممثلو حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الدائمة، والتي تعهدوا فيها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتخذة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 (المتعلقة بالحدود) وفي الحادي عشر من كانون الأول 1948 (العودة أو التعويض عن اللاجئين) فإن الجمعية العامة تقرر قبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة". (ملاحظة: المطلوب من مندوبنا في الأمم المتحدة تصوير هذا المحضر من أرشيف الأمم المتحدة وإيداعه وزارة الخارجية اللبنانية).

7ــ تثبيت نقاط خط بوله ــ نيوكومب: قامت لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، بإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود بين 5 و15 كانون الأول 1949 وتم وضع تقرير من 12 مادة، إذ تم تثبيت النقاط الحدودية (BP1 ــ BP38)، كما تم وضع 96 مَعْلَماً وسيطاً (B1 ــ B96). ووضعت أعمدة وإشارات ميدانية لإظهار الحدود. وكانت الخريطة 20000/1 Palestine والخريطة 50000/1 Levant هما المرجع في الترسيم (5). (ملاحظة: يجب إبراز الخريطة المرفقة بالاتفاق في ملف المسؤولين اللبنانيين: موافقة إسرائيل على خط اتفاق بوله ــ نيوكومب).

8- محضر اجتماع 18/1/1961: هذا الاجتماع حضره عن الجانب الإسرائيلي الماجور غاشا رئيساً للوفد، والأعضاء: سولن وكوسنسكي وشيتريج، وكان العقيد أنور كرم هو رئيس الوفد اللبناني لدى لجنة الهدنة المشتركة، وذلك بحضور مراقبين من الأمم المتحدة. ولقد تم الاتفاق، في هذا المحضر، على الانتهاء من وضع الشارات الـ 38، ما عدا النقاط الثانوية في منطقة الشارة 38. (ملاحظة: يجب إيجاد هذا المحضر من أرشيف لجنة الهدنة اللبنانية ــ الإسرائيلية، وإيداعه المراجع الرسمية).

9ــ محضر اجتماع 28/3/1967: في هذا الاجتماع، حضر عن الجانب اللبناني الملازم أول روجيه ناصيف والمهندس إيلي قاعي والنائب الأول إيلي نخلة، وعن الجانب الإسرائيلي مزراحي والكولونيل سبان، وعن هيئة الرقابة الدولية الكولونيل ماليتزي والنقيب فان مار. وكان من المفترض أن يتم التوقيع على 8 خرائط. (ملاحظة: يجب إيجاد هذه الخرائط من أرشيف لجنة الهدنة اللبنانية ــ الإسرائيلية، وإيداعها المراجع الرسمية).

10- بعد حرب حزيران 1967، بدأت إسرائيل احتلال النخيلة ومزارع شبعا على مراحل. وحاولت أن تعلّق العمل باتفاق الهدنة معتبرة إياها ساقطة، لكن الدولة اللبنانية والأمم المتحدة أكدتا التمسك بهذه الاتفاقية. في 1978، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان (عملية الليطاني) وقد صدر عن الأمم المتحدة القرار 425 والقرار 426 حيث يجب الانسحاب إلى الحدود المعترف بها دولياً. وكذلك نفذت إسرائيل اجتياحاً آخر عام 1982. وفي 24 أيار 2000، أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان وزعمت أنها تنفذ القرار 425. وقد وافقت الحكومة اللبنانية على الخط الأزرق كخط انسحاب مع بعض التحفظات. وقد استعاد لبنان 17.751.600 م2 كانت أراضي مقتطعة بيد إسرائيل.

11ــ بالمقارنة بين الخط الأزرق وخط بوله ــ نيوكومب، نلاحظ وجود تباين في 13 نقطة. ومجموع مساحة الأراضي المتحفظ عليها بين لبنان وإسرائيل 485487 م2. ونقاط التحفظ هي الآتية: رأس الناقورة 3314 م2، علما الشعب 33273 م2، علما الشعب 1415 م2، علما الشعب 7358 م2، البستان 3824 م2، مروحين 491 م2، رميش 105168 م2، يارون ومارون الراس 12560 م2، بليدا 6950 م2، ميس الجبل 793 م2، العديسة 144866 م2، العديسة ــ كفركلا 12734 م2، المطلة ــ الوزاني 152659 م2. بالإضافة إلى هذه النقاط، هناك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة وقرية الغجر، وهي بموازاة الحدود اللبنانية مع الأراضي السورية المحتلة من إسرائيل. وقد برهنّا بالوثائق أن هناك ترسيم حدود في منطقة المزارع بين لبنان وسوريا منذ 1946، وأن خط وادي العسل هو خط الحدود بين سوريا ولبنان.

12ــ بالنسبة إلى المنطقة الاقتصادية البحرية، طبّق لبنان مندرجات الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي وقّع عليها لبنان بموجب القانون الرقم 295 تاريخ 22/2/1994، ولا سيما المواد 5، 7، 14، 15، 16، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 63، 73، 74، بينما لم توقّع إسرائيل على هذه الاتفاقية الدولية. وتعتدي إسرائيل على المنطقة الاقتصادية اللبنانية وتطالب بمساحة 860 كلم2. كما طرح الجانب الأميركي اقتسام هذه المنطقة بإعطاء لبنان 468 كلم2 وإعطاء إسرائيل 392 كلم2. وقد رفض لبنان هذا الاقتراح ويجب أن يستمر برفضه.

اقتراحات عملية

إن الأزمة الحالية حول حدودنا البرية والبحرية أزمة بالغة الخطورة، ويجب أن نواجهها متسلحين بالوحدة الوطنية وبالقانون الدولي المدعوم بالوثائق وبالحكمة والشجاعة التي تبتعد عن التهور.

من هذا الموقع، نقترح على المسؤولين مجموعتين من الأفكار:

1ــ تجميع كل الوثائق والمحاضر التي أشرنا إليها وإيداعها في الأمم المتحدة وجميع أعضاء مجلس الأمن وكل الدول، وذلك لإبراز تطابق الموقف اللبناني مع القانون الدولي. وهذا يتطلب ترجمة مذكرات توضيحية بلغات عدة.
2ــ تكوين خلية أزمة يكون من أعضائها: جميع رؤساء اللجان العسكرية اللبنانية ــ الإسرائيلية السابقين، الضباط المتخصصون في مديرية الشؤون الجغرافية في موضوع الحدود والإحداثيات، دبلوماسيون محنكون، مسّاحون وطوبوغراف متمرّسون، جغرافيون، مؤرخون متخصصون بالموضوع، وتكون اجتماعاتها مفتوحة وسرية وبعيدة عن الارتهان السياسي الداخلي أو الخارجي وتكون المصلحة اللبنانية العليا هي المرجع وهي الأساس.

إن الصراع على آبار النفط في شرق المتوسط يمتزج حالياً مع الأطماع التاريخية بالمياه والأرض من قبل إسرائيل. فالمشرق العربي، عبر ما جرى ويجري في سوريا والعراق والضفة الغربية والقدس، يتعرض لمخططات خطيرة في مراميها وأبعادها ونتائجها الكارثية على شعوبنا إذا لم نحسن مواجهتها. المطلوب أن نتوحد كلبنانيين، وألا نكون بيادق في لعبة الأمم من القوى القريبة والبعيدة، وأن نكون أقوياء في صمودنا دفاعاً عن وحدة دولتنا اللبنانية واستقلالها وسيادتها، وأن نحسن الدفاع عن مصالحنا وثرواتنا في البر والبحر، وبذلك نكون أمناء على النداء الذي وجهه قادة القضية اللبنانية منذ مئة عام إلى شعبنا من القاهرة (1 كانون الأول 1918): "ليحيا الاستقلال بضمانة الدول. وليحيا لبنان مستقلاً، قوته لنفسه وخيره لبنيه سيداً لا مسوداً، وحراً لا عبداً".

الهوامش:

1ــ راجع كتابنا: "لبنان المياه والحدود 1916 ــ 1975"، ج 1، بيروت، 2012، ص 235 ــ 236.
2- نص الاتفاق، المرجع السابق، ص 88 ــ 93. والخريطة المرفقة بالاتفاق، راجع كتابنا: "الحدود الجنوبية للبنان بين مواقف نخب الطوائف والصراع الدولي (1908 ــ 1936)"، بيروت، 2009، ص 164.
3- نص الاتفاق في كتابنا: "المياه والحدود 1916 ــ 1975"، المرجع السابق، ص 94 ــ 98، والخريطة الملحقة ص 100 ــ 101.
4- نص الاتفاق في كتابنا: "الحدود الجنوبية للبنان"، المرجع السابق، ص 136 ــ 143.
5- راجع نص الاتفاق في كتابنا: "لبنان المياه والحدود"، المرجع السابق، ص 82 ــ 86.

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/02/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد