عبدالمحسن يوسف جمال

لمن يريد الاصطياد في المياه العكرة، لن يكون الحدث السياسي في نظره سياسياً فحسب، بل إنه يراه متلوناً، وفقاً لتلوث الرؤية وغبشها.

فإن رأى حدثين سياسيين متشابهين، فإنه ومن خلال رؤيته الملوثة يميز بينهما من خلال البعد الطائفي تارة، والبعد العنصري تارة أخرى.

وإلا فإن النائب في مجلس الأمة يمثل الأمة كلها كما ينص الدستور، فلماذا ينظرون إليه من خلال منظارهم الفئوي ويحكمون على موقفه وفقاً لما يجيش في صدورهم؟

وعلى سبيل المثال، فإن الانسحاب من الجلسات في المجالس النيابية هو حدث سياسي بامتياز، يحدث في كل دول العالم، يقوم به السياسيون كموقف لأمر محدد ولتوجيه رسائل سياسية، ولقد حدث في الكويت مرارا وتكرارا منذ مجلس الأمة الأول مرورا بكل المجالس، واستخدمته كل التوجهات السياسية من المعارضة والموالاة، والقومية والسياسية والمستقلة من دون استثناء.

فما بال القوم تعمش عيونهم حين قام مجموعة من السياسيين بممارسته كما مارسه غيرهم، فيكتب احدهم متشنجا، ويردفه الأخر غامزا، ويتبعهما الثالث مهولاً.

ينبشون فيه فلا يجدونه إلا موقفاً سياسياً وحقاً دستورياً، ولكنهم أبوا إلا أن يقلبوا الحق الدستوري طائفياً والحدث الداخلي خارجياً!

وتناسوا أنهم هم أنفسهم مارسوا المقاطعة والمعارضة مرارا وتكرارا، ومن المفارقات أنهم اتُّهموا بالخارج أيضا وكانوا يتضايقون من هذه التهمة، إلا أنهم -ويا سبحان الله- يتهمون بها غيرهم، وكأنهم لم يتعلموا من دروس الحياة شيئاً.

وغلا قولوا لي بربكم حين قاطع بعض النواب الجلسات وغادروا إلى «ساحة الإرادة» وكانوا من مذهب واحد، لماذا لم ينعتوهم بالطائفية، ولم تكن لهم هذه الحساسية؟ بل حين ذهب بعض السياسيين إلى الخارج وحارب هناك حاملا السلاح الثقيل أمام العالم كله، مطالبا أقرانه بأن يوفروا له عشرة من البشر ليذبحهم، لم نجدهم يستنكرون عليهم طائفيتهم البغيضة.

وحين قاموا بجمع المال لتزويد الحركات التي أعلنتها الأمم المتحدة حركات إرهابية، لم نجد هذه الفزعة الفئوية، ولم يحاسب من هؤلاء ولا أولئك أحد!

ما نتمناه ألا يحاسب السياسي على أساس مذهبه، بل فلتقتصر المسألة في حدودها السياسية، وإلا «فكلنا أهل أقرية وكلٍ يعرف خيه».

وليبق السياسي سياسيا، وما يتخذه من موقف يسمح به الدستور والعرف السياسي في حدوده لا أكثر ولا أقل.

جريدة القبس الكويتية