آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إبراهيم شير
عن الكاتب :
صحفي وإعلامي سوري

كرة نار روسية في الحضن الأميركي.. ودمشق تحضر لمعركة الفصل في الجنوب


إبراهيم شير

منذ عام 1946 حافظت معظم الدول في العالم العربي على شكلها الحالي حتى المحتلة أو الخاضعة للهيمنة الغربية كان لها حدود معترف بها، ماعدا اليمن الذي تغير شكله عندما توحد في عام 1990 والسودان الذي قسم في عام 2011 إضافة إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا ومن ثم الانفصال في عام 1961 أي بعد 3 سنوات منها، ومنذ ذلك الحين لم تستطع أي دولة فرض سياسة الأمر الواقع على دول أخرى حتى اندلاع الحرب السورية التي كُسرت معها جميع المقاييس فلم يعد هناك قيمة لشيء حتى القرارات والأعراف الدولية تم انتهاكها أكثر من مرة بحجج عدة ما أنزل الله بها من سلطان.

السوريون خاضوا هذه الحرب دفاعا عن عدة مبادئ أهمها الحفاظ على وحدة الدولة وعلمانيتها. وخلال السنوات الـ7 الماضية طرحت عدة أفكار لتقسيم سوريا على رأسها الأطروحات الطائفية مثل “جبهة النصرة” و”داعش” و”جيش الإسلام” ومن ثم الأفكار القومية مثلما حدث في عفرين والآن في شرق وشمال شرق سوريا. وخلال مدة الحرب كانت التصريحات الغربية والعربية الحليفة وغير الصديقة تؤكد على وحدة الأراضي السورية. حتى أتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ليلقي كرة نار في الحضن الأميركي ويؤكد أن واشنطن تريد تقسيم سوريا، وأتت بذلك بعد أيام من تصريحات نائبه سيرغي ريابكوف، الذي قال فيها إن موسكو غير واثقة من الحفاظ على وحدة حدود سوريا.

هذه التصريحات جاءت في وقت يضرب فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، عندما طلب من الدول العربية احتلال سوريا بعد خروج قواته المحتلة. ويطالب ترامب هذه الدول بدفع الجزية بصورة جديدة عندما قال إن بلاده دفعت سبعة تريليون دولار خلال ثمانية عشر عاما في الشرق الأوسط وعلى الدول الثرية دفع ذلك. وشدد على أن الدول الغنية ما كانت لتستمر أسبوعا بدوننا لذلك عليها أن تدفع وتضع جنودها على الأرض.

روسيا أثبتت أنها لاعب دبلوماسي ماهر عندما أوقعت ترامب والغرب بالحفرة السورية، حيث أنها الآن تتهم الغرب بالسعي لتقسيم سوريا وأحداث بلبلة في المنطقة وعودة “داعش” من جديد، إضافة إلى أنها ضربت أسفينا بين واشنطن وأنقرة عندما سحبت الأخيرةَ من الحضن الأميركي، ووصلت حدة الخلافات بين الجانبين إلى مرحلة اعتراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدخول 500 دفعة أسلحة أميركية إلى المسلحين في سوريا عن طريق تركيا، وهذا الأمر اسقط ورقة رابحة من يد الولايات المتحدة التي وجدت نفسها في نهاية المطاف وحيدة في الأراضي السورية وغير قادرة على حماية من دربتهم من قوات “قسد” فطالبت العرب بالقدوم لاحتلال سوريا مكانها.

أما فرنسا ، فأثبت رئيسها ايمانويل ماكرون على أنه أصغر من أن يكون رئيسا لدولة بحجمها. وقال إنه من المستحيل تحديد جدول زمني لإنهاء تدخل بلاده في سوريا، وقد نسي أو تناسى أن هناك مؤسسات ديمقراطية في باريس تمنع تدخل القوات الفرنسية خارج حدودها، وإذا ما حصلت عملية ما داخل حدودها سنرى انهيارا كبيرا لشعبيته لدى الشارع الفرنسي حاله حال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، إضافة إلى أن دمشق غير مستعدة للسكوت عن أي انتهاك أو تهديد لقواتها فوق الأراضي السورية، وأن حدث اشتباك بين الجانبين ربما نرى فضيحة مدوية لماكرون في باريس. والرئاسة في فرنسا ليست في أفضل حال وجميع من أتى فاسدون وكل رئيس يخرج من السلطة يذهب إلى السجن بداية من جاك شيراك إلى نيكولا ساركوزي وصولا إلى فرانسوا هولاند. وماكرون لن يكون أفضل حالا منهم لأن الأموال السعودية التي دفعت له من أجل قصف سوريا أثارت حفيظة الإعلام الفرنسي الذي، منذ ذلك الوقت ،يبحث عن خيط قد يوصله إلى فضيحة تضرب قصر الاليزيه.

موسكو تحاول اللعب بالسياسة ضد واشنطن، وحتى الآن لم نرى أي مواجهة مباشرة بينهما على الأراضي السورية. ولكن، هل نشهد ،في الأشهر القادمة ، اشتباكا بين الدولتين لمنع تقسيم سوريا؟ بحسب المعلومات الواردة فان دمشق وضعت خطة عمليات لتحرير الجنوب السوري بعد الانتهاء من محيط العاصمة، وستكون العملية بالتوازي مع أخرى في المنطقة الواقعة بين ريفي حماة وحمص.عملية الجنوب وتحديدا محافظة درعا قد تتدحرج لتتحول لمواجهة مباشرة بين سوريا والولايات المتحدة وهو ما سيضع روسيا في موقف حرج أن لم تتخذ إجراءات لدعم دمشق في هذه المواجهة. إضافة إلى أن معركة الجنوب السوري ستستفز الاحتلال الإسرائيلي بدون أدنى شك. لذلك المطلوب من روسيا ضبط ردة الفعل الإسرائيلية حفاظا على سلامة المنطقة وتفاديا من تدحرج كرة النار التي قد تشعل المنطقة في أي لحظة. أما معركة الجنوب ستقلب موازين الحرب السورية رأسا على عقب، لأنها ستسحب الأردن هذه المرة من الحضن المعادي إلى الحضن المؤيد للدولة السورية، وستعيد فتح الطريق البري بين لبنان وسوريا والأردن، وهو ما سينعش الاقتصاد الأردني الذي يمر بفترة صعبة جدا منذ سنوات، إضافة إلى أن الأردن تشعر بالخذلان من الوعود السعودية بإيداع مليارات الدولارات في عمان، إلا أن هذا الأمر لم ولن يحصل.

بعد أن دخلت الحرب السورية عامها الـثامن، هناك سؤال يجب أن يُوجَّه للشعب السوري وهو ماذا جنوا منها؟ فقدوا الاستقرار والأمان وهُدم كل ما تم بناءه في أخر 80 عاما، وفقدوا السيادة الوطنية التي انتُهكت وتُنتهك بشكل يومي من قبل الخارج. إذاً إلى متى سيواصل السوريون حربهم وأتّباعهم للخارج؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد