آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أحمد السيد عطيف
عن الكاتب :
كاتب سعودي

برميل سخط


أحمد السيد عطيف ..
أنا المواطن الذي يذهب إلى عمله كل يوم وهو ممتلئ بنية الإخلاص، مفتوح العين والقلب على مجتمعه ووطنه، ومنتظم في دفع أقساط قروضه وفواتير الكهرباء والماء والهواتف.

نظرا لكثرة المطبات والحفر في الطريق فهو يقوم بزيارة شهرية إلى ورش السيارات ليعيد ترصيص عجلات سيارته ووزن أذرعتها، ويلعن مع كل حفرة كل مسؤولي الإدارات المعنية عن الطريق حسب تسلسلهم فهم يبخسون، باستمرار، حقه في معاشه وحقه في طريق سليم. وهو حين يدفع رسوم تجديد رخصة سيارته كاملة غير منقوصة يتوقع أن يجد، مقابل ذلك، طرق السير سليمة غير منقوصة.

يعرف أن مواصفات الطرق متكاملة حين توقيع العقود لكنه، وهو يقطعها كل يوم، يراها خالية من الأساسيات، فالخطوط الإرشادية غير متوفرة وعواكس النور غير متوفرة، ويعرف أن ذمم المسؤولين خانته وخانت الوطن، فيلعنهم حسب تسلسلهم وهو لا يعرفهم. ويعود كل يوم ساخطا محبطا. ويسأل نفسه كل مرة ألا يرى المسؤولون هذه الطرقات؟ ولماذا هم هكذا؟ فما تزيده أسئلته إلا سخطا وتبلدا.

حين يذهب بأولاده إلى المستشفى ولا يجد العناية الكافية يكتفي بلعن الإدارات ويعود ساخطا محبطا. يقدم أوراقه للحصول على حجة استحكام على أرضه فتنفتح له أنفاق لا نهاية لها، من البلدية إلى الإمارة إلى المحكمة... وتنقضي السنوات وهو من جدار إلى جدار حتى ييأس أو يموت ساخطا لاعنا.

يتقدم للحصول على الكهرباء فتنفتح له جيوب في بعض الإدارات المعنية المتعددة وتنقضي سنوات وهو يقتسم معهم معاشه بلا جدوى، ولا يملك إلا السخط واللعن.
المواطن الذي يشعر بأن الترفيه في بلاده ممنوع ولا يعرف كيف هو ممنوع ولا من الذي منعه ويدرك أن النكد والتنكيد ملازمان له، ويشعر بأن المطلوب منه أن يكون ملاكا مترهبنا زاهدا في الحياة متبرئا من طبيعته البشرية".

المواطن الذي يسمع أن شاعرا في بلاده حكم عليه بالقتل بسبب مجازات شعره وأنه تم القبض على صديقه لأنه نشر كلاما تم تأويله بأنه مساس بالثوابت، ووجه سماحة المفتي بمناصحته، لكن تم تحويل القضية إلى الادعاء والتحقيق والمحكمة، المواطن الذي يسمع كل يوم بالثوابت ولا يعرف ما هي، ولا من الجهة التي تحددها؟

المواطن الذي احترق جاره في كارثة مستشفى جيزان العام ولا يعرف كيف كان التحقيق ولا كيف تم إخفاء أسماء المقاولين على بناء المستشفى حتى اليوم وغد.

المواطن الذي يخاف على مستقبل بلاده من الشحن الطائفي فيفزع إلى مجلس الشورى ليصدر قانونا لتعزيز الوحدة الوطنية فيصدمه أن المجلس يرفض مثل هذا القانون.

تكثر في رأسه الأسئلة ولا أحد يساعده في الإجابات، ولا يجد إلا من يشكك في وطنيته وولائه ويلوح له بورقة "مس الثوابت".

مع كل ملف معاملة للحصول على خدمة يتورط في الفساد ويصبح ضمن شبكة ضخمة لا يعرف كيف تكونت ولا أين بدأت، كل ما يعرفه أنه محتاج لخدمات الدولة ومؤسساتها.

كل يوم تزدحم في حياته الخسارات وتتكاثر حوله المنغصات، وتسرق عمره الدوائر الحكومية في المراجعات، وتنهش جيوبه الورش والذمم، فلا يجد الوقت الكافي للاهتمام بتعليم أبنائه كما يحب، ولا أداء عمله كما يجب. يمتلئ بالسخط والإحباط لدرجة التبلّد.

يفقد الأحلام شيئا فشيئا، ولا يبقى له سوى حلم واحد هو الخلاص من اللحظة التي هو فيها، ولن يتخلص منها.

المواطن الذي يذهب كل يوم إلى عمله مفتوح العين والقلب على مجتمعه لم يعد كما كان. صار برميلا مملوءا بالسخط والتبلد والفساد، رغما عنه.
        

الوطن آون لاين

أضيف بتاريخ :2016/02/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد