آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

قراءات في الربيع العربي


قاسم حسين

استضافت الجمعيات السياسية مطلع هذا الشهر عدة ندوات إحياءً للذكرى الخامسة للربيع العربي، وكان آخرها في قاعة فلسطين بجمعية «وعد».

المتحدث الأول كان الأمين العام السابق للمنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن، حيث قدّم استعراضاً سلساً لمسار هذا الحدث التاريخي، الذي فاق حدود التوقعات. ولا يمكن الاتفاق مع القائلين بأن ما جرى مؤامرة أميركية، وإنما كانت ثورات حقيقية وحركات واحتجاجات شعبية على الاستبداد والقمع والفساد، وتطلّع إلى الحرية والكرامة. وكانت أغلبها هبّات عفوية دون تنظيم أحزاب، ولم تكن مفاجأة أن تنطلق من بلدان ذات نضج سياسي، مثل تونس ومصر، مع مجتمع مدني نشط يتمتع باستقلالية كبيرة عن الدولة.

فما جرى إذاً كان تعبيراً عن حاجات موضوعية نضجت ظروفها التاريخية، من فقر وبطالة وتمييز وتدني أجور ومظالم اجتماعية، بينما سعت قوى الثورة المضادة للتسويق بأنها مؤامرة أميركية، وهو «منطق سخيف» كما يقول مدن. في الماضي كان «المنشور» يحمل دعوات التغيير، أما الآن فتولت وسائل التواصل الاجتماعي المهمة، فبضغطة زر تصل إلى شرائح واسعة بالآلاف، ومع ذلك لا يمكن لـ»فيسبوك» أو «تويتر» إطلاق ثورة لم تنضج ظروفها أصلاً.

وللرد على محاولات التشويش وفوضى المصطلحات المتعمدة، يطرح مدن أنه لا يوجد ربيع دائم ولا شتاء أو خريف دائم، كما أنه لا يمكن أن يعيش شعبٌ في ثورة دائمة. كما أنه لا يمكن وضع الدول على مسطرة واحدة؛ لاختلاف ظروف كل بلد، فلا يمكن وضع مصر وتونس في مصاف ما حدث في سورية أو اليمن أو المغرب.

فقد ساد مصطلح «شباب الثورة» في كل هذه البلدان، و«نحن نجلّ الشباب لما لديهم من طاقات وحماس وتضحيات واقتحام المستحيل، إلا أنه لا توجد ثورة أو حركة تاريخية دون قيادة أو برنامج عمل». مثل هذا البرنامج أو الرؤية لا تمتلكها إلا الأحزاب ذات الرؤية فتكون قادرةً على الاستمرار.

ثم إن الثورة لحظة تاريخية، وقد بدت الأحزاب مبهورةً بذلك العنفوان، وهي لم تكن مقطوعةً من سياقها الطبيعي في كل بلد. لقد كان الشباب هو المحرك بلاشك، وهو كذلك في كل الحركات عبر التاريخ، تماماً كما حدث في الخمسينيات أيام هيئة الاتحاد الوطني، ثم في الستينيات أيام القوميين العرب، وما تلاها من أحداث. لقد كان الشباب وما يزال هو المحرك الأول للأحداث.

ويفسّر مدن ما جرى لاحقاً في عدد من البلدان العربية، بأن القوة الوحيدة المنظمة التي كانت مؤهلةً لوراثة الوضع هي الإسلاميون، بفضل وجودهم وتأثيرهم في الساحة. فالأخوان المسلمون كانوا يعرفون ماذا يريدون، ووصلت لهم إيعازات من جهات دولية بأنهم القوة التي سترث الحكم في المنطقة، بينما انحسر حضور الشباب، في الوقت الذي استُدرجت بعض الثورات إلى العسكرة، وانتهت إلى حروب أهلية دامية. ويستثني مدن ليبيا، فما حدث بها لم يكن ثورة، وإنما تدخل عسكري خارجي لإسقاط النظام، وعندما سقط القذافي انهارت الدولة وعمّت الفوضى.

الصوت الثاني نائب رئيس اللجنة المركزية في جمعية «وعد» عبدالله جناحي، الذي استعرض المشتركات في الربيع العربي وخصائص الأنظمة، استناداً على كتاب أديب نعمة عن الدولة الغنائمية، حيث يوصّف أوضاع البلدان العربية، من بطالة واستبداد وتزايد الضغط على العمل النقابي والسياسي، وخنق الحريات، وما أفرزته سياسات «النيوليبرالية» المتوحشة من اعتماد على الاحتكارات والمدخول الريعي والعقارات، إلى جانب الزبائنية وتعيين الأقارب، واضمحلال الطبقة الوسطى، حتى أصبح المزاج الشعبي العام مستعداً لتلك اللحظة التاريخية، لتُطرح شعارات الحرية والكرامة الإنسانية على أوسع نطاق.

جناحي يخلص من قراءته إلى «خارطة الطريق» التي يقدّمها نعمة، للخروج من المستنقع العربي الراهن، وهو الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة بدل الدولة الريعية الغنائمية «العميقة».

الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/02/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد